مقالات

هل أصبح الدين سلعة سياسية؟

خالد محفوظ

كاتب وإعلامي عراقي
عرض مقالات الكاتب

ينتقد البعض ويهاجم البعض الأخر تجربة أحزاب الإسلام السياسي الحالية في حكم بعض البلدان العربية متناسيًا أن هذه تشكيلات سياسية تتخذ من الإسلام وهو دين الغالبية العظمى من شعوب العرب منهجاً ورداءً وسلماً للوصول الى غاياتها الخاصة مستغلة حالة الجهل والتخلف العلمي والثقافي السائد لدى هذه الجموع والذي يشكل مناخاً خصباً لتمرير الخطاب الديني المبهر والمملح والمتبل بنبرات الحماسة والانتصار وحتى الثأر ، وهو ما يلقى قبولاً سريعاً عند هذا النوع من الجمهور بسبب خواءه الفكري ورخاوة بيئته الاجتماعية وانعدام تكوينه السياسي الذي يتلاءم مع التجارب الديمقراطية الحقيقية في العالم المتقدم ، التي تقول أن التعددية الحزبية وتوفير الخيارات والبدائل المأخوذة من الساحة وليس من وسائل الأعلام هي من أساسيات إنجاح العملية الانتخابية التي توصل هذا الطرف أو ذاك لسدة الحكم وفق عقد غير مكتوب بين القواعد الشعبية التي أوصلت هذا التكتل أو الائتلاف أو التحالف أو التجمع أو أيا كان لأعلى سلطة قرار وبين الفائز ، وبما أن العقد غير مكتوب فهو سيكون مرئي وملموس من قبل الجمهور على الأرض وبالتالي أي أخلال في تنفيذ احد بنوده سيدفعهم للتذمر أولا وفي حالة التكرار لرفع الصوت واذا ما ارتكب خرق ثالث قد تنزل الجموع للشوارع وتنطلق احتجاجات تسقط من انتخبوه هم في الأساس لأنهم شعروا بزيف شعاراته وعدم قدرته على تطبيقها …لكن أين بلداننا و( ديمقراطياتنا ) الخلبية الوهمية المستقاة من قصص ألف ليلة وليلة من كل هذا !

دول بأكملها ضاعت بسبب عقول متحجرة متعطشة للسلطة حد الجنون وتصرفات وأفعال تزيد السيء سوءً وتنتقم من التأريخ والحاضر والمستقبل في صفقة واحدة وسباق مع الزمن لبناء دكتاتوريات تتفوق على من سبقهم وعقول تتخذ من الخطاب الديني ومظاهر التقوى أطاراً لها فيما يكشف واقعها عن عشرات الفضائح شبه اليومية لما يخالف ويعاكس تلك الأمور التمثيلية المعلنة عندما يتعلق الموضوع بما يفعلوه خلف الجدران المغلقة.

نفاق وكذب واستعلاء ومتاجرة رخيصة بالدين جعلت الكثير من الناس يكفرون به وليس بساسة الغفلة هؤلاء ، لأن الخير يخص والشر يعم وهم عمموا عن قصد وإصرار وتعمد كل أنواع الشرور ليس باسم الدين الحنيف ذاته فقط بل باسم المذهب الذي اخترعوا لجمهورهم قصة انهم حماته وقادته والمدافعين عنه ضد الأخرين مستغلين كما اسلفنا أعلاه حالة الجهل والتخلف المعرفي والفكري والثقافي والديني المطبق لدى الغالبية العظمى من هذا النوع من الجمهور دون أن يسألهم من انتم ومن أين جئتم ومن أعطاكم السلطة للتحدث والتصرف باسم الله سبحانه وتعالى أولا ومن ثم باسم عائلة آل بيت النبوة الطاهرة الشريفة.

المصيبة أن هذا النوع من الأحزاب معروف بانغلاقه التنظيمي الشديد على نفسه وطريقته في إدارة شؤونه وعدم السماح إلا لأبناء طائفته بالانتماء أليه حتى لو كان عضواً مستجداً عادياً ، لأنه يبني أساس ديمومته على الفكر العقائدي المذهبي المتطرف ، الذي يشجع على كره وتهميش بل وقتل ومحو الأخر .

هؤلاء افتتحوا مرحلة جديدة من الشعارات بعد أن استهلكت على ما يبدو شعاراتهم القديمة فصاروا يحدثون قواعدهم عن الانفتاح على مشروع عالمي يتجاوز حدود أوطانهم ويذوب وينصهر في بوتقة اطلاق المشروع العالمي لإسلام عابر للأمم وليت هذا الكلام صحيح ولو بحده الأدنى فهو نوع جديد من تسخير الدين الحنيف لصالح أجندات سياسية خالصة لكنها هذه المرة خارجية صارت تطرح نفسها كقائدة وشرطي جديد في المنطقة مستغلة الأحداث والتغييرات الجيوسياسية والديموغرافية التي حصلت في العقد ونصف الأخير من الزمن وغياب قوى مؤثرة وتلاشي دور قوى أخرى لتوظف الموضوع بطريقتها البراغماتية المعروفة لصالحها ممهدة الأرضية لذلك بمجموعة من الأدوات التي ترتبط بها روحياً وفكرياً وعقلياً وانتمائياً ، لذلك فأن هذه الأحزاب تتقاتل من اجل المكاسب السياسية والتواجد فيها والوصول لقمتها مع التعارض الشديد بين منهجيتها وواقعها الانفرادي المتقولب في إطارات معينة وما تحتاجه العملية السياسية الحقيقية من حالة انسجام وتعاون وتوائم مع الأطراف الأخرى المشاركة فيها .

طبعاً الخاسر الأكبر في هذه المعادلة غير العادلة كان هو الدين نفسه لأنه تحول بيد هؤلاء الى تجارة تدر عليهم مليارات وكراسي ومناصب وأوضاع اجتماعية وسيطرة وتسلط، وهو أي الدين يقف مع كل الأسف في زاوية مظلمة يتعرض فيها للتجاوز بسبب هذه النماذج والمضحك المبكي أن من يتجاوز عليه هم انفسهم الذين انتخبوا هؤلاء وسيعيدون انتخابهم في أي انتخابات مقبلة لأسباب (دينية).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى