مقالات

الإنتخابات العامة التشريعية في كندا أكتوبر 2019 – خيار بين رؤيتين

فهد السالم صقر

محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية
عرض مقالات الكاتب

يذهب الناخبون الكنديون في الحادي والعشرين من أكتوبر 2019 إلى صناديق الإقتراع لإنتخاب مجلس تشريعي ( برلمان) جديد وحكومة للسنوات الأربع المقبلة.  يتنافس في هذة الإنتخابات 6 أحزاب مختلفة من حزب الشعب في أقصى اليمين إلى حزب الخضر في أقصى اليسار، ويسعى الحزب الليبرالي الحاكم ( وسط) بزعامة رئيس الوزراء جاستن ترودو  الذي جاء إلى سدة الحكم سنة 2015 إلى إعادة الفوز بفترة ثانية، بينما يحاول حزب المحافظين المعارض ( يمين) بزعامة رئيسه الجديد أندرو تشير هزيمته والعودة إلى الحكم.  

 تقسم كندا إلى 338 دائرة إنتخابية وهو عدد مقاعد البرلمان و يحتاج الفائز الى 170 مقعد لتشكيل حكومة أغلبية،  ووفقا للنظام الإنتخابي المتبع فإن الفائز بأكبر عدد من الأصوات في دائرته يحصل على المقعد، وبما أن النظام الحزبي تعددي حيث يتنافس في كل دائرة إنتخابية خمسة أو ستة مرشحين فإن  حصول أحد الأحزاب على نسبة الأغلبية ( أي 50% +1) تعتبر شبه مستحيلة، ولذلك فإن الحزب الفائزبتشكيل الحكومة  عادة ما يفوز بنسية 39%-40% من إجمالي الصوت الشعبي. وهذا هو نفس النظام الإنتخابي البريطاني ويسمى بالإنجليزية ( First past the post).

 تاريخيا،  تداول السلطة في كندا حزبين رئيسيين هما الأحرار والمحافظين  وإن كان حزب الأحرار (الليبرالي) هو الأطول حكما والأوفر حظا دائما. ولكن، بعيدا عن تصنيفات اليمين واليسار التقليدية في السياسة فإن إنتخابات هذة السنة  تضع الناخببين الكنديين أكثر من أي وقت مضى، أمام خيار واضح وجلي يتعلق  بالهوية والمسارالسياسي العام الذي تستقبل به كندا العشرية الثالثة من القرن الواحد وعشرين.  فلكل حزب من الحزبين الرئيسيين رؤيتة المختلفة التي تميزه بوضوح عن الآخر، ليس فقط بما يتعلق بالإقتصاد وإدارة شؤون الدولة ولكن أهم من ذلك،  بخصوص الهوية الوطنية والنهج ومستقبل كندا.   فالرؤية الأولى التي يحملها الليبراليون ترى في التنوع العرقي والثقافي التي تتميز به كندا مصدر قوة يجب الإحتفاء به وتشجيعه.  وأنً إستقبال المزيد من المهاجرين الجدد واللاجئين بغض النظر عن اللون أوالدين أو العرق،  يسهم في نمو الإقتصاد وزيادة فرص العمل وإثراء الحياة الإجتماعية في كندا. بينما يقف على الجانب الآخر، اليمين المحافظ  الذي يؤمن  – بلسان الحال لا بلسان المقال – بأن كندا دولة ذات أغلبية بيضاء إنجلوساكسونية ذات قيم غربية  ويحبذ هجرة تكون أكثر تجانسا مع الغالبية البيضاء من ناحية الدين واللون والثقافة ( يفضل من أوروبا)، كما تدعو هذة الرؤية إلى ضرورة تبني المهاجرين الجدد للقيم الغربية دون تحفظ،  والإندماج ( إقرأ الذوبان) في المجتمع الكندي.  ولا ترى في التنوع العرقي والثقافي مصدر قوة بل تنظر بعين الريبة والشك  إلى الآخرالمختلف،  وخاصة المسلمين،  وتعتبر الإسلام عدوا وخطرا يهدد المجتمع الكندي ذو القيم الغربية. وقد تعايش أصحاب هذة الرؤية مع قانون ثنائية اللغة والتعددية العرقية الذي سن في السبعينات من القرن الماضي وقانون تجريم الإسلاموفوبيا بصفتها جريمة كراهية مثلها مثل معاداة السامية ونبذ كل أنواع التعصب لدواعي الحصافة السياسية (على مبدأ مكرهُ أخاكَ لا بطل) ، علما بأن  التعددية الثقافية والثنائية اللغوية هي الأقرب إلى وجدان الأغلبية الساحقة من الشعب الكندي والأكثر إنسجاما مع مزاجه العام .  

نبذة تاريخية هامة  

نشأ الصراع السياسي في كندا تاريخيا على أسس لغوية ثقافية بحتة، بين “الشعبين المؤسسين”،  الفرنسي والإنجليزي.  فبعد نزاع مرير وحرب إستعمارية طويلة في القرن الثامن عشر  بين العدويين اللدودين  بريطانيا وفرنسا،  إنتهى  بتوقيع معاهدة باريس (1783) التي أنهت حرب السبع سنوات حيث هزمت فيها بريطانيا كل من فرنسا وإسبانيا في المسرح الشمال أمريكي،  فتنازلت فرنسا عن معظم مستعمراتها في شمال أمريكا ، أو ما كان يسمى ب “فرنسا الجديدة” ( كوبيك) لبريطانيا، التي قامت بضمها إلى مستعمرتها  في أمريكا الشمالية ، وأعيد تسميتها بمستعمرة كندا The Dominion of Canada ولكن وفقا لمعاهدة باريس هذة، فقد وافقت بريطانيا على السماح لسكان المستعمرة الفرنسية السابقة  بالإحتفاظ بلغتهم الفرنسية وديانتهم الكاثوليكية كشرط لتنازل فرنسا عنها، فإحتفظ السكان في مقاطعة كوبيك بلغتهم الفرنسية وكنيستهم الكاثوليكية على مر العصور ولكن بطبيعة الحال،  توقفت الهجرة  الجديدة من فرنسا، وإنقطعت حبال التواصل مع الوطن الأم، ولهذا فإن جل سكان كندا الناطقين باللغة الفرنسية اليوم هم أصلا من سلالة المهاجرين الفرنسيين الأوائل الذين إستوطنوا كندا في القرنين السابع عشر والثامن عشر.  

سياسيا وإجتماعيا،  شكلت مكانة الثقافة الفرنسية ودور كوبيك أسس الصراع السياسي في كندا منذ تأسيس الكونفدرالية الكندية عام 1867.  وقد كان لهذه القضية أثرها الواضح على عملية النمو والتطور الإجتماعي والسياسي لكندا، وصولا إلى نضوج الدولة الكندية المستقلة بعد الحرب العالمية الثانية.  أفضى هذا الصراع في نهاية المطاف إلى مقاربات وتنازلات دستورية وهيكلية  ساهمت في تشكل الهوية الوطنية الكندية ( The Canadian Identity) كما هي عليه اليوم ووضع الأطر العامة لمستقبلها لسنوات طويلة قادمة.

الثورة الصامتة

  مر الصراع الفرنسي- الإنجليزي في كندا  بعدة مراحل تاريخية،  وصولا إلى ما سمي في أول  الستينات من القرن العشرين  في كوبيك  بالثورة الصامتة (The Quite Revolution) وهو مصطلح يشير إلى حقبة تاريخية مهمة ونقطة تحول رئيسية في التطور السياسي لكندا وكوبيك تحديدا.  بدأت الثورة الصامتة سنة 1960 وأحدثت  تغيرات جوهرية على شكل مخاض إجتماعي- سياسي في بنية المجتمع الفرنسي في كوبيك وأنحاء كندا.  أخذت هذة الثورة طابع التمرد السلمي الثقافي، قاده المثقفون الفرنسيون وكانت السمة البارزة لهذة الثورة النزوع المتسارع نحو العلمانية السياسية وتقليص دور الكنيسة الكاثوليكية في الحياة العامة، والأهم من كل ذلك، أنها شهدت بداية نشوء الإستقطاب السياسي الحاد  الذي تشهده كوبيك اليوم بين جناحين رئيسيين  أحدهما إنفصالي والآخر فيدرالي.  

إنتهى هذا الإستقطاب أو بمعنى أدق،  إستقر لصالح الجناح الفيدرالي مع بقاء الجناح الإنفصالي  كتيار قوي داخل كوبيك إستطاع أن يفوز في الإنتخابات المحلية عدة مرات ويشكل حكومات محلية في كوبيك، وشكل تهديدا وجوديا للدولة الكندية مرتين، في إستفتائين على الإنفصال، الأول عام 1980 والثاني عام 1995 ( كانت النتيجة في كلاهما لصالح الفدراليين بنسب 59.56% و 50.58%، على التوالي). قاد الجناح الفيدرالي للثورة الصامتة مجموعة من المثقفين الفرنسيين كان من أبرزهم الزعيم العمالي جان مارشا Jean Marchand وجيرارد بيليتيه Gérard Pelletier و بيار ترودو Pierre Trudeau الذي أصبح وزيرا للعدل ثم  رئيسا للوزراء لاحقا. عرف هذا الثلاثي في الأدبيات السياسية الكندية بالحكماء الثلاثة  The three wise men of Quebec.

في العام 1965 قام رئيس الوزراء الليبرالي آنذاك ليستر بيرسون Lester Pearson بدعوة حكماء كوبيك الثلاثة للإنخراط بالعمل السياسي على المستوى الحكومي الفدرالي،  في محاولة منه لإعطاء الفرنسيين صوتا أكبر في أتاواة ولتقوية الجناح الفدرالي في كوبيك.  وقد شكل هذا الإنخراط منعطفا تاريخيا هاما في التاريخ السياسي لكندا والعلاقات بين االثقافتين الفرنسية والإنجليزية.   فقد شاءت الظروف أن يستقيل بيرسون في العام 1968 ويخلفه في رئاسة الحزب الليبرالي ورئاسة الحكومة أحد الحكماء الثلاث  وزير العدل آنذاك بيار ترودو، الذي  حكم كندا من سنة 1968- 1984 بإستثناء فترة إنقطاع دامت 9 أشهر في العام 1979 عندما أطاح به المحافظون بقيادة جو كلارك في حكومة أقلية ما لبثت أن خسرت ثقة البرلمان ليعود بيار ترودو ثانية  لرئاسة حكومة أغلبية ليبرالية  في إنتخابات فبراير 1980. لُقب بيار ترودو عن إستحقاق  بالملك-الفيلسوف ( The philosopher-king)  لثقافته الواسعة وذكائه وتعليمه العالي. وقد إعتبره البعض عن حق – ومنهم كاتب هذا المقال – الأب الروحي لكندا الحديثة.

 قام حزب الأحرار الليبرالي بزعامة رئيس الوزراء بيار ترودو على مدى 16 عاما بسلسة من الإصلاحات التشريعية والدستورية الجوهرية كان لها آثارا بعيدة المدى  وأصداءا واسعة جدا على مجريات الأمور السياسية في كندا، وغيرت من قواعد اللعبة إلى غير رجعة في العلاقات بين كوبيك والحكومة الفدرالية من جهة ، وبين كوبيك وبقية كندا من جهة أخرى.  أرست هذة التشريعات الجديدة أسس الدولة الكندية المدنية الحديثة ،  وجعلت من  كندا رسميا دولة ثنائية اللغة، متعددة الثقافات، ومتسامحة مع الجميع ووسعت من الحريات الشخصية وفتحت باب الهجرة دون النظر للون أو العرق. فقد نص قانون اللغات الرسمية على أن اللغة الفرنسية لغة رسمية على قدم المساوة مع اللغة الإنجليزية  ليس في كوبيك فحسب، بل في كل أنحاء كندا.  وترتب على ذلك إستحقاقات هامة منها على سبيل المثال لا الحصر،  أنه لم يعد بالإمكان – عُرفا- أن يصل أي سياسي كندي لكرسي رئاسة الوزراء إذا لم يكن متحدثا للغة الفرنسية بطلاقة،  وأصبحت معظم الوظائف في القطاعين الحكومي وشبه الحكومي تتطلب الإلمام التام باللغتين الفرنسية والإنجليزية.  بالإضافة إلى ذلك، فقد تم تضمين بنود حماية اللغة الفرنسية في ميثاق الحقوق والحريات The Canadian Charter of Rights & freedoms  والدستور، و يعود الفضل الأكبرلرئيس الوزراء بيار ترودو في إعادة الدستور الكندي من بريطانيا عام 1982 حيث أنهى بذلك آخرمظهر من  مظاهر التبعية  لبريطانيا، و أصبح بإمكان كندا تعديل دساتيرها وقوانينها دون الرجوع إلى محكمة ويستمنستر في لندن، وبذلك أصبحت المحكمة الكندية العليا  The Supreme Court of Canada   هي أعلى سلطة قضائية في البلاد.  

نظام حزبي تعددي يهيمن عليه حزبين

تداولَ السلطة في كندا منذ تأسيسها حزبين هما  حزب الأحرار ( Liberal Party) وحزب المحافظين التقدميين (Party Progressive Conservatives) وقد تشكل الأخير من إتحاد حزبين، كما يدل الإسم.  ويتميز حزب الأحرار بكون أكثرية أعضاؤه من الفرنسيين أو المتعاطفين مع كوبيك وهو محسوب على الناطقين بالفرنسية. ويعتبر حزب الأقليات العرقية والقادمين الجدد بإمتياز،  ويميل أكثر نحو يسار الوسط.  أما حزب المحافظين فهو محسوب على الناطقين بالإنجليزية  ويحتل يمين الطيف السياسي، وأغلبية أعضاؤه من أبناء وأحفاد الموالين لبريطانيا والتاج البريطاني ( The Loyalists)، الذين هربوا مع البريطانيين عندما قامت الثورة الأمريكية وحرب الإستقلال في العام 1776  حيث هرب مئات الآلاف من هؤلاء  الموالين الذين كانوا يخدمون في الإدارة البريطانية إلى مستعمرات بريطانيا في الشمال وإستقروا فيها، وينحدر منهم الآن الكثير من سكان كندا الناطقين بالإنجليزية الذين حافظوا على إرثهم الإنجليزي وولاءهم للإمبراطورية البريطانية.  يتركز أكثرية أنصار هذا الحزب في أونتاريو( خاصة الريف وخارج المدن الكبرى) وفي نوفا سكوتشيا،  وغرب كندا خاصة في المقاطعتين الغنيتين بالنفط ألبرتا وساسكاتشوان.

بالإضافة للحزبين الرئيسيين هناك حزب ثالث وهو  الديمقراطيين الجدد وهو حزب اليسار الكندي المدعوم من الطبقات  العاملة وإتحادات العمال والمزارعين وأصحال المهن  وللحزب قاعدة إنتخابية لا بأس بها في المدن الكبرى وفي الجامعات، وتقدر قاعدته التقليدية بحوالي  20% من أصوات الناخبين تقريبا. لم ينجح حزب الديمقراطيين الجدد في الوصول إلى السلطة على المستوى الفيدرالي ولا مرة، ولكنه نجح محليا في تشكيل عدة حكومات في عدة مقاطعات كندية، منها أنتاريو ونوفاسكوتشيا وبريتش كولومبيا وألبرتا وهو منافس قوي على المستوى المحلي. وأيضا لعب دور بيضة القبان في عدة حكومات أقلية على المستوى الفيدرالي كان أهمها عامي 1972-1974 عندما دعم حكومة أقلية ليبرالية برئاسة بيار ترودو وكان له الفضل الأكبر في إقرار قانون التأمين الصحي المجاني للجميع ( Universal Medicare) الذي يتمتع به المواطنون الكنديون كثمن لدعم حزب الأحرار من خارج الحكومة.

إنتخابات 2019 ماهي القضايا الرئيسية  

قدم السيد جاستن ترودو (Justin Trudeau) ، وهو الإبن الأكبر لرئيس الوزراء الأسبق بيار ترودو(1919-2001 Pierre Trudeau )  نفسه كمدافعا عن الطبقة الوسطى وجعل من توسيع وتحسين ظروف الطبقة الوسطى رسالة و هدفا رئسيا على سلم  أولوياته.   وقد وعد بزيادة الإنفاق على البنية التحتية وتحسين المواصلات العامة، والمحافظة على البيئة  و إستقبال المزيد من المهاجرين واللاجئين لأسباب إنسانية ( خاصة السوريين)، ووفى بأكثر وعوده،  فقد نجح فعلا في تحسين الظروف المعيشية للطبقات الأقل حظا  في المجتمع الكندي وزاد من دخول الطبقة الوسطى، فبعد أن كانت المعونات الإجتماعية للعائلات تدفع للغني والفقير على حد سواء، قطعها عن الأغنياء وزاد مخصصات الفقراء أو الأقل دخلا ونجح نتيجة لذلك بإخراج مليون طفل من دائرة الفقر.

شهد الإقتصاد الكندي في عهده  خلال فترة الأربع سنوات الماضية عملية توسع و نمو غير مسبوقة وتراجعت نسبة البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ أربعين عاما، وتم خلق مليون فرصة عمل جديدة منذ تولي حزب الأحرار السلطة في العام 2015، ولا يزال الإقتصاد الكندي بصحة جيدة و ينمو بوتيرة جيدة.  وهذا يجعل من الصعب جدا على المعارضة  خوض الإنتخابات ضد الحكومة على أسس إقتصادية. أما على المستوى الدولي، فقد عادت كندا بقوة للعب دورها  في العلاقات الدولية وإستطاع رئيس الوزراء جاستن ترودو من تحسين صورة كندا في العالم بشكل إيجابي غير مسبوقة ومثل كندا خير تمثيل في العالم وهو يتمتع بشبكة علاقات حميمية جيدة مع زعماء عالميين مرموقين  كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومع رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا آردرن والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ويتم الإحتفاء به أينما حل كأحد المشاهيرفهو يتمتع بشعبية كبيرة خارج كندا خاصة بين فئة الشباب. بإستثناء دونالد ترامب فإن العلاقات معه ليست على ما يرام ولكن هذة تحسب له وليس عليه، بكل تأكيد.

القضايا الرئيسية في الإنتخابات ومعضلة حزب المحافظين

من السابق لأوانه التنبؤ ماذا ستكون القضية أو مجموعة القضايا التي ستهيمن على انتخابات 2019 وعلى أولويات الناخبين وما الذي سيحدد أصواتهم عند الذهاب إلى صناديق الإقتراع، ولكن في نظرة سريعة على البرامج الإنتخابية لكلا الحزبين الرئيسيين نجد أن كل حزب يسعى للدفع بأجندته وبيع وعوده للناخبين ومحاولة جر الخصم لملعبه.  يحاول الأحرار بزعامة السيد ترودو إلى جعل البيئة والتغير المناخي، بالإضافة إلى قضية زواج المثليين وحقوق الشواذ والمتغيرين جنسيا ( LGBT Community)  و حقوق الأقليات والتنوع الثقافي  وحرية الإجهاض، – وهي نقاط الضعف لدى المحافظين-  قضايا رئيسية في هذة الإنتخابات وجر اليمين المحافظ إلى موقف الدفاع حيث تعتبر هذة كلها قضايا خلافية، وتشكل إحراجا لرئيس حزب المحافظين أندرو تشير ( Andrew Scheer) الذي يفضل أن لا تطرح لسببين: أولا أن قضايا مثل الإجهاض و زواج المثليين والعلاقات المثلية قد حسمت في معظم دول الغرب ومنها كندا، لجهة إعتبارها من الحقوق المدنية والإعتراف بها كحريات شخصية تضمنها القوانين، وقبولها كأمر عادي في المجتمعات الغربية،  وعدم التمييز ضد أحد بناءا على ميوله الجنسية، أو عرقه أو معتقده . ثانيا، القاعدة الإنتخابية الداعمة للسيد أندرو تشير في  أغلبيتها الساحقة ضد زواج المثليين وضد الإجهاض وضد المسلمين أيضا،  ولكن في الوقت الذي يستطيع السيد تيشر –مكرها- إدانة الإسلاموفوبيا كجريمة كراهية ، فإنه لا يستطيع أن يعلن تأييده أو موافقته على زواج المثليين لأن ذلك سيغضب مؤيديه ، وفي نفس الوقت لا يستطيع إدانتها كسلوك غير طبيعي لأن هذا سيألب الرأي العام ضده، فهو بهذة القضية بالذات كبالع الموس.

التيار اليميني المسيحي المحافظ هو الجناح القوي الذي بات يسيطر على حزب المحافظين الكندي بعد زلزال الهزيمة الساحقة الماحقة في إنتخابات 1993  للتيار المعتدل الذي كان يمثله رئيس الوزراء الأسبق بريان مولروني  (The Progressive Conservatives) وهذا بحث مفصل آخر لا يتسع المجال لشرحه هنا. هذا التيار  يعارض بشدة  زواج المثليين ويؤكدون على أن الزواج هو مؤسسة عائلية مقدسة تقوم بين رجل وإمرأة، وهو ضد الإجهاض ولذلك يطلق عليهم إصطلاحا “المحافظون الإجتماعيون” ( The social Conservatives و أليهم ينتمي السيد أندرو تشير وسلفه وأستاذه رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر،  ومن سخريات القدر أن يكون هذا الموقف منسجما ومتماهيا مع موقف الإسلام  مع أن المحافظون الإجتماعيون يعادون الإسلام بنفس عدائهم للمثليين.

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى