دين ودنيا

قسم الصدقات أو مصارف الزكاة (6)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

6- الغارم
تعريف الغارم:
الغارم من لزمه دين ولا يجد له وفاءً(تفسير القرطبي8/183،الشرح الصغير1/662) وقيل هو من له دين على الناس لا يقدر على أخذه (فتح القدير2/204، وأيَّد هذا القول الزيلعي كما في رد المحتار2/61)
أما القول بأن الدائن غارم فهو قول مردود (رد المحتار2/61)
أو هم الذين يتداينون في غير فساد، ولا يجدون قضاء لديونهم وقيل: هم الذين يتداينون في غير فساد، وان كانوا يجدون قضاء لديونهم. (مسائل أبي الوليد ابن رشد 2/ 743)
وعرَّفه بعضهم بأنه من ذهب السيل بماله، أو حريق أذهب ماله، أو رجل له عيال فيستدين، وأجيب عن ذلك بأن من ذهب ماله بسيل أو حريق وليس عليه دين لا يسمى غارماً، لأن الغرم هو اللزوم والمطالبة(أحكام القرآن للجصاص2/61)
فالغارم هو من لزمه دين ولا يجد له وفاءً.
واشترطوا أن يكون حراً مسلماً غير هاشمي (الشرح الصغير1/662)
واشترط آخرون ألا يملك نصاباً فاضلاً عن دينه (فتح القدير2/204، أحكام القرآن للجصاص3/126) وهو شرط مختلف فيه
الغارمون المستحقون للأخذ من الزكاة:
وهم ثلاثة أصناف:
1- من غرم لإصلاح ذات البين وهو ضربان:
(أحدهما) من تحمل دية مقتول كأن خاف فتنة بين قبيلتين تنازعتا في قتيل لم يظهر قاتله، فتحمل الدية تسكيناً للفتنة، فيعطى مع الفقر والغنى لقوله صلي الله عليه وسلم ” لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغازى في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق علي المسكين فأهدى المسكين إليه ” ترغيباً في هذه المكرمة.(المجموع 6/205، البيان في مذهب الإمام الشافعي3/ 421، فقه العبادات على المذهب الحنبلي صـ 382)
(والثانى) من حمل مالا في غير قتل لإصلاح ذات البين وتسكين فتنة، بأن يخاف فتنة بين قبيلتين أو طائفتين أو شخصين فيستديم مالاً يصرفه في تسكين الفتنة في غير دم، بأن تحمل مثلاً قيمة مال متلف، ففيه وجهان (البيان في مذهب الإمام الشافعي3/ 422، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار صـ 193)
أ. يعطى مع الغنى لانه غرم لاصلاح ذات البين فأشبه إذا غرم دية مقتول، خاصة إذا كان الغرم يجحف بماله (المجموع 6/206)
وهذا قول الشافعي وأصحابه، وأحمد بن حنبل والمالكية (المجموع 6/207،تفسير ابن كثير2/379، تفسير القرطبي8/182)
ب. ومذهب الحنفية: لا يعطي مع الغني لانه مال حمله في غير قتل فأشبه إذا ضمن ثمناًفي بيع. فلا يعطى إذا ملك نصاباً فاضلاً عن دينه
2- من غرم لإصلاح نفسه وعياله، فإن استدان ما أنفقه على نفسه وعياله في غير معصية، ولو بقصد أن يعطى من الزكاة فلا ضرر في ذلك، أو أتلف شيئاً على غيره سهواً أو بدون قصد، فإنه يعطى من من سهم الغارمين ما يقضي به دينه. (الشرح الصغير1/663)
بشروط:
أ. أن يكون محتاجاً إلى ما يقضي به دينه، أي لا يملك ما يسدد به دينه (المجموع 6/207، الحاوي الكبير 8/ 508،فتح القدير 2/205، )
ب‌. أن يكون دينه لطاعة أو مباح، وإن صرفه في معصية، أو في غير مباح في معصية تاب منها. (المجموع 2/208، تفسير ابن كثير2/379، تفسير القرطبي6/183، الشرح الصغير1/663)
ت‌. أن يكون الدين حالاً.(المجموع6/208)
3- من تداين لضمان فيعطى إن أعسر مع الأصيل أو أعسر وحده، وكان متبرعاً بالضمان بخلاف ما إذا ضمن بالإذن. (المجموع6/209)
من لا يعطى من سهم الغارمين:
1- لا يُدْفَعُ إلى أقارِبِه مِن سَهْم الغارِمين إذا كانوا منهم. (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 7/ 303)
وعموم اللفظ يوجب جواز إعطائها كل من عليه دين، إلا أن الدلالة قد قامت على أنه إذا فضل ماله عما عليه من الدين بمقدار ما يكون به غنيًا، لم يعط من الصدقة. (شرح مختصر الطحاوي للجصاص 2/ 375)
2- لَا يُعْطَى الْمَدِينَ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ لِوَفَاءِ مَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ دَفْعِ مَا مَعَهُ مِنْ الْعَيْنِ لِلْغُرَمَاءِ، مَثَلًا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا وَبِيَدِهِ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ إلَّا بَعْدَ إعْطَاءِ الْعِشْرِينَ الَّتِي بِيَدِهِ لِلْغُرَمَاءِ فَيَبْقَى عَلَيْهِ عِشْرُونَ فَحِينَئِذٍ يُعْطَى وَيَكُونُ مِنْ الْغَارِمِينَ.(شرح مختصر خليل للخرشي 2/ 218)
3- اتفق الفقهاء ألا يدفع من سهم الغارمين دين الزكاة ولا الكفارات. (حاشية الصاوي1/662،)
4- لا يعطى من عنده كفاية، واستدان للتوسع في الإنفاق على أن يأخذ من الزكاة. (الشرح الصغير1/663)
5- لا يعطى من استدان في فساد كشرب خمرٍ أو قمار أو سفاهة، إلا أن يتوب. (المجموع 6/206، تفسر القرطبي8/183، تفسير ابن كثير2/397)
6- كرهوا قضاء دين من استدان في تبذير وإسراف. (تفسر القرطبي8/183، الشرح الصغير1/662)
7- اختلفوا في دين الميت؛ على قولين: الأول: لا يجوز دفع دين الميت من الزكاة وهومذهب النخعي وأبي حنيفة وأحمد وقول في مذهب الشافعي (المجموع6/211) وقال ابن كج: إذا مات وعليه دين فعندنا لا يدفع في دينه من الزكاة ولا يصرف منها في كفنه وانما يدفع الي وارثه ان كان فقيرا وبنحو هذا قال أهل الرأى، (المجموع6/211)
الثاني قول المالكية، وهو قول عند الشافعية وأبو ثور يقضي دين الميت من الزكاة من سهم الغارمين أيضاً وكفنه (الشرح الصغير1/662، المجموع6/211) لعموم الآية، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليَّ وعليَّ. ( متفق عليه رواه البخاري2298، مسلم كتاب الفرائض14)
مقدار ما يعطى:
لا يعطى الغارم إلا ما يقضي دينه. (العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير 7/ 394، ورضة الطالبين2/186، تفسير القرطبي8/190)
فإن قدر على بعضه أعطي الباقي. (روضة الطالبين2/186)
وفي الدر المختار: الدفع للغارم أولى من الدفع للفقير والمسكين. (هامش رد المحتار2/61)
يجوز صرف سهم الغارمين إلى المديون بغير إذن ربِّ الدين، ولا يجوز صرفه إلى رب الدين بغير إذن المديون. (المجموع 6/210)
لو تداين لمعصية وصرفه فيها ولم يتب فلا يعطى (العزيز شرح الوجيز 7/ 391، حاشية الروض المربع 3/ 318) لأنه ممنوع من المعصية فلا يجوز أن يعان عليها بتحمل الغرم فيها (بحر المذهب للروياني 6/ 344)
فـــرع: إذا كان لرجل علي معسر دين فأراد أن يجعله عن زكاته وقال له جعلته عن زكاتي فوجهان. أصحهما: لا يجزئه وبه قطع الصيمري وهو مذهب أبى حنيفة وأحمد لان الزكاة في ذمته فلا يبرأ الا باقباضها، والثاني: تجزئه وهو مذهب الحسن البصري وعطاء لانه لو دفعه إليه ثم أخذه منه جاز فكذا إذا لم يقبضه كما لو كانت له عنده دراهم وديعة ودفعها عن الزكاة فانه يجزئه سواء قبضها أم لا (أما) إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع ولا تسقط الزكاة بالاتفاق ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق، وممن صرح به جماعة من فقهاء الشافعية. ولو نويا ذلك ولم يشرطاه جاز وأجزأه عن الزكاة وإذا رده إليه عن الدين برئ منه، قال البغوي ولو قال المدين ادفع الي عن زكاتك حتى أقضيك دينك ففعل أجزأه عن الزكاة وملكه القابض ولا يلزمه دفعه إليه عن دينه فان دفعه أجزأه قال القفال ولو قال رب المال للمدين اقض ما عليك علي أن أرده عليك عن زكاتي فقضاه صح القضاء ولا يلزمه رده إليه وهذا متفق عليه وذكر الرويانى في البحر انه لو أعطى مسكينا زكاة وواعده أن يردها إليه ببيع أو هبة أو ليصرفها المزكي في كسوة المسكين ومصالحه ففى كونه قبضا صحيحا احتمالان قلت الاصح لا يجزئه كما لو شرط ان يرد إليه عن دينه عليه قال القفال ولو كانت له حنطة عند فقير وديعة فقال كل منها لنفسك كذا ونوى ذلك عن الزكاة ففى اجزائه عن الزكاة وجهان والله تعالي أعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى