أخبار عاجلة

أستانات المكر والخداع

عمر عبد العال

مدير أخبار رسالة بوست
عرض مقالات الكاتب

أصدرت الأطراف المشاركة في محادثات أستانا 13، بيانها الختامي الذي أكدت فيه على ضرورة استبعاد الحل العسكري للملف السوري، وأكد البيان على ضرورة زيادة الدعم الإنساني في مختلف مناطق سوريا، كما تم الإجماع على أن الحل السياسي هو الوحيد للملف السوري على أساس القرارات الأممية ومخرجات مؤتمر سوتشي.
ويذكر أن الجولة الأولى من مفاوضات أستانا عقدت في كانون الثاني عام 2017، ـ والتي سعت روسيا لإيجادها، للالتفاف على مخرجات جنيف، وقد تم التأكيد فيها على الحل السياسي والاتفاق على تشكيل آلية مراقبة تركية روسية إيرانية لوقف إطلاق النار، والالتزام بوحدة واستقلالية الأراضي السورية، لتتوالى بعد ذلك سلسلة الجولات الأستانية، مقدمة للثورة السورية سلالًا بلا عنب.
أفرزت جولات استانا عن تشكيل أربع مناطق، لخفض التصعيد في سوريا، وهي في الغوطة الشرقية، وريف حمص الشمالي، والجنوب السوري، وأخيراً في إدلب، ومن ثم طُرح ملف المعتقلين والعمل على إطلاق سراحهم من معتقلات النظام السوري، كما أن روسيا قدمت اقتراحات بوضع دستور جديد للبلاد.
واتفقت الأطراف بعد البيان الختامي لمحادثات استانا 13 على عقد جولة جديدة من المحادثات في مدينة نور سلطان الكازاخستانية في شهر تشرين الأول القادم، لتكملة مسلسل أستانات المكر والخداع، لفريق الاخراج الثلاثي، بوتين وأردوغان وروحاني.

لم تعد مخرجات أستانا تحتمل التأويل والاستنتاج، بل باتت نتائجها ملموسة للعيان بنجاحات برّاقة، بتأثير مباشرعلى الميدان وأن نجاحات أستانا واكبت الاجتماعات وعززتها لطرف واحد، نجاحات لنظام الأسد وحلفاءه.

لقد انطلق مسار أستانا – كاستراتيجية روسية – تحت ذرائع شتى، وخاصة أن القصف الجوي الروسي لم يتوقف عن استهداف المدنيين السوريين بالإضافة إلى استهدافه للفصائل ذاتها التي تشاركه الجلوس على طاولة المفاوضات، فقد قدمت التسهيلات لنظام الأسد مدعومًا من روسيا، لتكملة عمله بطريقة ممنهجة منذ عام 2013 على استئصال قوى الثورة والسيطرة على مناطقها، وتهجيرا قسريًا لسكانها واقتلاعهم من جذورهم ونفيهم في إدلب، التي ربما تكون محرقة موعودة.
لقد بدأت العملية من مدينة القصير في 2013 بعد ترحيل أهلها، واغتصاب ميليشيا لواء الرضا الشيعية لتلك البلدة، ثم لحمص القديمة في 2014، ثم داريا في أغسطس 2016 بعد أربع سنوات من الحصار، ثم معضمية الشام في تشرين الأول 2016، وفي نهاية عام 2016 رُحّل نصف سكان مدينة حلب ـ حلب الشرقية ـ، وفي نيسان 2017 تمت عملية التغيير الديموغرافي بإجلاء سكان المدن الأربع كفريا والفوعة ـ الزبداني ومضايا، وفي أيار 2017 هُجّر أهالي حي برزة الدمشقي، وفي نيسان 2018 تم تهجير سكان الغوطة الشرقية بعد قصفها بالسلاح الكيمياوي، ثم استمر تيار التهجير ليشمل منطقة القلمون، مروراً بسكان ريف حمص الشمالي.

لقد كان مفهوم خفض التصعيد مرادًا منه منذ البداية، أن يكون مُلزمًا لقوى الثورة فقط، وليس للنظام وحلفائه، وما يؤكد ذلك أنّ الجانب الروسي، ومنذ لقائه الأول مع قادة الفصائل العسكرية وحتى الآن لم يعطِ وعدًا مكتوبًا أو موثقًا يلزمه أو يُلزم نظام الأسد بوقف إطلاق النار.

ومع انتهاء الجولة السادسة من مباحثات استانا، والتي أكدت في بيانها الختامي، على السعي في إطلاق سراح المعتقلين، وعلى نقل الحل في سوريا إلى مؤتمر سوتشي، الذي سعت روسيا جاهدًة للترويج له، وإجبار المعارضة السورية على حضوره، لكن نتائج المؤتمر واجهت انتقادات واسعة، وقال المحلل السياسي بسام جعارة في تغريدات له على تويتر، ردًا على المؤتمر: (أن ‏الأكاذيب التي يروجها وفد أستانا وديمستورا حول تحقيق تقدم في قضية المعتقلين، مجرد أكاذيب لتبرير الذهاب إلى سوتشي، القرارات الأممية نصت على إطلاق سراحهم قبل البدء بمباحثات جنيف، وتشكيل مجموعة عمل لبحث أوضاعهم، هو تنازل جديد).

وفي الوقت ذاته لا يريد النظام السوري فتح ملف المعتقلين، لأن ذلك سيُسبّب إحراجاً له، لأن معظم المعتقلين لديه تمت تصفيتهم، وبحسب مصادر للثورة، أن النظام قتل 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا، رغم أنه سجن إصلاحي، ويخضع لرقابة الأمم المتحدة، ناهيك عن باقي السجون السرية.

وقد اعتبر ذهاب وفد المعارضة للمشاركة في سوتشي، تخليًا عن المبادئ الرئيسية للثورة، كون سوتشي هو مؤتمر لتثبيت الأسد في الحكم.

لقد حققت أستانا مصالح الدول الضامنة وأجّلت مطالب المعارضة، فقد تحققت المصالح التركية التي تسعى لأخد دور في شمال سورية، من خلال تأمين غطاء دولي لدخولها إلى عمق الشمال السوري كقوات مراقبة.
كما أن بيان أستانة 6، والذي أوضح أن “مراقبين من الدول الثلاث الضامنة (تركيا وروسيا وإيران) سينتشرون في نقاط التفتيش والمراقبة في المناطق المؤمنة التي تشكّل حدود منطقة خفض التوتر في إدلب، يعني أن قوات روسية وإيرانية ستنتشر على خطوط تماس مع قوى الثورة، خاصة في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي، الأمر الذي يطرح مخاوف من أن تقدّم كل من روسيا وإيران غطاء لعمليات النظام للسيطرة على مناطق قد يجدها النظام استراتيجية بالنسبة له، بحجة محاربة النصرة، كما حصل في غوطة دمشق، المحسوبة على مناطق تخفيف التصعيد، والتي تم استثناء بعض المناطق الاستراتيجية للنظام منها، كجوبر وعين ترما.
ولقد جمّدت جولات الأستانة جبهات كان النظام يريدها أن تتجمد ليستفرد بجبهات أخرى، ولمَّا أراد النظام إغلاق جبهات بضمانة كاملة، أخذ ذلك من الأستانا واطمأنَّ، وبذلك إستطاع نقل قطعات عسكرية كبيرة إلى مناطق استراتيجية أخرى.

لقد شارك في أستانا وفد من المعارضة السورية، ادعوا أنهم وكلاء عن الثورة السورية، تجسّدت السخرية فيهم، وفي إصرارهم على الاستمرار في ترديد أكاذيب الروس ومزاعمهم التي لم تعد تخفى على أحد.
ولعلّ المصيبة الأكثر فداحة في هذه المسألة هي أن يتحول وفد المعارضة في أستانا من أشخاص مخدوعين بأكاذيب الروس ووعودهم الزائفة، إلى وفد بات يعلم جيداً أنه يسعى بكل مدركاته العقلية والإرادية إلى التفريط بكل حقوق السوريين والاستجابة لرغبات نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، وخاصة أن مخرجات أستانا الواقعة على الأرض، كانت تركز وتصب في مصالح الدول الضامنة لا في مصلحة الثورة السورية.
من خلال الأستانات حققت روسيا وإيران أكثر مما كانتا تتوقعان وتتمنيان، فحققت لهما فصل الحراك المسلح للمعارضة عن الحراك السياسي، وتفريق الصف، وخلق مسارين، وتجميد الجبهات العسكرية، لإجهاض الثورة، وتحقيق مكاسب للنظام.
فقد نجح الروس في سحب الدول الداعمة للثورة والتي سحبت بدورها الفصائل إلى المربع الذي يحفظ بقاء الأسد فيما سيتم مقاتلة كل من يرفض وجوده، فكل من لا يزال يريد رحيل بشار الأسد متطرف يجب أن يزول في ميزان الروس الضامنين.
لقد بات صراع المصالح الإقليمية والدولية في الساحة السورية، ليس من أجل قضية الشعب السوري، وكذلك أن المضامين الجوهرية لثورة السوريين، باتت غائبة عن مشهد الصراع القائم في سورية، بل الحاضر الرئيسي في الصراع هو المصالح القريبة والبعيدة للأطراف المتصارعة.

فإلى أي حلقة يرغب المخرجون الثلاثة، تكملة مشهد العهر السياسي في مسلسلهم الأستاني على حساب دماء الشعب السوري؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

قراءة متأنية في الربيع السعودي الإيراني (ج2)

نزار فاضل السامرائي بعد توقيع اتفاق التفاهم السعودي الإيراني بوساطة صينية، وصفها …