مقالات

إدلب المحطة الأخيرة وصراع الإيدلوجيات

د. موسى الزعبي

كاتب وباحث سوري.
عرض مقالات الكاتب

هذا ما رسمه الفاعلون بالقلم والمسطرة بكواليس اجتماع فيينا شتاء 2015م، وأثمر عن ولادة مساري أستانة والتفاوض وقد انتهى الأمر كما رسموا له بالبيكار، وأصبحت إدلب المحطة الأخيرة لبقية من حمل سلاح ورفض الدخول بحلف روسيا أو النظام أو إيران، حيث هذه الخيارات كانت مطروحة أمام الثوار من خلال المفاوضين المعينين بأستانة وجنيف فإما الإبادة أو تسليم السلاح.
وشاءت الأقدار أن يلتقي جميع المهجرين قسرًا من جميع المناطق بإدلب، وهذا التلاقي شكل نوعًا من الاجتماع البشري بتراكم خبرات عملية وتلاقح الأفكار عصرتها ثماني سنوات عجاف !
فأدرك الثوار خيوط اللعبة، وأصبحوا بين خيارين شرعنة البغي وبغي الشرعية، فرغم نجاح الفصائل المشاركة بأستانة وجنيف والتابعة للائتلاف  بالتخلص من هيئة الشام أو شرذمتها في مناطق الجنوب والغوطتين والقلمون وحمص لعدة أسباب، إلا أن هؤلاء شكلوا أنموذجًا سيئًا بعد ذلك فقد كانت آخر معاركهم بالتحرير قبل ولادة مسارات التفاوض، وتبع ذلك التزام هؤلاء بالهدنة المعلنة بكلا المسارين بينما كانت روسيا وإيران تقضم المناطق دون أن يحرك هؤلاء ساكنًا بذريعة الهدنة علاوة على شرعنة البغي، فقد سيطر هؤلاء على الهيئات المدنية والقضاء وبدأوا عمليات ترويع ومحاسبة واعتقال كل من يننقدهم حتى انهم اعتدوا على المحاكم وجيروها لصالحهم، وانتقل الثوار من تحت الدلف لتحت المزراب.
علاوة على الصراعات بينهم الأمر الذي رسخ لدى الثوار والذين أصبحوا بالشمال لاحقًا صورة سلبية  عن هؤلاء، وأدركوا أن الصراع بينهم هو صراع مصالح وليس مبادئ من أجل الثورة ،وانتهى المطاف بهؤلاء بتهجيرهم عنوة  للشمال من قبل روسيا  وفضّل المهجرون من الثوار حضن هيئة الشام على حضن روسيا
رغم كل الحمولة الإشارية السلبية على هذا القرار .
ولكن يبدو أن الرياح تجري بعكس ما تشتهي السفن فإدلب التي جمعت خلاصة الثوار من جميع المناطق التي سلمت تحت غطاء التفاوض ،أدركوا اللعبة فخندقوا ودشموا واستعدوا لجميع الاحتمالات، وساعد بذلك طبيعة إدلب الجغرافية التي تمتد على سهول ووديان وجبال ، وعندما أعلن الروس حملتهم الأخيرة والتي استمرت قرابة أربعة أشهر إلا أنهم منيوا بهزيمة نكراء أمام الثوار ،وفشلوا بتنفيذ اتفاق سوتشي الأخير بفتح الطرق الدولية ،وحاولوا زرع الشقاق بين الفصائل المقاتلة بغرفة الفتح المبين والتي اجتمعت مع هيئة الشام وزعيمها وأخذت معه صورة سربتها للإعلام في رسالة أنهم سيقاتلون بصف كل من سيقاتل روسيا والنظام سواء كان مصنفًا على تنظيمات الجهاد العالمي أو غيره ،وقطعت الطريق على روسيا باتخاذ الهيئة ذريعة لقصف إدلب كما أخذتها بالمناطق التي احتلتها روسيا سابقًا رغم مافعلته الهيئة سابقًا وتهجير عشرة آلاف مقاتل من إدلب ربما من أفضلهم هناك
وتبع ذلك تصريح من قبل مساري الأستانة وجنيف أن الذي يعيق تطبيق اتفاق سوتشي هو هيئة الشام التي ترفض فتح الطرق الدولية ،وأن الحل السياسي والذي اختزل باللجنة الدستورية مرهون بتطبيق سوتشي ولم يذكر هؤلاء ضرورة طرد ستين مليشيا شيعية تتبع النظام وإيران عابرة للحدود متورطين جميعا بتغيب حوالي أربع مئة ألف سوري قسريًا، ترجح أغلب الأوساط أنه تم حرق هؤلاء بأفران حرارية كما لم يتجرأ هؤلاء على قول إن روسيا من تحميهم وتدعمهم بل اعتبروها أساس الحل السياسي  الأمر الذي أثار حفيظة الثوار عن نوايا المفاوضين بتسليم الشمال لروسيا ،كما فعلوا بغير  منطقة مما جعل البعض يلتحم بهيئة الشام أكثر فأكثر .
وأصبح هناك فريقان أحدهم يتبع محور روسيا ويريد تطبيق سوتشي والاستانة وتسليم المحرر للشرطة الروسية ، لانطلاق الحل السياسي الروسي بحجة الواقعية السياسية وانتعل هؤلاء ناشطين واعلاميبن بوسائل التواصل الاجتماعي للترويج لهذا الحل بعدة وسائل؛ وفريق رافض لذلك من ثوار وفصائل وهيئة الشام أيضا، ولكن تبقى هناك فراغات لم تملء بعد حول جدلية علاقة هيئة الشام بتركيا ، فتركيا وضعت نقاط المراقبة بموافقة وحماية الهيئة، حيث أدى التخلي عن بعض الفصائل، إلى قوة الهيئة والسيطرة على إدلب .
منعت المظاهرات من الاقتراب لحدود تركيا ،وبالمعركة الأخيرة اشترطت تركيا دعم غرفة الفتح المبين ان يكون حصريًا من خلال فيلق الشام المقرب منها فهل هناك ضغوط على تركيا من جهات دولية لفعل ذلك لإثبات حسن نواياها؟  أنها لن تجعل من سوريا حديقة خلفية لتركيا كما فعلت إيران بالعراق أم أنها تخشى المجهول ولن تجد أصحاب بأس غير هؤلاء عند الضرورة ؟!وبخاصة أن ما يسمى رئيس الائتلاف السوري صرح أن سوريا امتداد للعثمانيين، وانهم يتصرفون تحت توجيهات تركيا!؟ علاوة على رفع الأعلام التركية بمناطق عفرين وغصن الزيتون، في الوقت الذي تعلن فيها تركيا أن وجودها مؤقت وسبب دخولها تنظيم البكاكا الإرهابي .
كما أن الائتلاف ايضًا  مسيطر عليه من بعض تيارات الإسلام السياسي و التي ترفع وشعارات  تثير حفيظة العالم شرقا وغربا، فالوقت الذي يغلق العالم عينه عن تدفق المليشيات الشيعية لتغزو سورية وتقتل شعبها بشعارات طائفية ورايات دينية ! فأصبحوا أمام خيارين أحلاهما مرّ، وكلا الطرفين لا يؤمن بالقطرية والحدود بل يعدّ التوسع والفكر الثوري الانقلابي التوسعي أساس نهجه  رغم أن دولة المدينة تم تحديدها بحدودها الأربعة بين جبل ثور وعير شمالا وجنوبا ولابتيها شرقا وغربًا، ووضعت الأعلام لتثبيت ذلك وكان هدف الاسلام نشر الحرية الدينية والسياسية بالعالم أجمع وفق وسائل وآليات كل عصر وليس الاستيلاء والوصول للسلطة بدول العالم إسلامي وغير إسلامي برفع شعارات عابرة للحدود فإقامة الدولة والمحددة جغرافيا تعدً أمرًا بديهيًا منذ اليوم الأول لدولة المدينة ولسنا أمام فكر ماركسي يسعى لإنهاء الدولة ولكن شتان بين المطلوب والمنشود حيث قلب هؤلاء شعاراتهم من المطلوب للمنشود واستخدموا سوء الوسيلة بذريعة سنو الغاية فلا ربحوا هذا ولا ذاك فطبيعة أي دولة تهيمن هو التوسع وهذه من بديهيات التاريخ والسياسة بدءًا من امبراطورية الاسكندر المقدوني بأثينا وروما والدولة الأموية والعباسية والعثمانية انتهاءً بالسوفيات وأمريكا حديثًا ولكن جوهر الخلاف هو شرعية الألية وغايتها النهائية ،حيث الإسلام يعتبر شرعية الأسلوب لا تقل عن أهمية الغاية لا كما يظن هؤلاء . 
واليوم هناك فريقان يتنافسان للسيطرة على المحرر بالشمال بينما أوراق أمام الخارج ليعتمدهم وكلا الطرفين يتبع أجندات خاصة ،وكلاهما يستغل البسطاء والسذج للنيل من الآخر لكسب الحاضنة الشعبية، وهناك طرف ثالث وهو يشكل أسّ الحاضنة الشعبية وهو مقبول ولكنه لا يزال منفعلاً بالأحداث ،وبعضه ينجرف هنا وهناك، وعلى هؤلاء يتوجب امتلاك زمام المبادرة واطلاق مبادرة بإنشاء إدارة مدنية تدير المحرر ترفض تواجد اي من الطرفين اللذين يتوجب عليهما الخضوع لإرادة الناس، لضمان نجاحها واستمرارها وكي تلتف الحاضنة المدنية حولهم أو سيكون مصيرهم تحت رحمة أحد الطرفين أو النظام وروسيا كما حصل بجميع المناطق المحرر والتي انتهت لروسيا ثم للنظام  ويبدو أن هناك جهات لن تفرط فيها على المدى المنظور ولن تحل إلا بأحد حالات ثلاث : وهو سقوط النظام أو سقوط الثورة، أو وطن بديل للثوار بما يسمى منطقة آمنة وغاية ذلك إبقاء الصراع والفضاء الإعلامي الشعبي والعالمي أن ما يحدث بسوريا هو صراع نظام ضد القاعدة للتستر على ستين مليشيا شيعية مدعومة من العدو الروسي والتي ارتكبت جرائم لم يعرفها التاريخ حتى داعش لم ترتكب خمس بالمئة مما فعلوا رغم أنها مخترقة من قبل هؤلاء والمؤسف جهل إعلام الثورة وإعلاميها فمن شدة جهلهم أصبح يشك أنهم مجندين لتعزيز ثنائية نظام يحارب القاعدة بسوريا لإعادة إنتاجه ،وليس ثورة ضد نظام جلب جميع شذاذ الآفاق ليقتلوا الشعب السوري رغم أن بعض هؤلاء وجدوا ضالتهم بتعليق جميع أفعالهم على شماعة القاعدة ولكن أصبحوا ممجوجين بسبب أفعالهم التي تخالف أقوالهم، وهنا يتوحد العمل على إدارة مدنية مع ابتعاد الفصائل لأطراف المناطق المحررة ولا تتدخل بالحياة المدنية أو السياسية ،ريثما تنضج الظروف الدولية ،ويستنزف النظام وتهيئة بديل مقبول شعبيًا وخارجيًا يؤمن بالانفتاح على الآخر أين كان وفق رؤيا حداثية تقطع الطريق على النظام وداعميه.

الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى