حقوق وحريات

ما دلالة توقيت إصدار قانون العفو من قبل النظام السوري بهذا الوقت، وقبيل لقاء القمة في أنقرة؟

جهاد الأسمر – رسالة بوست

في قمة أنقرة التي ستعقد اليوم بين تركيا وإيران وروسيا، وكما جرت عليه العادة لن يشارك فيها صاحب السيادة النظام، الذي يُنظر إليه من المجتمعين كأنه ليس موجودًا، فما يجري بمثل هذه القمم التي تبحث الشأن السوري أمر لا يعنيه، فالنظام دائمًا مايتخذ سياسة النأي بالنفس عما يحصل في مناطق واسعة من سوريا. لعل وجود المتبوعَين إيران وروسيا يُغنيان عن حضوره، فهما الأصلاء والمعنيين فيما يجري على الأرض السورية فإذا حضر الأصيل بطل عمل الوكيل.!

يُدرك النظام، أن اجتماع أنقرة الذي سيعقد اليوم ،سيكون اجتماعًا مهمًا بين كل من إيران وروسيا وتركيا بشأن سوريا عمومًا ،وبشأن المعارك التي تجري في إدلب خصوصًا.

لعل تركيا وعبر الرئيس أردوغان قد استبقت الأحداث وأعلنت منذ أيام عن بعض نتائج ما سيتمخض عنه هذا اللقاء من أنها ستتفق مع روسيا على جعل وقف إطلاق النار بشكل دائم في إدلب، مع تأكيد أردوغان لهواجس من مغبة استمرار القتال في إدلب ومخاوفه من أنها ستدفع من يعيش فيها على هجرتها وستجعل الناس يتدفقون على تركيا وهدد إن استمر هذا فستفتح تركيا الباب على مصراعيه للمهاجرين ليغزوا أوربا وهذه رسائل ليست لروسيا بل للغرب عمومًا.

فجميع الأخبار وعلى مدار الإسبوع الماضي الصادرة من أنقرة تمحورت حول هذه القمة و الحديث المبكر عن نتائجها رسائلٌ عاجلة لروسيا ولإيران على ما سيكون عليه شكل القمة التي ستعقد اليوم والأهداف التي تريد تركيا أن تخرج منها.

في ظل هذا،فإن المتبوع روسيا قد أوعزت إلى تابعها رأس النظام أن يقوم بإجراءٍ وعملٍ ما يسجل له، وذلك بغية تبييض صفحته أمام الرأي العام العالمي وأمام القمة ،لتكون ورقة ضغط على تركيا لتكون هذه الخطوة على جدول أعمال القمة، فكان أن اتفقا أن تكون هذه الخطوة هي قيام النظام بإصدار مرسوم العفو الذي نتحدث عنه.

على مدار سنوات الثورة أصدر رأس النظام مراسيم عفو كثيرة،ولكنها لم تمنع هذه المراسيم من ممارسة الأجهزة الأمنية لكل ما تريده من اعتقالات وتصفيات خارج نطاق القانون .فجميع ما أصدره النظام من مراسيم وقوانين عفو كانت جوفاء ولا قيمة لها،وهي لاتساوي قيمة الحبر التي كتبت بها.

ما دلالة هذا المرسوم الذي أصدره النظام وهو يعلم أنه أجوف لا قيمة له ومع هذا أصدره اليوم قبيل القمة المرتقبة بين تركيا وروسيا وإيران؟

النظام بإصداره مرسوم العفو اليوم،أراد أن يبعث رسائل لاستغلال قضية المعتقلين المحكومين على خلفيات الثورة،لتكون ورقة سياسية تعزز الموقف التفاوضي لروسيا ولتقدم روسيا النظام وتسوِّقه للمجتمع الدولي كنظام متسامح مع خصومه،هذه واحدة،أما الأخرى فهي رسالة ليبرهن للعالم أن الوضع في سوريا آخذٌ نحو الاستقرار، وأن الوقت قد حان للمهجرين وللنازحين للعودة إلى حظيرته،بعد أن عفا عن الجميع بموجب هذا العفو والذي تزامن مع تصريح لوزير خارجية روسيا “لافاروف” بالأمس أن الحرب في سوريا قد انتهت ولم يبقى غير بؤر محدودةالتأثير في إدلب.

ما يضاف من مغازٍ لصدور قانون العفو في هذا الوقت بالذات الذي تزامن مع انعقاد قمة أنقرة هو للإيحاء من جانب النظام بأن الأجواء العامة في سوريا أصبحت آمنة لإجراء الانتخابات التي يجري الحديث أنها ستجري في 2021، ولإرسال رسائل إلى العالم بأنه لم يعد من سببٍ يمنع من إعادة العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع النظام بالنسبة للدول التي قطعت علاقاتها معه، وبالتالي البدء بمرحلة إعادة الإعمار التي تأمل روسيا منها أن تنطلق.

فإذا كنا قد عرفنا دلالات ودوافع والأسباب الموجبة من إصدار مرسوم قانون العفو في هذا الوقت، فما الذي تضمنه هذا المرسوم؟

أشار مرسوم العفو الذي صدر بالأمس أنه ألغى عقوبة الإعدام واستبدلها بالأشغال الشاقة المؤبدة بموجب الفقرة” أ”من المادة الأولى منه، ولكن الشيئ الخطير أن هذه الفقرة من المادة الأولى قد أصبحت بلا معنى،وغير ذات جدوى فقد جاءت المادة 14 لتنسف هذه الفقرة واستثنت من تطبيق عقوبة الإعدام الواردة في الفقرة”أ”من المادة الأولى على الجرائم التي أدت إلى وفاة الأشخاص وعددُها 13 عشرة مادة في قانون العقوبات وهي:
حمل السلاح في صفوف العدو، دس الدسائس ضد النظام،الإضرار بالمنشآت العامة ووسائل النقل،معاونة الجواسيس،الدخول إلى الأماكن المحظورة، سرقة أشياء الدولة،إفشاء الأسرار، التجسس، التعامل مع دولة معادية.

بالنظر إلى هذه المواد التي لم يستثنيها قانون العفو من عقوبة الإعدام فجميعها تطال الثوار ،وتطال جميع من خرج على النظام ،فجميع الثوار ستنطبق عليهم واحدة من هذه المواد لا بل ربما ستنطبق عليهم جميع المواد المستثناة من عقوبة الإعدام التي جاء على ذكرها مرسوم العفو،أي أن الموت بانتظارهم فجميع من خرج على هذا النظام سيعامل معاملة الجواسيس والمتآمرين وبالتالي تطبيق عقوبة الإعدام بحقهم.

مشكلة الشعب السوري لم تكن يومًا مع القوانين،بل مع الذين يطبقون هذه القوانين ومع الذين يهملونها بالكلية.

فسوريا لا زالت تعيش حالة الطوارئ، والأحكام العرفية، ولم يجر يومًا رفعها ،وإن ادّعى النظام في السنوات الأخيرة أنه رفعها.

فمشكلة سوريا أنها تحكم من عصابة “مافياوية”لا تقيم وزنًا لقوانين الأرض ولا لشرائع السماء ،فالتصفيات التي تجري خارج نطاق القانون في السجون ،والمعتقلات، التي بات يعرفها الجميع ولعل قيصر “سيزر”ووثاثقه التي أخرجها للعالم تعطي الدليل عما جرى في سجون النظام ومعتقلاته.

فهذا النظام قد أصبح خارج المكان وخارج الزمان، وفقد كل شيئ، وما زال يظن نفسه أنه يمتلك مقومات كان فقدها مع أول شهيد سقط بثورة الشعب، فقدَ السيادة بإدخاله دول بجيوشها لتحميه من ثورة شعبه،وفقد الشرعيةمنذ أن هجّر وقتل شعبه باعتبار أن الشعب هو مصدر لكل شرعية،وكلنا يعرف أن أكثر من ثلثي الشعب السوري أصبح يعيش بدول الشتات فمنذ اليوم الذي اعترفت فيه 125 دولة بالائتلاف ممثل شرعي للشعب السوري و فقد هذا النظام وجوده القانوني والدستوري والشرعي وأضحت الشرعية المعترف بها هي للشرعية الثورية.

فهل لنظامٍ ارتكب جرائم لم تقتصر على الشعب السوري وحسب،بل إنه ارتكب مجازر وجرائم بحق الإنسانية جمعاء في لبنان والعراق و في أماكن كثيرة غيرهما، نقول فهل لمثل هذا أن يصدر قوانين؟ وهل لنظام متهم بمثل هذه المجازر والابادات الجماعية أن يصدر مراسيم عفو؟.
الأمر المضحك في هذه المراسيم أن النظام أسماها مراسيم عفو ! ولا ندري من يعغو عن من؟ فأنّى لقاتلٍ أن يعفو عن قتيل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى