أخبار عاجلة

الفرق بين السلفية والسلف الصالح

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

إن التفريق بين المتشابهات، والتمييز بين الأسماء والمسميات، من أهم ما تفتقره الساحة الإسلامية اليوم، كما أن من أعظم القواعد الشرعية ( أن العبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني ) ، فقد يتسمى شخص أو جماعة باسم ما و الحقيقة أن هذا التسمي مجرد دعوى لا تنطبق على مسماها، كُلّيا أو جزئيا ، وقد حدثنا القرآن الكريم عن هذا الأسلوب حيث قال عز وجل عن الأعراب وهم سكان البادية ( ۞ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ ) ، فلم يقبل الله سبحانه منهم هذه الدعوى، ووضعهم في مكانهم الصحيح ، ومن هنا نأخذ هذه القاعدة أن العبرة بالحقيقة و الواقع وليست بمجرد الادعاءات.
كما أن الله تعالى نهانا عن تزكية نفوسنا، و التعالي على الخلق ، واحتقار الناس ، فقال ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ (32) ) و نهانا عن الافتخار فقال ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) ) وهو يشمل الأمور المعنوية أيضا ،لا فقط الامور المادية، كما أنه سبحانه ، أدّب الأعراب الذين امتنّوا على النبي صلى الله عليه وسلم بهدايتهم لدين الاسلام فقال ( قل أتعلّمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم ** يمنّون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين ) .
كما أنه تبارك وتعالى، سمّانا تسمية قبل أن يخلقنا، ،وارتضاها لنا ، لا ينبغي العدول عنها مهما كان الأمر، لأنه سبحانه أعلم وأحكم ، قال جل فى علاه ( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ) قال بن القيم رحمه الله في بدائع التفسير ( فانظر كيف سمانا الله بهذا الاسم قبل خلقنا) !!
ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبر بالاختلاف الذي ستقع فيه الأمة، و نصحنا بالتزام سنته و نهجه، حيث قال ( فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي…) .
ولذا لما أطلّت الخلافات برأسها في تاريخ الإسلام، على المستوى العقائدي والسياسي ، خاصة ، حيث خرج الخوارج ، ورفضت الروافض، و انحرفت النواصب، واعتزلت المعتزلة، وضلت القدرية ، و زاغت الجهمية، وهكذا تتابع ظهور الفرق التي خالفت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مخالفة صريحة ، وأتوا بمفاهيم لا تمتّ للوحيين بصلة، غير اتباع المتشابه، هنا لجأ العلماء اي علماء الشريعة الى دعوة الناس إلى ضرورة التمسك بالكتاب والسنة وأصولهما، وعدم مفارقة إجماع أهل السنة، و ارتأوا استعمال لفظ (أهل السنة والجماعة)، للتميّز عن كل أهل البدع العقائدية التي هي في أصول الإعتقاد ولا تقبل الخلاف ، أقول هذا لأن من المسائل العقدية ما يمكن أن يكون محل خلاف بين العلماء قديما وحديثا، وسأخصّها بمقال مستقل بحول الله عزو جل.
ولقب “أهل السنة” هو المتعارف عليه منذ ظهور الخلاف ، والذي لا يتقيد بزمان معيّن أو مكان معين أو جنسية معينة ! بل هو مستوعب لكل مسلم ،يدين لله باتباع القرآن و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، و إجماع المسلمين، سواء كان في القرون الثلاثة الأولى أو بعدها ، لأن الذين اعتقدوا أن القرون الثلاثة الأولى هي المعيار ، وفيها انحصرت السنة مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) وبالتالي صار ينظّر تنظيرا يخالف اللغة و الشرع والتاريخ ، هؤلاء أبعدوا النجعة ، وضيقوا واسعا ، فالقرون الثلاثة التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خيريتها هي أيضا التي ظهرت فيها كل البدع العقائدية !! كما أن من الناس من فهم أنه لا خير بعد هذه القرون، وأن الخيرية قد طُوي ملفها ، وما هذا كان مراد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قصده الحكم على الأغلب، وليس الكل ، فالأمر اذن نسبي، وبالتالي قولهم : السلف الصالح وحصرهم لهم في تلك القرون الثلاثة لا يستقيم ، لغة ولا تاريخا ، لأن كل من سبق ومضى فقد سلف ، لقول الله تعالى ( إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ ) أي قد مضى !
وعلى هذا فلفظ السلف الصالح، هم أكثر ممن عاش في القرون الثلاثة الأولى، والا فماذا يعتبرون شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه بن القيم؟ وهما أكثر ما يستدل به هؤلاء المدّعون؟ أليسوا قد مضوا وسبقوا؟وهما من علماء القرن السابع للهجرة؟
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أمتي كالغيث النافع لا يُدرى أوله خير أم آخره) حديث صحيح .
وهذا المفهوم الضيق الأعوج، عند هؤلاء الادعياء سبب لنا الكوارث اليوم ، منها التحجر والجمود ، و وضيق المفاهيم الدينية ، وغيرها من الآفات !
ومن البلاء أيضا ، أن يحكموا على أكثر علماء المسلمين إذ اختاروا مفهوما سائغا متعلقا بالاعتقاد ، كمفهوم بعض صفات الباري تبارك وتعالى، أن يحكموا عليهم بالضلال ، وأن يبدّعوهم، ويخرجوهم من مُسمى أهل السنة والجماعة، أو أنهم ليسوا من السلف الصالح؟؟ مع أن هؤلاء الأئمة لهم أدلتهم، ولم يخالفوا الإجماع ! كحكمهم على الأشاعرة والماتريدية مثلا ! وقد لقّنونا هذا التوجه سنوات طويلة ، لكن بعد البحث والنظر والتدقيق وجدنا أنهم جنوا على علماء الأمة الكبار ، و احتكروا الصواب والحق في مفاهيمهم، والحق أن الأمر واسع و يقبل الخلاف، ولهذا أطرح عليهم سؤالاً :
لماذا حصرتم السلفية التي تقولون أنها مفهوم ومنهج في أربعة أشخاص : الإمام أحمد رحمه الله، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب ؟؟ أو علماء نجد فقط ؟؟ أين أبو حنيفة ومالك والشافعي ؟ وتلاميذهم و أصحاب مذاهبهم ؟ أين الليث بن سعد ؟؟ أين أبن حزم ؟؟ أين ابن حجر و النووي و البيهقي والقرطبي؟ أين هؤلاء جميعا ؟ وهم على خلاف خياركم العقائدي في باب الصفات ؟ فضلا عن كثير من المسائل الفقهية؟!
اذن من هنا يتبين لنا بجلاء أن فروقا عظيمة بين ما يسمى ( بالسلفية بألوانها الثلاثة : العلمية والمدخلية و المتوحشة ( الدواعش و من لف لفهم ) وبين السلف الصالح الذين عاشوا في القرون الثلاثة الأولى وما بعدها ! فمنهج اهل السنة والجماعة، أو السلف الصالح أوسع بكثير مما عليه هؤلاء السلفيون اليوم ، في العقيدة والفقه ، ناهيك عن السلوك والأخلاق، والتعبد والمعاملات ، كما قال الشاعر :

لا تعرضنّ بحالنا مع حالهم ** ليس الصحيح اذا مشى كالأعرج !

هؤلاء حالهم كحال من أراد أن يجعل من السماء سقفًا، ومن البحر قِربة، ومن الهواء الفسيح الذي يستطيع جميع الناس تنفسه، دخانا قاتما خانقا!
فهم شؤم على السلف الصالح، ولا يخدعونكم بهذه المصطلحات التي يريدون بها الاستهلاك والاستقطاب، و لا يعرفهم الا ما عاش السلفية ، وخالط رموزها واحتك بمشايخها ، وقرأ كتبها ، ولا يعني ذلك أنها شر وسوء مطلق ،أو أنه ليس فيها جوانب مشرقة! ( وأخصّ بالذكر السلفية العلمية ههنا لا المدخلية والمتوحشة )، معاذ الله ، لأن الله يقول ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ ) .
وأن البعض ، ممن هو مصاب بداء الحكم على النيات ، يعتقد أنني بصدد تصفية حسابات شخصية معهم ! لا ورب البيت ، وإنما هو النّصح والتبصير ،بعد تجربة عشتها لمدة عشرين عاما!
كما يظن بعض ( المتطبّبين ) أنني أعيش مرحلة (الانقلاب على الذات )!! وهذا شيء مضحك، لأن العبد في هذه الحياة ينبغي أن يزداد من العلم ، و يبحث عن الحق ، ويقوّم النفس ، وكما قيل : كلما زاد علم العبد زادت رحمته وحلمه !
وأقول لهؤلاء السلفيين بأطايفهم الثلاثة : قبل أن يكون الواحد منكم سلفيًا كيف كان؟ هل انتحاله السلفية انقلاب على الذات ؟؟ ليس بالضرورة، وانما هو تطوّر في فكره وتقويم لنفسه بما رآه أحسن له و أرضى لربه ، فكم منكم من كان تبليغيا “فتسيلف” ، وآخر كان متصوفًا ، وثالث كان عِربيدًا ، و هكذا كل له ماضيه، وليس هذا عيبًا ، فالمسلم مطالب بإصلاح نفسه، وتقويم اعوجاجها ، أما أن يتحول إلى مغرور ، أو قاض على خلق الله عز وجل، كأن بيديه مفاتيح الجنة والنار، فهذا من الانحراف الديني الذي وقعت فيه السلفية ، الا من رحم الله ، وما انجرّ عن ذلك من تمزيق صفوف المسلمين ، وتفريق جماعتهم ، وتصنيفهم بل تفكيرهم حتى بلغ الأمر الى الاقتتال !! وسفك الدماء !!

وفي الختام ، لا أستبدل بغير اسم المسلمين اسما ، قال تعالى ( فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) ) ، فإن خالفنا أحد أو خالفناه في أصل من أصول الدين الذي لا يقبل الخلاف، قلنا له نحن أهل السنة والجماعة ولا نوافقك على ذلك!!
وما أحسن ما قاله ابن القيم في مدارج السالكين: قال ( إن سألوك عن شيخك فقل رسول الله ، و إن سالوك عن جماعتك فقل : هي جماعة المسلمين، وان سألوك عن لباسك فقل بقول الله ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ) !!

وللحديث بقية .

ملحوظة :
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع ، وحق الرد مكفول .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

الهدي النبوي في رمضان

طريف مشوح كاتب وباحث سوري لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف …