دين ودنيا

مفهوم البدعة والمبتدع عند السلفية

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

بما أن هذه المدرسة الإصلاحية المعاصرة، قامت أساسا على اتباع الكتاب والسنة، ((بمفهوم سلف الأمة))، كما نظّر وينظّر شيوخها ودعاتها ، وكما يدّعي من ينتحلها ، إذ كل إنسان يمكن أن يدعي ما شاء، حيث أن العبرة بالحقائق وليست بالادّعاءات ، فإن من مؤاخذاتي على هذا الفكر بعد طول هذه التجربة، مفهومهم للبدعة والمبتدع، فإن هاتين العبارتين من أكثر العبارات استعمالا عند هذه الطائفة ، و من أكثر الكلمات تردادا على ألسنتهم على سبيل التخويف والترهيب من مخالفة القرآن والسنة ، بل باتت كلمة البدعة فزاعة يرفعونها في وجه كل من خالفهم في مسألة من المسائل ، حتى ولو كان هذا الخلاف سائغا وجائزا، سواء كان ذلك عقائديا مما هو من فروع العقيدة ، أو من المسائل العملية الفقهية، بل ربما نعتوا بالبدعة ما لا يدخله التبديع من الأصل، وعليه فقد تحولت البدعة في فكرهم كابوسا يلاحقهم، في كل شيء، و ما أكثر ما تسمع منهم هذه الجملة التي يستعملونها كنوع من أنواع الاستعلاء والتحدي ( هات الدليل ) !!! وكأنهم قد جمعوا علوم الأولين والآخرين، و عرفوا كل الأدلة الواردة في كل مسألة ، و هل كل مسألة ورد فيها الدليل بخصوصها ؟؟
وهل الأدلة مقصورة على القرآن والسنة ؟؟ أليس ثمة مصادر أخرى للتشريع والاستدلال ، كالاجماع والقياس وقول الصحابي، والاستحسان، والاستصحاب، والمصالح المرسلة ،وعمل أهل المدينة ، وغيرها مما وضعه أرباب المذاهب الفقهية ؟؟ طبعا …هم ممن لا يؤمن بتلك المذاهب في الغالب، بل هم مقابلون لمتعصبة المذاهب باللاّمذهبية، بدعوى ما قاله ألأئمة– دون فهمه كالعادة –( إذا صحّ الحديث فهو مذهبي ) أو (إذا وجدتم قولي يخالف الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط ) !! وهل قصد الأئمة هنا التعامل مع الحديث الصحيح بحَرْفية مطلقة؟؟ دون النظر في دلالته هل هل هي قطعية أم ظنية؟ وهل هو عام أم خاص ؟ وهل هو ظاهر أم مأوّل، وهل هو مُطلق أم مقيّد ؟ وهل هو منسوخ أم مُحكم؟؟ وهل هو شاذ ولو كان صحيحا ام غير شاذ ، و غيرها من الشروط والأدوات الأساسية للاستدلال !!
ولذا مما ينبغي أن ينكشف من زيفهم أيضا ، مفهومهم للبدعة ،وحدودها و أنواعها ، ومن هو المبتدع عند أهل العلم؟
لا أحسن مما قاله الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه ( الاعتصام ) في تعريفه للبدعة ، قال : البدعة في اللغة هي الشيء المخترع، وأصل مادة (بدع) للاختراع على غير مثال سابق و منه قوله تعالى( بديع السموات والأرض ) اي مخترعها على غير مثال سابق متقدم، وقوله تعالى(قل ما كنت بدعا من الرسل ) اي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله الى العباد …)
وفي الاصطلاح قال 🙁 البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهى بها الطريقة الشرعية ) .
اذن البدعة لها علاقة بالدين لا بالدنيا، وفي موضع آخر قال ( والبدع لها تعلق بالعبادات لا بالعادات ) !!
وقوله : طريقة ( أي مطروقة أي مفعولة بصفة متكررة ) إذ ليس من وقع في مخالفة للسنة وقع في بدعة ،وهذا أيضا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال ( ليس كل من خالف السنة وقع في بدعة ) !! لأن شرط البدعة هو تكرارها و فعلها مرات ، بل إن شيخ الإسلام ضعف الزيادة في الحديث( وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) قال : ليس كل ضلالة في النار، وهذه الزيادة التي رواها النسائي ضعيفة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يضلّ الانسان أي يخطىء وليس من أهل النار، لأن الخطأ مغفور بدليل قوله تعالى(ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ) قال الله قد فعلت ،و لقول النبي صلى الله عليه وسلم( ان الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .
وقال الشاطبي : طريقة في الدين مخترعة تضاهى بها الطريقة الشرعية: أي تُشابَه بها الطريقة الشرعية في التماس الأجر.
هذه هي البدعة، في حدها وتعريفها عند أهل العلم، وقد قسموها الى أقسام ثلاثة باعتبار نوعها :

1- بدعة عقائدية:

( منها المكفرة ومنها المضللة دون الكفر ومنها ما ليس ببدعة مضللة وانما هي من قبيل الخطأ كبدعة مرجئة الفقهاء الذين قالوا بأن الاعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وهو قول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وقول أبي حنيفة أيضا و غيرهما من فقهاء أهل العراق ) فقد اعتبرهم شيخ الإسلام ابن تيمية من أهل السنة والجماعة، وكالأشاعرة الذين سلكوا مسلك أهل التأويل في صفات الله تعالى عدهم من أهل السنة والجماعة، على أن الأشاعرة انتحلوا قول طائفة كبيرة من السلف ، واستدلوا بأقوال السلف أيضا في هذا الباب .

2- بدعة قولية :

كما لو اخترع شخص ذكرا ليس له أصل في الشرع يتقرب به الى الله تعالى ، فهذه بدعة قولية مذمومة لأن النية وحدها لا تكفي في قبول العمل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ ) أي مردود .

3- بدعة عملية :

مثل أن يعمل شيئا من أنواع التعبد يتقرب به الى الله بلا دليل شرعي ، كتخصيص زمان أو مكان معين بعبادة ينوي بذلك الأجر دون ما يدلّ على المشروعية لهذا العمل فهنا يخالف السنة ان فعل ذلك مرة ، أما إذا كررها فقد وقع في بدعة ،وكما أسلفنا يجب التفريق بين مقامين، مقام مخالفة السنة ومقام البدعة(ارجع الى ما ذكرت آنفا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ) .

كما يجب التفريق بين أقسام البدع من حيث الجنس، كما قال الشاطبي ، فهي على أقسام :

1-البدعة الأصلية :

وهي التي ليس لها أصل في الشرع ، عقائدية أو عملية أو قولية ، كأن يخترع شخص بدعة التناسخ اي يقول اذا مات الميت دخلت روحه في جسم حيوان !!
وفي العملية : كأن يتقرب الى الله بالوقوف في الشمس !!
والقولية : كأن يخترع همهمات وتمتمات يدعي أنها قربة إلى الله عز وجل.

2-البدعة الإضافية :
وهي التي لها أصل في الشرع لكن يزيد عليها أو يضعها في غير موضعها ، أيضا سواء في العقيدة أو العمل أو القول ،
مثاله في العقيدة : أن يقول الإيمان يزيد ولا ينقص لأن الأدلة دلت على الزيادة لا النقصان !!
وفي العمل : أن يصلي نافلة يتقرب بها الى الله تعالى في يوم عاشوراء مثلا ، فالنافلة لها أصل في الشرع لكنه وقع في تخصيص زمان معين بلا دليل شرعي، فتسمى بدعة إضافية،
وفي القول: كأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج الامام من مقصورته يوم الجمعة ليصعد على المنبر أو يفعل ذلك في المآذن ليلة الجمعة ، فالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة وقربة ورغيبة ، لكنه خصّ بها زمانا معينا بلا مخصّص شرعي فيكون قد خالف السنة بذلك اذا فعلها مرة ، فإذا كررها وقع في بدعة إضافية !!

كما أن من بلايا السلفية ، أنهم يتساهلون ويتسرعون ، بل يتلذذون برمي الشخص بالبدعة ونعته ( بالمبتدع) بلا استحضار لتوفر الشروط وانتفاء الموانع، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(البريء منهم ومن فكرهم المتحجر) : قال والتبديع كالتكفير ،يجب أن تتوفر فيه الشروط و تنتفي عنه الموانع، إذ ليس كل من تلبس ببدعة يكون مبتدعا حتى تقوم عليه الحجة وتزول عنه الشبهة ) ذكره في كتاب منهاج السنة النبوية.
كما قال في اقتضاء الصراط المستقيم حينما ذكر المحتفلين بالمولد النبوي: قال هؤلاء قد يؤجرون على نياتهم لا عن أعمالهم !!
ولست ههنا أقرر أن البدعة منها الحسنة ومنها السيئة، و إن كان قد سبقني أئمة في تقسيمها كذلك ، بل الى خمسة أقسام كما هو قول العز بن عبد السلام، و الصواب ان البدعة لا يمكن أن تكون حسنة ، بل كلها سيئة ، لكنها أنواع وأقسام مختلفة، وهي متفاوتة في شناعتها ، ويجب العدل في القول والحكم ،كما قال تعالى( وإذا قلتم فاعدلوا ) وقال ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) .
أما قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه(نعمة البدعة هذه ) لما رأى الناس اجتمعوا في صلاة التراويح خلف إمام واحد وقد كانوا متفرقين ،فمقصوده البدعة بالمعنى اللغوي، وليس الشرعي ، لأن اجتماع الناس خلف إمام واحد في صلاة القيام من رمضان فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلهم !!

ويبقى التفريق أيضا بين مقامين: مقام المشروع والمباح ،فكل مشروع مباح وليس كل مباح مشروعا ، وهذا يحتاج الى تفصيل وضرب للأمثلة ليفهم الفرق بينهما .

وما على هؤلاء المستعلين و المغرورين الا أن يتعلموا، ويتركوا الببغائية التي سيطرت عليهم ،و الحذر من وصف الناس بالباطل ، و تشويهم، فذلك من كبائر الذنوب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من رمى مؤمنا بشيء يريد شينه حبسه الله في ردغة الخبال يوم القيامة حتى يخرج مما قال فيه ) رواه أبو داود وصححه الألباني.

ومن قرأ عرف !!

والله من وراء القصد.

ملحوظة: الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع، وحق الرد مكفول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى