مقالات

العلمانية دين!!

د. محمد علي الجزولي

رئيس حزب دولة القانون والتنمية
عرض مقالات الكاتب

الدين في القرآن الكريم ولغة العرب التي نزل بها هو القيم التي يؤمن بها الإنسان والنظام الذي يلتزمه في حياته بغض النظر عن مصدريته ، هل هي غيبية ميتافيزيقية أم هي مادة تجريبية ؟ وبهذا المعنى للدين لا يوجد شخص غير ديني ولا تصح هذه التسمية اللادينيين ، ذلك لأن الإنسان عندما يتحرر من جميع الأديان ليبقى رهن نفسه وما تختاره وعقله وما ينتهي إليه يسميه القرآن الكريم هنا اأنه إتخذ إلهه هواه ، فهو لم يزل عبدًا لكن لذاته ،فهو في الحقيقية وإن زعم التحرر من الآلهة لكنه وقع أسير إلوهية الذات ) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) الفرقان فالذي يزعم التحرر من الأديان هو يسجد في محراب إلوهيته أسيرا لذاته وهواها .
بهذا الفهم العلمانية دين لم تقف موقف الحياد من الأديان كما يزعم أصحابها ، لكنها جاءت بدين جديد يختلف عن دين الإسلام في تصوره للإله ، هل من صفاته الحكم والتشريع وفي تصورها للرسول ؟ هل هو إمام الحياة أم إمام الصلاة فقط وفي تصورها ليوم القيامة؟ هل أسئلة إمتحان يوم القيامة موضوعة من باب الصلاة فقط والصيام ام هنالك أسئلة من باب الصلاة وباب القضاء وباب الولاء والبراء ، وباب الاقتصاد وباب الأسرة وباب الإنتخاب، والشورى ؟ فالعلمانية لا تلتقي مع الإسلام لا في تصوره المتعلق بالإيمان بالله وصفاته المتعلقة بالحكم والتشريع ولا في تصورها المتعلق بالإيمان بالرسول وأنه إمام الحياة وقدوتنا فيها في جميع جوانبها ، كما في الأسرة وبنائها والمال ومصادره ومصارفه ، الحكم وإدارة شؤون الناس فقد بعث الله تعالى الأنبياء أئمة للحياة لا أئمة للصلاة ولا في تصوره عن اليوم الآخر وأن الله عز وجل يسألنا عن كتاب القرآن كله في جميع أبوابه الصلاة والقضاء والإقتصاد والعلاقات الخارجية والكلمة وضوابطها ، و الحرية وحدودها لا يوجد باب في القرآن للاطلاع والثقافة لا يرد منه سؤال يوم القيامة .
الحياد فكرة بليدة بلا ساقين وهي موقف !!
من التسطيح بالرأي العام أن العلمانية تجلس على برج عاجي وتقول أنا محايدة تجاه صراع الايدلوجية في الحكم ونريد إقامة دولة لا إنحيازية بينما العلمانية في حد ذاتها أيدلوجية والقول بها إنحياز إليها !، فإن الصراع في التاريخ الإنساني الطويل لم يكن بين الأديان والإلحاد ذلك لأن الإلحاد في الناس قليل، لكن الصراع كان بين فكرة مركزية الإله وثانوية الإنسان ( *شمولية الدين لجميع جوانب الحياة) وفكرة مركزية الإنسان وثانوية الإله ( *حبس الإله في المسجد _الكنيسة والدير) بينما يبرطع الإنسان في لاهوت فردانيته فحقوقه هي الأساس في ليبرالية وقحة !!.
والعلمانية ليست فكرة حديثة بل هي فكرة صدئة قديمة ، وجاء الإسلام لينقض أركانها ألم تسمع قول قوم مدين لنبيهم شعيب متعجيبين ما دخل الصلاة بالاقتصاد مطالبين إياه بالفصل بينهما داعين للحرية الإقتصادية في شكلها الرأسمالي المتوحش ( قَالوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) سورة هود نفعل في أموالنا ما نشاء ليست حداثة بل رجعية ، وذلك عندما دعاهم نبيهم شعيب إلى مفهوم توحيدي أوسع من التوجه إلى الله بالصلاة فقط إلى التوجه إليه بالإقتصاد ايضا ( وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) سورة هود .
فالصراع بين الإسلام والعلمانية قديم متجدد والحياد فيه جريمة .

كاتب وسياسي سوداني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى