مقالات

أخطر ما في المهاوشات الإسرائيلية الإيرانية الحزبلاتية

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

إنَّ الشيطان مع الذين أفسدوا وقالوا إنا كافرون. لا شك في ذٰلكَ عندي أبداً أبداً ولو اجتمعت الإنس والجن لتقنعني بخلاف ذٰلكَ.

ماذا أعني بذۤلكَ؟

أعني الكثير الكثير ولٰكن أكثر ما أعني ما يعنينا هنا الآن. إن الشيطان مع الذين أفسدوا وقالوا إنا كافرون؛ معهم في أهدافهم وتفكيرهم وتخطيطهم وتدبيرهم، يفتق أذهانهم عن مخططات وبرامج جهنمية من الطراز الرفيع، تعجز فحول العقول عن إدراكها واللحاق بها أو مجاراتها في تخطيط مقابل أو برامج مضادة، ولولا أن الله هو الذي يقف لهم بالمرصاد لرأيتم ما لا يمكن أن تتخيلوه أو بحال من الأحوال تقبلوه. «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا». فمهما بلغ دهاء الشيطان وأعوانه الذين يفتق عقلوهم بالأفكار والمخططات يبقى، بفضل الله، دهاء الشيطان وضعيفاً.

لماذا هٰذه المقدمة؟

لنحاول سبر أغوار حقيقة المخطَّطات الإسرائيليَّة الإيرانيَّة الأمريكيَّة المشتركة والأهداف الخطيرة والشيطانية التي يحلمون بها ويسعون لها.

أربعون سنة وإيران وأشياعها جميعاً يصرخون كل يوم صباح مساء وظهراً وعصراً بأعلى صوت علىٰ لسان الكبير والصغير والطفل قبل أن يسير: الموت لأمريكا الموت لإسرائيل. أربعين سنة يشحنوننا بهٰذه العدائية والاستعداد للمعركة حَتَّىٰ بتنا علىٰ أحر من الجمر ننتظر هٰذا الهجوم الكاسح الماسح من إيران وأشياعها ضد أمريكا وإسرائيل…

جمدت الدماء في عروقنا ونحن نراقب ونرقب، وتيبست لهاتنا من كثرة ما ازدردنا الريق في الترقب. ولم يحدث أي عدوان إيراني ضد أمريكا أو إسرائيل من أي نوع من أنواع العدوان، حَتَّىٰ علىٰ مستوى ما يسمى عملية فدائية أو إرهابية إيرانية في أمريكا أو إسرائيل. وفي المقابل أيضاً لم يحدث أي عمل عدواني أمريكي ضد إيران ولا من أي نوع أو درجة أو مستوى… حَتَّىٰ في تمثيلية قيام إيران بإسقاط طائرة أمريكية قبل نحو شهر ونصف لم تقم أمريكا بأي ردِّ ولو علىٰ أدنى مستوى.

ومع ذٰلكَ فإنَّ مهاوشات التَّهديدات من الطرفين بورظان الإطفاء والإسعاف والنجدة في مدينة مأزومة لا يتوقف عن الطنين وتوتير الناس وإرهاق نفسياتهم. في الوقت ذاته تهديدات بسبب مخاوف من الطرفين، والطرفان يبديان عدم الرغبة في أي مواجهة… في اليوم ذاته تتكرر هٰذه المتناقضات مرتين ونصف علىٰ الأقل في الساعة. وتنساق وسائل الإعلام وراء هٰذه التهديدات وتجلب المحللين ويجتهدون في التفنن في الاسترسال وراء الأوهام، فيسدون الأسباب ويعددون المعيقات ويصلون إلىٰ النتائج الخطيرة وغير الخطيرة، وكأن التهديدات فعلية، وكأن الحرب توشك أن تندلع أو أن قطار الصلح فات.

هنا أعود إلىٰ مفردات العنوان بإطلالة سريعة ضرورية. مفردات العنوان كلها واضحة إلا مفردة المهاوشات. لماذا استخدمت مهاوشات ولم أستخدم مناوشات كما يفعل الآخرون؟

المناوشات فعل جدي محدود الفاعلية، كما يحدث في الحروب العسكرية علىٰ نحو خاص. لا تكون اشتباكات رسمية يصح أن نسميها معركة، ولٰكن اشتبكات خفيفة أو فردية أو من طرف واحد أو ما في حكم ذٰلكَ. أما المهاوشات في أصوات نباح الكلاب علىٰ بعضها من بعيد من دون اشتباك أو رُبَّما من دون رغبة في الاشتباك.

ولذٰلك وصفت ما بَيْنَ إيران وأشياعها من طرف وإسرائيل وأمريكا من طرف بأنها مهاوشات وليست مناوشات. وهٰذه حقيقة باتت الآن أوضح من علم علىٰ رأسه نار. بالكاد تجد عربيًّا أو مسلماً لا يعرف بأن هٰذه المهاوشات والتهديدات والتصعيدات بَيْنَ إسرائيل وأمريكا وإيران إنما هي مسرحية وتمثيلة وخداع وتضليل، حَتَّىٰ إنَّ الأطفال اليوم صاروا يسارعون في الحكم علىٰ أي تصعيد مهما بلغ من الشدة بأنَّهُ تمثيليَّةٌ وخداعٌ وتضليلٌ، وبعضهم يبني علىٰ ذٰلكَ أهدافاً تنسجم مع هٰذا التَّمثيل لا تبتعد عن الحقيقة في بعض الأحيان أو في كثيرها بعدما كثرت التَّعليقات السَّاخرة علىٰ هٰذا العداء بَيْنَ إيران وأشياعها من جهة وإسرائيل وأمريكا من جهة ثانية.

العجيب أنَّهُ مع كل هٰذا الانفضاح الذي بات معه الحمقى وحدهم يمكن أن يقتنعوا بأنَّهُ يوجد فعلاً صراع بَيْنَ هذين الطرفين؛ إيران وأشياعها طرفاً وإسرائيل وأشياعها طرفاً آخر (وهنا أدخل أكثر أنظمة الدول العربية التي لا يمكن تخيل أنَّها لا تعادي إيران)، وأزيدكم في الشعر بيتاً فأقول إن عامة الإيرانيين وعامة أشياعهم باتوا مقتنعين بحقيقة التآخي الإيراني الإسرائيلي وملحقاتها وقد وجدنا من عامة الشيعة من ينطق بأحكام من هٰذا القبيل يمكن لمن أراد البحث عنها وتتبعها. أما عامة الإسرائيليين والغربيين فأمرهم مختلف غالباً.

أقول، العجيب بعد ذٰلكَ كله أنَّ الطرفان مستمران في لعبة التهديدات والتصعيدات وإشعال فتيل المواجهة والحرب… وهنا يبرز السؤال الأهم والأخطر:

هل هٰذا إمعان في استغباء المسلمين عامة والعرب خاصة؟

أم ماذا وراءه؟

إذا قلنا هو إمعان في استغباء العرب والمسلمين فلن نبتعد عن الحقيقة لأنَّ هٰذا هو المنهج والوسيلة وليس الغاية. ليست الغاية استغباء العرب والمسلمين. وماذا ينفعهم ذٰلكَ اصلاً وماذا يجنون منه؟ لا شيء بالتأكيد يوازي هدفهم الحقيقي أو يدانيه. صحيح أنَّ الاستغباء وحده بالتتالي سيكرس العقلية السطحية لدى العرب والمسلمين كما تقول النظريات النفسية والتربوية، وليس هٰذا ببعيد. ولٰكنَّهُ لا يكفي ولا يجدي الجدوى التي يرتجون لأنه في أي لحظة يمكن أن ينتفض الضمير الجمعي للأمة وبساعات ينجلي غبار الغباء والاستغباء وتتطاير دروعه كله، وقد حدث مثل غير مرة في الأمة. ولذٰلك لا تتوقعوا أنَّ الاستغباء وتسطيح العقول هو الهدف. الهدف أبعد وأخطر فيما يخططون ويرتجون، وتذكر لماذا استفتحت المقال بأن الشيطان معهم شريكا وقائداً وخادماً.

قبل أن أمضي إلىٰ الغرض الذي يسعون له أجدني أمام معترض يقول:

ولٰكنَّ إسرائيل توجه ضربات عسكرية لإيران في سوريا منذ سنتين… وها هي اليوم الأول من أيلول أوشكت تندلع الحرب بَيْنَ إسرائيل وحزب اللات وقد حدثت بالفعل مواجهة وقصف متبادل!!!

الحقيقة المرَّة أنَّهُ من أشد الصعوبات توضيح الواضحات، وعلىٰ ذٰلكَ قس: من أعوص العويصات تبيين البداهات، وها هنا أصلاً مربط الفرس…

أربع سنوات مضت والجيش الإيراني يقاتل في العراق تحت الغطاء الجوي الأمريكي. حقيقة لا يمكن إنكارهاً أبداً. وليست خافية علىٰ أحد. ومن خفيت عليه فكثير عليه وصف جاهل. ما الفرق بَيْنَ أمريكا وإسرائيل؟ هٰذا إذا لم يكن الطيران الإسرائيلي مع الأمريكي سواء وشركاء في حماية تقدم الجيش الإيراني في العراق. فكيف يكونان شركاء في العراق وأعداء في سوريا؟ دعك من ذٰلكَ. إيران منذ تسع سنوات الانفلات وهي تعيث في سوريا من أقصاها إلىٰ أقصاها، لماذا بدأت في قصف قواتها في الآونة الأخيرة وقد كان بإمكانها سحقها تماماً من قبل؟ لماذا الآن بعد أن أخمدت الثورة وصارت إيران أكثر قدرة وتفرغاً للمواجهة مع إسرائيل؟

تفاصيل كثيرة من هٰذا القبيل لا أريد خوض غمارها  وإضاعة الوقت فيها فقد سبق الكلام فيها بمزيد من التوضيح والتفاصيل، فلا أضيع الوقت فيها الآن كي لا أشتت الموضوع. يكفي أن فيما سبق ما يكفي لحسم مسألة الشراكة بَيْنَ الطرفين وأدلتها وبراهينها أكثر من ذٰلكَ بكثير. ولذٰلك أعود إلىٰ السؤال:

 لماذا كل ذٰلكَ؟

ولماذا الآن؟

الآن نعلم حقيقة هٰذه المواجهة وهٰذا التصعيد وهٰذه التهديدات.

كثر الكلام عن التلميع ولن أستعرض في تبيان السبق في الكشف عن هٰذه الحقيقة منذ أول قصف إسرائيل لسوريا بعد الثورة عام 2013م فرح به الجميع وشمت بالفرحين. وقلت ومنشور ذٰلكَ: بدأ التلميع. وأوضحت ذٰلكَ تفصيلاً. واستمر التلميع. وما زال مستمراً، وهو هدف مهم جدًّا وأساسي من القصف الإسرائيلي في سوريا علىٰ أهداف سوريَّة. وأضيف هنا حقيقة يجهلها كل من يجهلها وهي أنَّ غسرائيل كانت تشارك النظام وإيران في قصف فصائل الجيش الحر، وهٰذا ما اعترف به نتن ياهو قبل أربع أو رُبَّما ثلاث سنوات ولم يعره أحد الاهتمام والمناقشة. ومع ذٰلكَ لم نجب بعد علىٰ السؤال، ولم نكشف عن السبب.

التلميع مفتاح في حقيقة الأمر، تلميع النظام لإعادة إنتاجه. ولٰكن هل هو تلميع لإيران وحزب اللات؟

نعم أيضاً تلميع. ولٰكن لماذا؟

أرجو الانتباه هنا.

تلميع النظام السوري لإظهاره علىٰ أنَّهُ مقاوم وقونمي من أجل إكسابه الشرعية وشرعية مقاومة الثورة بزعم أنَّها مؤامرة، وقد فعلت غسرائيل مع الثورة مع فعلت لإعطاء النظام ذريعة أن الثورة إنتاج إسرائيلي وتمويل إسرائيلي… كل هٰذا أمر انتهينا منه. لنذهب إلىٰ الوضع الإيراني. ماذا يريدون من تلميع إيران؟

المبدأ هو ذاته تقريباً. يريدون إظهارها علىٰ أنَّها هي الإسلام المقاوم للوجود الصهيوني، هي الإسلام الذي يحارب اليهود والنصارى، هي الإسلام الذي يهدد الغرب ويزرع في قلبه الرعب، هي الإسلام الحقيقي. تذكروا الآن حسن روحاني علىٰ منبر الأمم المتحدة قبل أربع سنوات ماذا قال، قال: «علىٰ الغرب أن يعلم أننا نحن الإسلام الحقيقي». هكذا قال بالحرف الواحد.

لماذا؟ وماذا يعني ذٰلكَ؟

بعد أخفقوا الإخفاقات الذريعة علىٰ مدار عشرات السنين المنصرمة في صناعة إسلام معتدل ، وفي حرف الإسلام عن سكته، أوجدوا الخطة البديلة. هل كانت هٰذه الخطة موجودة أصلاً أم استُوجدت واستحدثت بناء علىٰ الأخفاقات؟

من الصَّعب تقديم إجابة نهائيَّة علىٰ هٰذا السؤال. فكرة التلميع تستخدمها الأنظمة السياسية عبر العالم منذ مئات السنين وليست بالجديد. الفكرة من جهة المبدأ، أما فكرة تلميع إيران لتسويقها بهٰذه الطريقة ولهٰذا الغرض فظني أني انبثقت في السنوات الأخيرة مع رواج فكرة تلميع النظام السوري، وسرعان ما تم استثمارها في الوقت المناسب وهو انتهاء الثورة السورية نظريًّا وعدم وجود ما يكفي من الوقت والقدرة أمام إيران للعودة إلىٰ قلوب المسلمين كما كانت، فكانت هٰذه المهاوشات التي يراد منها إقناع المسلمين بأن إيران والشيعة هي الإسلام الحقيقي الصَّادق المتمسِّك بالأصول والثواب، ومن ثمَّ دفع المسلمين للتشيع، وقد ساعدهم في ذٰلكَ الحكام العرب جميعاً بارتمائهم الصريح في حضن إسرائيل مؤخراً، وهم لم يخرجوا من حضنها من قبل، الأمر الذي سيحدو بجماهير المسلمين رويداً رويداً إلىٰ الارتماء في الحضن الإيراني والشيعي. وفي الوقت ذاته سيتم تسويق الدين الإيراني في الغرب علىٰ أنَّهُ هو الإسلام الحقيقي والمعتدل من أجل استقطاب الداخلين إلىٰ الإسلام… عند ذٰلكَ لن يخافوا من أسلمة أوروبا وأمريكا.

أرأيت إلىٰ مدى شيطانيتهم.

ثق في أن هٰذه هي الحقيقة وراء المواجهات الأخيرة التي تصاعدت علىٰ نحو لافت وعجيب علىٰ الرَّغْمِ من كل المقدمات التي تقطع باستحالة المواجهة، حَتَّىٰ لقد قلت من قبل إني لو رايت بأم عيني الحرب مشتعلة بنيهما ويسقط الضحايا من الطرفين بالآلاف يوميًّا لقلت هٰذا تمثيل، والضحايا فداء السياسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى