تحقيقات

دور ألمانيا الحائر في سوريا

دوتشه فيله- DW

ما هو الدور الذي يمكن لألمانيا لعبه في استقرار سوريا على الصعد العسكرية والإنسانية والدبلوماسية؟ هذا ما ينبغي على البرلمان الألماني البت به عندما تنتهي قريبا فترة تفويض الجيش الألماني بمهام متعددة هناك.

ينتهي تفويض ألمانيا في الحرب على “داعش”، ما لم يتم تمديده، في 31 تشرين الأول/ اكتوبر من العام الجاري، وهو أمر يثير التوتر بين أطراف ائتلاف حكومة أنغيلا ميركل. التفويض الذي بدأ في عام 2015، يهدف إلى المساعدة في القضاء على ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا، وذلك كجزء من ائتلاف الراغبين في الحرب على داعش. مؤخرا أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أن تنظيم “داعش” قد جرى إضعافه إلى حدٍ كبير، لكن لم يتم القضاء عليه.

حزب ميركل المسيحي الديمقراطي يرغب بوضوح في الاستمرار بالمهمة، ويبدو أن يورغن هارد، المسؤول البرلماني عن السياسة الخارجية في الحزب مقتنع بأن “جميع مكونات التفويض القائم حالياً مفيدة وضرورية”.

رغم ذلك، فإنّ شريك ائتلاف ميركل الأكبر في الحكومة، وهو الحزب الاشتراكي الديمقراطي لا يبدو مقتنعاً بالأمر. وكانت النائبة سيمتي مولر ضمن الوفد الذي رافق وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارينباور (الحزب المسيحي الديمقراطي) خلال زيارتها الأخيرة إلى الأردن والعراق حيث دافعت عن تمديد المهمة.

وفي حديث مع DW  قالت مولر بأنها وعلى الرغم من اعتقادها  أنّ الاستطلاع الجوي التكتيكي “مساهمة ذات مغزى”، فأن “هناك وعدٌ قدمته وزيرة الدفاع السابقة أورزولا فون دير لاين إلى البرلمان بإنهاء التفويض.

أما يورغن تريتين من حزب الخضر المعارض فيعتبر داعش تهديدا جدياً، في ظل حقيقة أن 1000 مواطن ألماني قد هاجروا إلى سوريا والمناطق المحيطة بها للقتال في صفوف التنظيم، ومع ذلك يرفض تريتين المهمة بشكل مبدأي بقوله: “انها لا تجري وفقا للقانون الدولي، إنه ائتلاف الراغبين ويعملون منتهكين سيادة دولة أخرى دون تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” كما أعلن في حديث إلى DW .

إعادة تقييم الاحتياجات

حالياً، يساهم الجيش الألماني بطائرات استطلاع تستطيع إرسال صور مفصّلة عن وقائع تجري على الأرض، كما يمكنها المساهمة بإمدادات الوقود جوا، والقيام بعمليات الرصد الجوي والحصول على المعلومات الخاصة بتغيير القطعات لمواضعها، ويجري كل ذلك بالتنسيق مع لاعبين فاعلين آخرين في التحالف. كما تقوم ألمانيا بأنشطة لتدريب القطعات العراقية.

وبهذا الخصوص تؤكد مولر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن العراق يرغب قبل كل شيء في تركيز الجانب الألماني على “المساعدة في بناء المدارس والمستشفيات والجسور والشوارع، ولكن مع قليل من الدعم العسكري”.

وبما أن كل المهام العسكرية الألمانية ينبغي أن تحصل على موافقة البرلمان (بوندستاغ)، فإن هذا بحد ذاته يستلزم حسب مولر نقاشاً حول “مدى حاجة العراق”، وفيما إذا كان الدعم العسكري له أمرا ملحا، وفي حال نعم، ما هو حجم الدعم المطلوب.

لفتة تجاه ترامب

تفويض الجيش الألماني الذي سيُبقي الساسة الألمان منشغلين لأشهر مقبلة ليس محصوراً في الأراضي العراقية، فعمليات الاستطلاع والإمداد بالطاقة جوا تجري في أجواء سوريا وهي جزء من المهمة.

وطبقا لمجلة دير شبيغل الاسبوعية فإنّ الولايات المتحدة طلبت من ألمانيا تمديد المهمة قبل بضعة أشهر. كما طالبت واشنطن بحضور عسكري ألماني على الأراضي السورية، فيما تخطط إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لسحب القوات الأمريكية من ذلك البلد.

وسارعت ألمانيا إلى رفض هذا الطلب، لكنّ تمديد مهمة الحرب على “داعش” ما زال أمرا مطروحا على الطاولة. ويعتبر أندريه بانك المدير التنفيذي لمعهد غيغا “دراسات الشرق الأوسط” ومقره هامبورغ أن التمديد في حال حصل فإن الأمر لن يكون أكثر من “لفتة إضافية تجاه الأمريكيين”، لأن الحضور العسكري الألماني ليس له مغزى يذكر في “شرق أوسط جرت عسكرته على أية حال”.

مساعدات على طريق صعب التوازن

وعلاوة على مساهمتها العسكرية في المنطقة، تمنح ألمانيا منذ عام 2012 مساعدات إنسانية، وطبقا لإحصاءات صدرت مؤخرا عن وزارة الخارجية الألمانية، فقد قدمت برلين نحو 3 مليارات يورو كمساعدات ذهبت إلى سوريا والدول المجاورة لها، وخاصة لبنان والأردن وتركيا.

في عام 2018 وحده ضخت 622 مليون يورو في المساعدات الانسانية فحسب، لتكون بذلك الدولة المانحة الثانية الأكبر في المنطقة بعد الولايات المتحدة.

وحين يتعلق الأمر بالسياسة في سوريا، تواجه ألمانيا موقفاً صعباً في الداخل. ويقول بأنك إن علاقاتها بسوريا أقوى بكثير من علاقات سائر الدول الأوروبية بهذا البلد، ويعود هذا، ليس للعدد الكبير من اللاجئين السوريين في ألمانيا فحسب، بل يعود أيضا إلى وجود الجاليتين الكردية والتركية في ألمانيا، مبيناً بالقول” وهكذا فحين تتخذ ألمانيا موقفاً قوياً أحادي الجانب، سيترتب عليه تداعيات داخلية في البلد” معتبراً أن هذا واحداً من أسباب “إحجام ألمانيا عن اتخاذ مواقف صدامية تجاه القضية”

ألمانيا كوسيط ؟

في هذا السياق أعربت مولر في حديثها مع DW  عن رغبتها في رؤية ألمانيا كوسيط في الصراع السوري. ورغم أنّ هذا من غير المرجح ما دام اللاعبون الدوليون والإقليميون الفاعلون في الصراع يقولون كلمتهم، كما يبين خبير شؤون الشرق الأوسط أندري بانك، فإن الخبير يرى أنّ بوسع ألمانيا رغم ذلك لعب دورٍ هامٍ في تسهيل التقارب” المؤدي لإعادة الاستقرار إلى سوريا”.

ويمضي بانك في نقاشه مبيناً أن المانيا لا تملك تاريخاً استعمارياً في المنطقة، كما أنها “لم تدع إلى تسليح شامل للمعارضة (السورية)”، لذا فهي ما زالت تعتبر من قبل الحكومة السورية ومن قبل حلفائها الدوليين روسيا وإيران “لاعباً يمكن محاورته والوصول معه إلى نتيجة للحوار”. لكنه يعود إلى القول إنّه يرى ألمانيا لا تملك إلا “مداراً بالغ المحدودية من التأثير”، بيد أن بإمكانها لعب دور من خلال لقاءاتها الثنائية مع روسيا ولقاءات بصيغ أخرى مع تركيا.

الأشهر المقبلة ستُبقي المشرعين الألمان منهمكين في جدلهم حول تفويض الحرب على داعش، ورغم ذلك، ومع أنّ الساسة الألمان يرفضون الإقرار بدور عسكري لألمانيا في المنطقة، فإنهم متفقون على أن خطوات إعادة الاستقرار إلى سوريا يجب أن تمر من خلال الأمم المتحدة. وعلى كل حال، فهم مجمعون أيضا على أن الوضع الحالي لن يكون مقبولاً. ويصف هارد مسؤول السياسة الخارجية في الحزب المسيحي الديمقراطي هذا الوضع بأنه” يبعث على الإحباط” معتبراً أنه ” دون وجود إرادة خيرة لدى روسيا لن نحقق أيّ تقدم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى