مختارات

دور الحرس الثوري الإيراني التخريبي في الوطن العربي

محمد فاروق الإمام                             

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

تعلو في سماء إيران تصريحات لعسكريين تغطي المساحة الكبيرة السياسية التي تصغر أمام هذه التصريحات النارية؛ التي تأخذ طابع الاستفزاز والاستعلاء والهيمنة والتحدي مع الدول، سواء التي تعادي إيران أو تلك التي تكون حيادية في موقفها تجاه إيران.
وحتى نتعرف على هذه القوى (الخارقة) علينا أن نسبر الشبكة العسكرية الإيرانية ونتعرف على أهم المنظمات العسكرية الإيرانية التي تتحدى السلطة المدنية وترفع صوتها بقوة عبر التصريحات النارية التي كثيراً ما تحرج السلطة المدنية وحتى الدينية.
يوجد في إيران شبكة كاملة من قوات الأمن الثورية (تعمل بمعزل عن الجيش النظامي) من أهمها اللجان الثورية وقوات الحرس الثوري والميليشيات الشعبية المعروفة باسم الباسيج.
وما يهمنا من هذه الفئات ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني الذي هو من يعلو صوته في هذه الأيام، وإيران تتعرض إلى أكبر تحد لها منذ قيام ثورة الخميني، بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، والحصار الاقتصادي الأمريكي الذي يكاد يشل إيران اقتصادياً، فما هي كينونة هذا الحرس الثوري ونشأته وتسليحه وتمويله والمؤسسات التابعة له، إضافةً إلى التداعيات الفعلية لتصنيفه منظمةً إرهابية من الولايات المتحدة الأمريكية.
تأسس الحرس الثوري بشكلٍ رسمي عام 1979 بقرار من قائد ما سمي بالثورة الإيرانية الخميني، إلا أن فكرة تأسيسه انبثقت أساسًا من رغبة الخميني ومستشاريه بتشكيل جيش من الشعب يكون قادرًا على مواجهة الشاه الذي كان متوقعًا له أن يصمد لفترة أطول في وجه الثورة، فيكون لهذا الجيش القدرة على إرغام محمد رضا بهلوي على التنحي ومغادرة البلاد، وعلى الرغم من مغادرته في النهاية دون مقاومة، فإن فكرة جيش الشعب بقيت حتى تم الإعلان عنه بعد أسابيع قليلة من نجاح الثورة، ظل الحرس الثوري بتطورٍ مستمرٍ منذ ذلك الحين إلى أن أصبح يمثل القوة الرئيسة السياسية والعسكرية والاقتصادية في إيران.
وتقوم عقيدة الحرس الثوري الإيراني بالأساس على مبدأ حماية الثورة وتصديرها، كما تنص عليه المادة 150 من الدستور الإيراني، وبالنسبة للعقيدة العسكرية للحرس الثوري فإنها ترتكز على فرضيات الحرب اللامتماثلة، بما في ذلك توظيف الجغرافيا والعمق الاستراتيجي والرغبة العامة في قبول الخسائر، وترجمتها تحت عنوان زائف يسمونه (الجهاد المقدس)، وذلك لمواجهة خصوم متفوقين عليها من الناحية التكنولوجية كالولايات المتحدة و”الدولة العبرية”.
وقد اكتسب الحرس الثوري الكثير من الخبرة العسكرية جراء الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات، وتدخلات الحرس الثوري في المنطقة العربية (العراق وسورية واليمن).
الجدير بالذكر أن البُعد المذهبي في عقيدة إيران العسكرية ليست مجرد شعارات فقط، وإنما يتعداه إلى تحركات على الأرض، تستهدف دعم الأقليات الشيعية في الدول العربية، وإذا وجدت الفرصة متاحة لها في أي دولة، فإنها تحاول إنشاء أحزاب سياسية أو ميليشيات عسكرية، تعمل على تحقيق مصالحها في هذه الدول، سواء في الضغط على حكوماتها كما هو الحال في حالة “حزب اللات” في لبنان أو في إفشال أي تحركات سياسية لا تتماهى مع مصالحها، مثلما فعلت مع الحوثيين حين قدمت لهم الدعم العسكري حتى احتلال الحوثيين لصنعاء عام 2014، بالإضافة إلى دعم الميليشيات والأحزاب السياسية الشيعية العاملة في العراق وتمكينها من السيطرة على مفاصل الدولة، وكذلك وقوفها إلى جانب النظام في سورية والحيلولة دون سقوطه، ولا تزال تقف إلى جانبه بقوة لبقائه وعدم ازالته.
وقد أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى هذا المفهوم في أحد خطاباته بشكلٍ صريح حين قال: “إيران سوف تتدخل في أي مكان توجد به مقامات للشيعة، وتتعرض إلى تهديد من الإرهابيين”، وتلك هي الذريعة التي تفسر من خلالها إيران تدخلها في العراق ولبنان واليمن وسورية والبحرين، وفي خطابٍ له قال قائد قوات القدس قاسم سليماني: “بات قادة الثورة مشهورين في كل المنطقة، من البحرين إلى سورية واليمن وحتى شمال إفريقيا”.
الجدير بالذكر أن قوات الحرس الثوري الإيراني تعمل كثقل مضاد للمؤسسة العسكرية النظامية التي كانت في بادئ الأمر خاضعة لسيطرة مؤيدي نظام الشاه، وكان ولاؤها لثورة الخميني موضع شك.
ويتبع الحرس الثوري للمرشد الأعلى الذي يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد، واستخدم المرشد سلطته لبسط نفوذ وتعزيز قوة الحرس، وذلك من خلال تعيينه العديد من عناصره السابقين في مناصب سياسية رفيعة.
للحرس الثوري الإيراني هيكل معقد يشمل كل الوحدات العسكرية والسياسية، وهو مثل أي جيش يمتلك وحدات برية وبحرية وجوية، إضافةً إلى امتلاكه لوحداتٍ عسكرية وشبه عسكرية، وتربطه علاقات وثيقة مع فرع العمليات الخارجية في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، لا سيما من خلال قوة (القدس) التابعة له، إضافةً إلى امتلاكه عناصر يمكنها دعم الاستخدام السري للأسلحة النووية، كما يمتلك الحرس الثوري عشرة مكاتب إقليمية، تعمل في الداخل الإيراني، يقود كل منها مجموعة من القوات الإقليمية (سپاه استانی) تعمل هذه المقرات بشكل مستقل وتدافع عن النظام ضد كل من الحروب العالية الحدة والتحديات الداخلية المنخفضة الحدة مثل التمرد، ويقدم جميع أفراد القوات البرية التابعة للحرس الثوري والباسيج التقارير إلى القوات الإقليمية التابعة للحرس الثوري، “وهذا يشبه إلى حد كبير الدور الذي كانت تناط به وحدات سرايا الدفاع السورية التي كان يقودها رفعت الأسد شقيق رئيس النظام السوري حافظ الأسد”، أما مهام كل قوة فتشمل الدفاع عن حدودها الإقليمية وقمع الاضطرابات، ويقوم بذلك لواء أمن (يگانه – امنيت) يتألف من القوات البرية التابعة للحرس الثوري ووحدات الباسيج.
ولعلّ فيلق القدس ذو السمعة السيئة في أوساط العالم العربي هو الأشهر، وهو واحد من خمس وحداتٍ تُشكل الحرس الثوري الإيراني، ويتكون من 15 ألف مقاتل، وتتركز مهماته على العمليات خارج الحدود الإقليمية، مثل إجراء الاتصالات الدبلوماسية السرية وتوفير التدريب وتزويد المنظمات بالأسلحة والدعم المالي وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتسهيل بعض الدعم الإنساني والاقتصادي الذي تقوم به إيران لدعم سياساتها.
تأسس فيلق القدس خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) بهدف القيام بعملياتٍ سرية داخل العراق، وقد اشتمل ذلك على تقديم الدعم للأكراد العراقيين في مواجهة النظام العراقي.
ولفيلق القدس مكاتب أو “قطاعات” في العديد من السفارات الإيرانية، وهي غير مسموح بدخولها لمعظم الموظفين في السفارة، وقد تم تقسيم قوات “القدس” إلى فئات محددة من الجماعات أو “الهيئات” لكل بلد أو منطقة يعملون فيها، فهناك مديريات للعراق ولبنان وسورية وفلسطين والأردن وأفغانستان وباكستان والهند وتركيا والجزيرة العربية والبلدان الآسيوية والاتحاد السوفياتي السابق والدول الغربية (أوروبا وأمريكا الشمالية) وشمال إفريقيا (مصر وتونس والجزائر والسودان والمغرب)،
وقد تمثلت إحدى أولى المهمات الإقليمية ذات الأهمية بالمساعدة على إنشاء “حزب الله” في لبنان عام 1982.
العديد من التقارير تشير إلى أن قوات (فيلق القدس) قدمت عمليات نقل أسلحة كبيرة للشيعة في العراق، وقد تشمل هذه العمليات نقل بعض المكونات المتقدمة لصنع أجهزة التفجير في العراق أو المكونات المستخدمة في صنع المتفجرات، بما فيها قطع تجميع الأسلحة والوصلات اللاسلكية المستخدمة لتفعيل هذه الأجهزة وتحريك الآليات العاملة بالأشعة تحت الحمراء، وهذه الأجهزة شبيهة جدًا بتلك التي تستخدم في لبنان، إضافة إلى دور الفيلق في دعم الميليشيات المقاتلة العاملة في سورية واليمن، وكان لها دور كبير في الحيلولة دون سقوط النظام السوري وهزيمة الحوثيين.

المصدر: مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
http://www.umayya.org/articles/umayya_articles/18068

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى