مقالات

البرقاوي ومبادرته عن الشعوب السورية وسورية الاتحادية

مهند الكاطع

كاتب وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

الدولة التعاهدية أو الاتحادية statfederal المأخوذة من مصطلح federalism ، يعود أصلها للمصطلح اللاتيني Feuds وتعني المعاهدة أو العقد. ويتم التعبير عنها بصيغ متعددة: الدولة الاتحادية، الاتحاد الفيدرالي، الاتحاد المركزي.

في بداية الثورة السورية، كانت الأحزاب الكردية أول من طرح شعارات ومطالب نحو جعل سورية دولة فيدرالية، أو دولة اتحادية (وفق النموذج العراقي!)، وأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي -التابع للعمال الكردستاني- عدة مرات عن إدارة ذاتية بشكل منفصل منذ عام ٢٠١٣.
والواقع أن الأحزاب الكردية في سورية كانت أول المستغلين لانطلاق شرارة الثورة السورية ، للترويج لمطالب لها علاقة بشكل الدولة المستقبلية، أو تصوير أن الصراع في سورية هو صراع قومي، مبتعدة بذلك عن سياق و أهداف الثورة الرئيسية المتمثلة بالنضال لإسقاط الاستبداد الذي يمثله النظام القمعي، وبناء دولة مواطنة مدنية تضمن العدالة والحرية والمساواة لجميع السوريين. ومن نافل القول بأنه في حال عدم تحقيق أهداف الثورة آنفة الذكر، تصبح أي مشاريع أخرى عن شكل الدولة أو إعلانها ضرب من الوهم و الهروب من مواجهة المشكلة الرئيسية في سورية، وحرف للثورة عن مسارها وأهدافها، ونقل المسألة من مواجهة استبداد وتسلط نظام طائفي مافوي مدعوم من إسرائيل وروسيا وإيران والغرب، إلى مسائل فرعية لا يمكن بحثها قبل تحقيق الحد الأدنى من مطالب الشعب السورب.
أعود إلى بداية الموضوع، المتمثل في مبادرة أطلقها من الأمارات د. أحمد برقاوي مع ثلة من السوريين، تحت عنوان ( مبادرة من أجل سورية دولة اتحادية).
وحتى أُلخص محتوى المبادرة بجملة واحدة وبلغة بسيطة قبل الشروع بتوضيح عللها ومغالطاتها وخطورتها، أقول أنها تتلخص بالآتي: [ إلغاء شكل سورية الحالية ذات المركزية السياسية، وتقسيم سورية لعدة أقاليم، ثم إعلان دولة سورية الاتحادية التي تضم تلك الأقاليم، على أن تكون تابعة لإدارة مركزية سياسية في دمشق]. يعني بعبارة أخرى، شكل الدولة الجديد من حيث التطبيق لا يختلف عن الشكل القديم (المتمثل بمركزية السياسية وبالإدارات المحلية في المحافظات)، لكن الجديد سيكون فقط في لغة التمهيد لعملية تقسيم سورية مستقبلا عبر إعادة التقسيمات الإدارية بما يسمح بدمج بعض المحافظات بإقليم واحد، حيث تبدو معها سورية كأقاليم بدلا من محافظات، على سبيل المثال والافتراض: ( إقليم شمالي عاصمته إدلب، إقليم شرقي عاصمته الحسكة، إقليم الساحل عاصمته اللاذقية أو جبلة، إقليم جنوبي عاصمته السويداء، إقليم في الداخل وعاصمته دمشق).

لماذا لا تشكل المبادرة مشروعاً وطنياً؟
دعونا نقتبس فقرة واحدة في هذه المبادرة وندقق فيها، ليتضح معنا حجم الكارثة التي أطلق عليها البرقاوي ورهطه بالمبادرة، وسأقتبس هنا الفقرة السادسة والتي جاء فيها:
” تقوم الجمهورية السورية الاتحادية على توزيع إداري يأخذ بعين الاعتبار الوقائع الجغرافية والثقافية والاقتصادية، بعيدا عن التمييز القومي والطائفي، مع مراعاة خصوصية المكونات القومية وشعوب المنطقة، وضمان حماية حقوقهم التي تم انتهاكها في عهود الاستبداد تحت سياسة الاضطهاد والإقصاء التي طالت الكرد الذين يعيشون على أرضهم التاريخية وكذلك حال العرب والسريان والآثوريين والتركمان والقفقاسين، بحيث تضم الجمهورية الاتحادية أقاليم جغرافية متآخية مرتبطة بعضها بمركزية سياسة واحدة هي العاصمة دمشق”.
الملاحظات:

  • ماذا نفهم من توزيع إداري يأخذ بعين الاعتبار الوقائع الجغرافية والثقافية والاقتصادية بعيدا عن التمييز القومي؟ في الشمال السورية مثلا كيف يمكن توزيع المنطقة إداريا وفق الوقائع الثقافية ودون تمييز قومي ؟ خاصة أن المنطقة التي تتوزع فيها الأقليات الثقافية القومية هي مناطق مختلطة بالأساس ولا تشكل أي من الأقليات القومية حالة معزولة مناطقيا يمكن أن تحقق حالة إدارية منفردة.
  • ماذا نفهم من عبارة خصوصية المكونات القومية وشعوب المنطقة؟ هل نتحدث في سورية عن شعب سوري يضم أقليات لغوية ودينية وطائفية أم شعوب ؟ أليست هذه العبارة التي اقترحها الروس وقبلهم جماعة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي؟
  • لماذا تسمح هذه المبادرة بتمرير المصطلحات والرسائل الإيديولوجية المغلوطة التي تحمل تبعات سياسية غير مبررة، مثلا عبارة ” سياسة الاضطهاد والإقصاء التي طالت الكرد الذين يعيشون على أرضهم التاريخية وكذلك حال العرب والسريان والآثوريين والتركمان والقفقاسين”.
    هذا الفقرة هي قص ولصق من أدبيات ورؤى الأحزاب القومية الكردية بعد الثورة، و التي تفترض وجود اضطهاد خاص ومميز ومضاعف بحق الأكراد وتتحدث عن “أرض تاريخية” وعلى أساس هذه المصطلحات تطرح مطالبها بحق تقرير المصير كمبدأ ينطبق على الاكراد بوصفهم شعوب مضطهدة تخضع “ارضها التاريخية” لاحتلال والذي وفق القوانين الدولية يجعلهم مشمولين بحق تقرير المصير احادياً في سورية التي تتكون وفق المبادرة من شعوب وليس شعب واحد !! ثم تأتي دباجة إضافية كتحصيل حاصل( و كذلك حال العرب والسريان والاثوريين …الخ).
  • يلاحظ من خلال البند على تقسيم الشعب السوري إثنيا ولغويا ( قومياً) وتجاهل التقسيمات الأخرى الطائفية التي ربما تمثل الشكل الأعمق في أزمة الثقة في الحالة السورية !! .
  • يلاحظ من هذه الفقرة أيضا بأن هناك خلط بين المستويات، فالفقرة بدأت بالأساس بمسألة التوزيع الإداري الجديد وعرجت على مسألة حقوق #الشعوب وانتهت بشكل الدولة بمركزية سياسية وعاصمتها دمشق !

هذه الفقرة نموذج فقط عن العقلية التي تم بموجبها صياغة هذه المبادرة، التي حاولت تمييع هوية الشعب السوري، وتصويره على أنه شعوب وأن مشكلته هو في شكل الدولة وأن الحل يكمن في إعلان فوري وعاجل لجمهورية سورية الاتحادية، وتتهم المبادرة في الفقرة الثالثة بأن هذا الإعلان ليس حالة فريدة، بل سبقتنا إليه شعوب عديدة عندما استشعرت خطر التفكك والزوال!

والمغالطة الكبرى في هذا الطرح حول المقارنة بين سورية التي هي بالأساس دولة بسيطة وتتكون من شعب سوري واحد يتضمن أقليات لغوية ودينية ومذهبية، وبين تجارب شعوب أخرى كشعوب الاتحاد السوفييتي السابق مثلا ، التي كانت تعتبر نموذج الدولة المركبة التي تتألف من أقاليم مترامية الأطراف، وشعوب ولغات وثقافات مختلفة لا يجمعها تراث مشترك ، وبالتالي عندما تفكك الاتحاد السوفيتي ورغبة بعض دولها بالاستمرار في دولة اتحادية، شكلت ما يعرف بروسيا الاتحادية اليوم التي تضم ٢٢ جمهورية و ٨٥ كيان و ٢٧ لغة الى جانب اللغة الرسمية!

أنا ضد هذه المبادرة التي لا تمثل طموح الشعب السوري، وتتجاوز البعد الوطني بكل أبعاده، وتمثل انفصال كامل عن الواقع السوري، وتؤسس لعملية تقسيم المجتمع السوري وتعزيز الشرخ الاجتماعي وترسم ملامح لكيانات وأقاليم سورية تساهم في تعقيد المشهد وليس في إيجاد حلول للحالة السورية الراهنة.
وأهيب بكل السوريين الأحرار إلى التصدي لأي مشروع، تكمن شياطينه بالتفاصيل، والتي تقف وراءها إرادات غير بريئة ولا يمكن القبول بتسويقها على أنها مشروع وطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى