تحقيقات

النظام ومعاهداته، معاهدات دولية أم أنها عقود من عقود الإذعان؟

خاص رسالة بوست

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع فيه أن نظام الأسد قد أجرى عقود بيعٍ استترت تحت مسميات اتفاقيات ومعاهدات ما أنزل الله بها من سلطان، و يقوم بإبرام عقود بيع وإيجار واستثمارات وتنازلات للموانئ السورية، والمطارات، والعقارات للدول التي قام باستدعائها لحمايته من ثورة الشعب التي اشتعلت في عام 2011.

جميعنا يعلم أن هذا النظام الذي يتغنى بالسيادة ليل نهار لم يعد يمتلك منها سوى اسمها، بعد أن باتت جميع مفاصل الدولة الإقتصادية والسياسية والعسكرية بيد الدول التي باتت تحميه حتى أنه بات موضع تندر وسخرية للكثيرين حتى ضمن مواليه للدلالة على عجزه أمام هذه القوى وأنهم باتوا يطلقون عليه من باب التهكم “مختار حي المهاجرين” في إشارة منهم أنه لم يعد يمتلك من أمره شيئًا،فهذه الدول التي استقدمها لحمايته تفعل في مناطق سيطرة النظام التي يدعي سيطرته عليها تفعل ما تشاء دون حسيب أو رقيب وبات وجود رأس النظام أمرًا شكليًا “بروتوكوليًّا”وواجهة “ديكور”تقوم كلًا من إيران وروسيا بإظهاره واستدعائه في كل مرة تريد فيه أن تتعاقد معه لأجل أن يقوم هو بالتوقيع فقط لتقتطع وليتنازل عن ماتريد منه أن يتنازل عنه في عقود شبيهة بعقود “الإذعان” التي تجري بين طرف قوي وطرف ضعيف كل ما يجب عليه فقط أن يقوم بالتوقيع عليها دون أن يكون له الحق في مناقشة شروط هذه العقود وبنودها.

كلنا سمعنا عن كثير من الإتفاقيات التي عقدها وأبرمها هذا “النظام” مع كل من روسيا وإيران وباتت هاتين المحتلتين تتسابقان للحصول على كل ما يمكنها الحصول عليه من سوريا من مصانعها، ومناجمها، ومرافئها ومطاراتها وكل مكان آخر من سوريا تريان أن له قيمة في وقت لم يعد في سوريا شيئًا له قيمة.

فقد سرى مؤخرًا أن روسيا ستقوم بانشاء مرفئ كمرفئ طرطوس على البحر الأبيض المتوسط في ظل تعتيم على هذا الخبر ، فالاتفاقيات والتنازلات والإقتطاعات من جسد هذا الوطن جارٍ على قدم وساق،فمَثل روسيا وإيران وهما تقتطعان من سوريا ما تشاءان مَثَلهما كمثل الجزار الذي يقتطع لحمًا من جسد ذبيحته ومن المكان الذي يحلو له أن يقتطع منه، ما سمعناه من ظاهرٍ قليل أما كثيره فما خفي منه أدهى وأمر.

يرى كثير من المراقبين أن تدهور الليرة السورية في الأيام القليلة الماضية إن هو إلا وسيلة ضغط وإكراه
من الدول المحتلة روسيا وإيران لأن تستحوذ على أشياء لم تستطع بعد الحصول عليها، فقامتا بوقف دعمهما لليرة السورية للحصول من هذا النظام فاقد السيادة ،والشرعية على ماتأملان الحصول عليه كوسيلة من وسائل الإكراه ،ولا أدل على الوضع الخطير الذي وصل إليه هذا النظام من قيامه بالحجز على أموال بن خاله رامي مخلوف لتلبية الاستحقاقات الواجبة الدفع لها نتيجة صفقات جرت بينهما لم يعد بقادر على تأمينها إلا بهذه الطريقة.

ما موقف القانون مما يجري من اتفاقيات ومعاهدات في ظل الوضع الذي تم ذكره؟

من المتفق عليه قانونًا وفقهًا ولا سيما في القانون الدولي أن جميع الإتفاقيات والمعاهدات لاتنتج آثارها القانونية بين الدول إلا بعد أن تستوفي جملة من الشروط التالية:

١- أهلية التعاقد: فأهلية التعاقد لاتتوفر إلا للدول ذات السيادة الكاملة، ويجب أن يكون الطرف المتعاقد” الدولة” أهلًا لأن تصدر منها تصرفات تحدث التزامًا دوليًا، وما نشاهده ونراه ويراه الجميع أن النظام وبعد أن فقد الشرعية مع أول رصاصة أطلقها على الشعب ومع سقوط أول شهيد منه أصبح أيضًا فاقدًا للسيادة على أرضه فإن ذلك يدعو لبطلان الاتفاقيات التي يقوم النظام بإنشائها.

٢- أن تكون الإرادة للدولة سليمة: ويتوفر الرضا وخلوها من أي إكراه ،أو غش، او تدليس ،أثناء إبرام الاتفاقية أو المعاهدة.

٣- الالتزام بعدم اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية على نحو غير مشروع. وهل بقي هناك من سيادة لهذا النظام بوجود قوات احتلالٍ تنتشر فيه شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا؟

٤- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول،

فانتفاء شرط واحد من هذه الشروط يؤدي لبطلان الإتفاقيات والمعاهدات الدولية فما البال بأن النظام لم يفقد واحدة من هذه الشروط فقط بل انه فقدها جميعها.

اتفاقية فينا لقانون المعاهدات

فاتفاقية فيينا للمعاهدات فيما بين الدول و التي دخلت حيز التنفيذ في 27 كانون الثاني 1980 نصت في مادتها 52 على أنه:

“تكون المعاهدة باطلة إذا تم التوصل إلى عقدها بطريق التهديد،أو استخدام القوة بصورة مخالفة لمبادئ القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة “.

والإكراه ينصب على رئيس الدولة او على الدولة ذاتها . فهنا يجب على كل دولة أن تعبر عن إرادتها بالالتزام بصورة واضحة جلية لا لبس فيها، إنطلاقا من مبدأ المساواة في السيادة بين الدول،وكذلك مبدأ حرية التعاقد،فلا يمكن إجبار دولة ما على الالتزام بمعاهدة لم تكن راغبة أصلًا في إبرامها أو الموافقة على الانضمام إليها.

السؤال الذي يطرح هنا وبوجود قوات الاحتلال الروسي والإيراني وسيطرتهما ومصادرتهما وكما قلنا للقرار الإقتصادي والسياسي والعسكري هل بقي من سيادة وشرعية لهذا النظام كالتي جاءت عليها وعرَّفتها المادة 52 من اتفاقية المعاهدات لتكون ما يُنشئه هذا النظام من معاهدات واتفاقيات صحيحة لتنتج آثارها القانونية؟ و هل بقي لهذا النظام من سيادة كالتي نصت علبها المادة 52 من قانون المعاهدات في ظل احتلالات لدول مثل أمريكا وروسيا وايران وفرنسا وبريطانيا وغيرها؟

فالقوانين وكما اشترطت في صحة تصرفات الشخص الفرد المتعاقد من وجوب توفر الأهلية القانونية من إرادة سليمة وحرة في تصرفاته القانونية وأبطلت كل تصرف قانوني من شأنه أن يشوب إرادته وجعلته كأن لم يكن، فجميع ما يطرأ على أهلية التعاقد لدى الشخص الفرد في ظروف تنعدم أو يشك في انعدامها الأهلية لديه أو نقصها مثل طلاق الزوج لزوجته كي لا ترثه وما يسميه القانون”طلاق الفار” وكذلك من يتصرف في أمواله وهو في “مرض الموت” نقول وكما أن هذه الحالات تطرأ على تصرفات الفرد فإن الدول أيضًا بمعاهداتها واتفاقياتها تخضع لما يخضع له الفرد من توافر لشروط الأهلية في التعاقد من إرادة حرة وخلافها

إذًا مامصير الاتفاقيات والمعاهدات التي عقدها “النظام”في سوريا وهو على ماذكرناه

كل اتفاقٍ أو معاهدة دولية أبرمت تحت الإكراه سواء كان إكراهًا واقعًا على الدولة ذاتها أو على ممثلها فهي تقع باطلة بطلانًا مطلقًا، ولا يمكن أن تجاز لاحقًا بتصحيح ذلك البطلان، ولعل هذا مايدفع الدول التي تحتل سوريا الآن وعلى رأسها روسيا وإيران أن تبدي تمسكًا شديدًا لبقاء هذا النظام لأنهما تدركان جيدًا أنه وبزوال هذا النظام فإنه سيزول معه كافة الاتفاقيات والمعاهدات والامتيازات التي أبرمتها معه وسيكون مصيرها كمصيره، أقرب مكبٍ للقمامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى