بحوث ودراسات

تساخفات محمد على عبد الجليل فى مقاله: “أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية- قراءة تفكيكية” 11 من 12

أ.د. إبراهيم عوض

كاتب ومفكر مصري.
عرض مقالات الكاتب

8- بالنسبة لأخطاء الانتقال المفاجئ من ضمير المتكلِّم الجمع إلى ضمير المتكلِّم المفرد أو العكس (استخدام “أنا”/”ـــى” و”نحن”/”ـــنا” للإشارة لشخص واحد هو المتكلِّم) وكذلك الانتقال من صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب أو العكس للإشارة إلى عائد واحد والتى يُدرِجُها النحاةُ والمفسِّرون ضِمْنَ أسلوب “الالتفات” énallage البلاغى، مِنَ المحتمَلِ أنْ يكونَ أحدُ أسباب بعض هذه الأخطاءِ هو عدمُ معرفةِ واضعى القرآن لعائد بعض الضمائر فى النص الأصلى المنقول عنه. فمثلا قد يعود ضمير المتكلم فى سِفْر المزامير (Livre des Psaumes) إلى داوود أو إلى الله أو إلى الكاتب أو الراوى. ففى الآيتين المذكورتَين سابقًا (مزمور، 49: 5) و(مزمور 56: 7)، لا نعرِفُ بالضبط على من تعود ياءُ المتكلم فى الكلمة العِبْرِيّة المذكَّرة الجمع (עֲקֵבַי) (“آثارِى” أو “تعقُّباتِى”). من هو الراوى؟ وبالتالى فمن المرجَّح أنَّ الالتباسَ فى عائديةِ بعضِ الضمائر فى النص الأصلى (المَصْدَر) المفترَض قد ظَهَرَ على شكلِ تخبُّطٍ فى استخدام الضمائر فى النص العربى المترجَم (الهدَف)، أى على شكلِ انتقالٍ من ضمير إلى ضمير بصورة عشوائية على الأرجح. ولكنَّ السبب الأول والرئيسى للتخبُّط فى استعمال الضمائر هو تجميع قُصاصات القرآن تجميعًا عشوائيًا من عدة نصوص وسياقات.
(هنا يبلغ الرجل الغاية فى الفجور، فهو يعيب الالتفات مع أنه من أجمل الوسائل البلاغية فى الإبداع والإمتاع. ترى هل هناك من يعيب الالتفات كمبدإ إلا إذا كان غليظ الذهن متبلد الإحساس لا يستطيع أن يتذوق روائع الأدب كبقية البشر الراقين؟ ليس ذلك فقط، بل إنه يلقى الاتهامات يمينا وشمالا دون أن يعطينا أمثلة على ما يقول حتى ننسفه ونذروه هو وأمثلته فى الهواء ككل ما ذكره فى مقاله المتهافت.
وهأنذا أورد نصين من الكتاب المقدس يظهر فيهما بكل وضوحٍ الالتفات، الذى يعيبه هذا المتخلف، وهو ليس قرآنا، ولا صائغو ترجمته مسلمين، ولا هم متأثرين بلغة القرآن، بل يحرصون على أن يتجنبوا السير على خطا “الجملة القرآنية” حرصا شديدا. ومُرَاجِع الترجمة هنا هو المعلم بطرس البستانى اللغوى اللبنانى الشهير. والنص الأول مقتبس من الإصحاح التاسع والعشرين من سفر “التثنية”، والثانى مأخوذ من المزمور الحادى والثمانين. وهما من من ترجمة فانديك.
وهذا هو النص الأول: “2وَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ شَاهَدْتُمْ مَا فَعَلَ الرَّبُّ أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ فِي أَرْضِ مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ عَبِيدِهِ وَبِكُلِّ أَرْضِهِ، 3التَّجَارِبُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي أَبْصَرَتْهَا عَيْنَاكَ، وَتِلْكَ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ الْعَظِيمَةُ. 4وَلكِنْ لَمْ يُعْطِكُمُ الرَّبُّ قَلْبًا لِتَفْهَمُوا، وَأَعْيُنًا لِتُبْصِرُوا، وَآذَانًا لِتَسْمَعُوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 5فَقَدْ سِرْتُ بِكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، لَمْ تَبْلَ ثِيَابُكُمْ عَلَيْكُمْ، وَنَعْلُكَ لَمْ تَبْلَ عَلَى رِجْلِكَ. 6لَمْ تَأْكُلُوا خُبْزًا وَلَمْ تَشْرَبُوا خَمْرًا وَلاَ مُسْكِرًا لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. 7وَلَمَّا جِئْتُمْ إِلَى هذَا الْمَكَانِ خَرَجَ سِيحُونُ مَلِكُ حَشْبُونَ وَعُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ لِلِقَائِنَا لِلْحَرْبِ فَكَسَّرْنَاهُمَا، 8وَأَخَذْنَا أَرْضَهُمَا وَأَعْطَيْنَاهَا نَصِيبًا لِرَأُوبَيْنَ وَجَادَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى. 9فَاحْفَظُوا كَلِمَاتِ هذَا الْعَهْدِ وَاعْمَلُوا بِهَا لِكَيْ تَفْلِحُوا فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُونَ.
10«أَنْتُمْ وَاقِفُونَ الْيَوْمَ جَمِيعُكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ: رُؤَسَاؤُكُمْ، أَسْبَاطُكُمْ، شُيُوخُكُمْ وَعُرَفَاؤُكُمْ وَكُلُّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ، 11وَأَطْفَالُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، وَغَرِيبُكُمُ الَّذِي فِي وَسَطِ مَحَلَّتِكُمْ مِمَّنْ يَحْتَطِبُ حَطَبَكُمْ إِلَى مَنْ يَسْتَقِي مَاءَكُمْ، 12لِكَيْ تَدْخُلَ فِي عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكَ وَقَسَمِهِ الَّذِي يَقْطَعُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ مَعَكَ الْيَوْمَ، 13لِكَيْ يُقِيمَكَ الْيَوْمَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا، وَهُوَ يَكُونُ لَكَ إِلهًا كَمَا قَالَ لَكَ، وَكَمَا حَلَفَ لآبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ”. ولا شك أن القارئ قد لاحظ كيف تحوَّل فى النص ضمير جماعة المخاطبين الذكور إلى ضمير المخاطب المفرد المذكر، والعكس بالعكس، كماتكرر تحول ضمير جماعة المتكلمين (الله) إلى ضمير المتكلم المفرد، والعكس بالعكس. بل انظروا كيف انتقل الكلام فى بدايات النص من السرد الموسوى إلى الخطاب الإلهى لبنى إسرائيل دون تمهيد بل فى لمحة واحدة وعلى حين بغتة.
ثم هذا هو النص الثانى، والخطاب فيه موجه من الله إلى بنى إسرائيل: “8«اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأُحَذِّرَكَ. يَا إِسْرَائِيلُ، إِنْ سَمِعْتَ لِي! 9لاَ يَكُنْ فِيكَ إِلهٌ غَرِيبٌ، وَلاَ تَسْجُدْ لإِلهٍ أَجْنَبِيٍّ. 10أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ، الَّذِي أَصْعَدَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. أَفْغِرْ فَاكَ فَأَمْلأَهُ. 11فَلَمْ يَسْمَعْ شَعْبِي لِصَوْتِي، وَإِسْرَائِيلُ لَمْ يَرْضَ بِي. 12فَسَلَّمْتُهُمْ إِلَى قَسَاوَةِ قُلُوبِهِمْ، لِيَسْلُكُوا فِي مُؤَامَرَاتِ أَنْفُسِهِمْ. 13لَوْ سَمِعَ لِي شَعْبِي، وَسَلَكَ إِسْرَائِيلُ فِي طُرُقِي، 14سَرِيعًا كُنْتُ أُخْضِعُ أَعْدَاءَهُمْ، وَعَلَى مُضَايِقِيهِمْ كُنْتُ أَرُدُّ يَدِي. 15مُبْغِضُو الرَّبِّ يَتَذَلَّلُونَ لَهُ، وَيَكُونُ وَقْتُهُمْ إِلَى الدَّهْرِ. 16وَكَانَ أَطْعَمَهُ مِنْ شَحْمِ الْحِنْطَةِ، وَمِنَ الصَّخْرَةِ كُنْتُ أُشْبِعُكَ عَسَلاً»”. وواضح كيف يتحول كاف الخطاب إلى ضمير جماعة المخاطبين الذكور، وتاء المتكلم إلى ضمير المفرد الغائب… وهكذا. ولنلاحظ أيضا أن هذه الالتفاتات موجودة فى الأصل المترجم إلى العربية، ولم يخترعها المترجمون كما هو معروف. وهذا كله يبرهن بأجلى بيان أن الكاتب مجرد ببغاء يردد ما يؤمر بترديده دون فهم أو تبصر. فخيبة الله على الأغبياء الضالين.
وهاتان ترجمتا النصين بالإنجليزية (English Standard Version) والفرنسية (Louis Segon, 1910)، وسوف يرى القارئ بنفسه أن الالتفات موجود فيهما أيضا، وأنهما انعكاس لما هو موجود فى الأصل القديم، بما يدل على أنه أداة بلاغية عالمية، وهو ما ينكره بل يعيبه هذا الأحمق.
“2 And Moses summoned all Israel and said to them: “You have seen all that the LORD did before your eyes in the land of Egypt, to Pharaoh and to all his servants and to all his land, 3 the great trials that your eyes saw, the signs, and those great wonders. 4 But to this day the LORD has not given you a heart to understand or eyes to see or ears to hear. 5 I have led you forty years in the wilderness. Your clothes have not worn out on you, and your sandals have not worn off your feet. 6 You have not eaten bread, and you have not drunk wine or strong drink, that you may know that I am the LORD your God. 7 And when you came to this place, Sihon the king of Heshbon and Og the king of Bashan came out against us to battle, but we defeated them. 8 We took their land and gave it for an inheritance to the Reubenites, the Gadites, and the half-tribe of the Manassites. 9 Therefore keep the words of this covenant and do them, that you may prosper in all that you do.
10 “You are standing today all of you before the LORD your God: the heads of your tribes, your elders, and your officers, all the men of Israel, 11 your little ones, your wives, and the sojourner who is in your camp, from the one who chops your wood to the one who draws your water, 12 so that you may enter into the sworn covenant of the LORD your God, which the LORD your God is making with you today, 13 that he may establish you today as his people, and that he may be your God, as he promised you, and as he swore to your fathers, to Abraham, to Isaac, and to Jacob.”
* * *
“8 Hear, O my people, while I admonish you! O Israel, if you would but listen to me! 9 There shall be no strange god among you; you shall not bow down to a foreign god. 10 I am the LORD your God, who brought you up out of the land of Egypt. Open your mouth wide, and I will fill it. 11 “But my people did not listen to my voice; Israel would not submit to me. 12 So I gave them over to their stubborn hearts, to follow their own counsels. 13 Oh, that my people would listen to me, that Israel would walk in my ways! 14 I would soon subdue their enemies and turn my hand against their foes. 15 Those who hate the LORD would cringe toward him, and their fate would last forever. 16 But he would feed you with the finest of the wheat, and withhoney from the rock I would satisfy you”.
“2 Moïse convoqua tout Israël, et leur dit: Vous avez vu tout ce que l’Eternel a fait sous vos yeux, dans le pays d’Egypte, à Pharaon, à tous ses serviteurs, et à tout son pays, 3 les grandes épreuves que tes yeux ont vues, ces miracles et ces grands prodiges. 4 Mais, jusqu’à ce jour, l’Eternel ne vous a pas donné un coeur pour comprendre, des yeux pour voir, des oreilles pour entendre. 5 Je t’ai conduit pendant quarante années dans le désert; tes vêtements ne se sont point usés sur toi, et ton soulier ne s’est point usé à ton pied; 6 vous n’avez point mangé de pain, et vous n’avez bu ni vin ni liqueur forte, afin que vous connussiez que je suis l’Eternel, votre Dieu. 7 Vous êtes arrivés dans ce lieu; Sihon, roi de Hesbon, et Og, roi de Basan, sont sortis à notre rencontre, pour nous combattre, et nous les avons battus. 8 Nous avons pris leur pays, et nous l’avons donné en propriété aux Rubénites, aux Gadites et à la moitié de la tribu des Manassites. 9 Vous observerez donc les paroles de cette alliance, et vous les mettrez en pratique, afin de réussir dans tout ce que vous ferez.
10 Vous vous présentez aujourd’hui devant l’Eternel, votre Dieu, vous tous, vos chefs de tribus, vos anciens, vos officiers, tous les hommes d’Israël, 11 vos enfants, vos femmes, et l’étranger qui est au milieu de ton camp, depuis celui qui coupe ton bois jusqu’à celui qui puise ton eau. 12 Tu te présentes pour entrer dans l’alliance de l’Eternel, ton Dieu, dans cette alliance contractée avec serment, et que l’Eternel, ton Dieu, traite en ce jour avec toi, 13 afin de t’établir aujourd’hui pour son peuple et d’être lui-même ton Dieu, comme il te l’a dit, et comme il l’a juré à tes pères, Abraham, Isaac et Jacob.”
. * * *
“8 Ecoute, mon peuple! et je t’avertirai; Israël, puisses-tu m’écouter! 9 Qu’il n’y ait au milieu de toi point de dieu étranger! Ne te prosterne pas devant des dieux étrangers! 10 Je suis l’Eternel, ton Dieu, qui t’ai fait monter du pays d’Egypte; Ouvre ta bouche, et je la remplirai. 11 Mais mon peuple n’a point écouté ma voix, Israël ne m’a point obéi. 12 Alors je les ai livrés aux penchants de leur coeur, Et ils ont suivi leurs propres conseils. 13 Oh! si mon peuple m’écoutait, Si Israël marchait dans mes voies! 14 En un instant je confondrais leurs ennemis, Je tournerais ma main contre leurs adversaires; 15 Ceux qui haïssent l’Eternel le flatteraient, Et le bonheur d’Israël durerait toujours; 16 Je le nourrirais du meilleur froment, Et je le rassasierais du miel du rocher”.
وأما قوله: “تشير الأخطاءُ فى القرآن إلى تقديس أتباع محمَّد للرسم القرآنى العثمانى، إضافةً إلى تقديسهم للنص القرآنى نفسِه. ولذلك لم يُــغيِّروا الأخطاءَ الواردةَ فيه، بل أعطَوها معنى” فهو حجة عليه لا له، إذ إن المسلمين لا يقرأون حسب ذلك الإملاء العثمانى بل حسب ما يمليه المعنى. فمثلا لا أحد يقول: “لا أذبحنه” بل الجميع يقول: “لأذبحنّه”، ولا أحد يقول: بأَيِّد” بل الكل ينطقها: “بأيْدٍ”، مثلما لا أحد يقول: “الصَّلُوة” بمد اللام بالواو، بل كل من يقرأ القرآن يقول: “الصلاة” بالألف، ومثلها “السموات”، إذ ما من واحد إلا ويقول: “السماوات” بمد الميم بالألف ولا يكتفى بفتح الميم فقط… وهكذا. ومن ثم كان حفظ القرآن على الشيخ وفَكّه ثم كتابته ثم تصحيحه ثم حفظه ثم تسميعه، ثم تسميع الحصة كل عدة أيام. أما أن الإملاء العثمانى دليل على ضعف الكتابة عند الصحابة أو يعكس معانى أخرى إضافية فهذا موضوع آخر- محمد عبد الجليل)- إبراهيم عوض).
(9- أمَّا الأخطاءُ الإنشائية غيرُ المقصودةِ فقد تشير قبْلَ كلِّ شىء إلى جهل النسَّاخِ وجامعى القرآن بسياقات النص القرآنى وبسياقات مصادره. فلو كُــلِّفَ ناشرٌ لا يعرِفُ شيئًا عن الطب أنْ يجمعَ لنا فى كتاب واحدٍ جُمَلا وفقراتٍ ذُكِرَتْ فى ندوةٍ طبية عربية تتناولُ موضوعًا معيَّنًا فإنَّ هذا الناشرَ، وإنْ كان يتقن العربيةَ جيدًا، سوف يرتكب أخطاءً إنشائيةً جمَّةً تتعلَّق فى ترتيب هذه الجُمَل والفقرات وربْطِ بعضِها ببعض وذلك لجهلِه بمواضيع الكِتاب- محمد عبد الجليل).
(هذا الكلام الممخَّط معناه أن المسلمين الذين جمعوا القرآن لم تكن لهم صلة به قبل العثور على مخطوطه الذى طُلِب منهم نسخه. فهل هذا صحيح؟ لقد عايشوا نزول القرآن آية آية، وقطعة من الآيات بعد قطعة، وسورة وراء سورة. بل كان القرآن ينزل إما ردا على أسئلتهم أو أسئلة الكفار أو اليهود أو النصارى وإما تعليقا على ما كان يواجهه الرسول من قومه أو من أهل الكتاب أو يقع لأحد من أتباعه. وهذا كله قد عايشوه معايشة لصيقة، وكانوا دائمى السماع لنصوص الوحى العزيز من فم الرسول والتلاوة له والتدبر لمعانيه والصلاة به والاستشهاد بنصوصه والاستنباط لأحكامه، ومن ثم فهم يعرفون القرآن الكريم معرفة ممتازة جد ممتازة. أما الصورة البائسة التى يرسمها هذا الأفاك لصلة الصحابة بكتاب الله المجيد فهى نتاج ما هو مطبوع عليه من الفجور. هل يمكن أن يشبه عاقل علاقة الصحابة بالقرآن الكريم بعلاقة الطَّبَّاع العامىّ بالطب؟ هذا رجل لا يعرف الخجل- إبراهيم عوض).
(10- وأمَّا إنْ كان الخطأُ الإنشائى مقصودًا فيُرجَّح أنْ يكونَ جامعو القرآنِ قد لجؤوا إليه لطمسِ فكرة ما لا تتناسب مع مصالحهم أو مع عقيدتهم التى ورثوها عن آبائهم ولم يستطيعوا تغييرَها. ويُرجَّح أنْ يكونَ، مثلا، هدفُ تبعثُرِ الآيات التى تشير إلى التقمص وعدمِ ترابُطها هو إخفاء هذه الفكرة لعدم إيمان الأكثرية المسلمة (مِن سُــنَّة وشيعة) بها. فالترتيبُ الحالى لهذه الآيات خطأ منطقى: إمَّا عن قصدٍ، وهو الأرجح، وإمَّا عن جَهْـل- محمد عبد الجليل).
(لا يزال الرجل ماضيا فى هلوساته. وهلوسته هذه المرة قد بلغت الغاية فى الضلال حتى ليزعم أن معظم الصحابة لم يكونوا يؤمنون بالآخرة. كذلك انظر إلى استبدال مصطلح “التقمص” بمصطلح “البعث” كراهية منه لكل ما هو إسلامى كما أشرنا من قبل! يا متخلف، لو كان ما تقوله صحيحا لامتلأ القرآن بالتكذيب ليوم القيامة والحساب والثواب والعقاب، ولترددت فى كل جنباته الحنين الواله للوثنية والجاهلية. طيب بالله لم كانت كل تلك المعارك اللفظية والحربية بينهم وبين الشرك إذا كانت ثمرة كل ذلك هى النفور من عقيدة البعث؟ شفى الله الكلاب وضرك يا سيد محمد على عبد الجليل. لقد بلغت الغاية فى الغباء والعناد والكذب. كلامك هذا يرشحك للذهاب إلى سراية المجانين فى الحال، فأنت مجنون رسمى- إبراهيم عوض).
(وهذا هو سياق مترابط نوعًا ما مقترَح لبعض آيات البعث بحيث تعطى معنًى أكثرَ وضوحًا يشير إلى التقمص (العَود للتجسُّد): (“[…] ولَئِن قُـلْتَ: «إنَّكم مَبعوثونَ مِن بَعْدِ الموتِ» لَيقُولَنَّ الذينَ كَفَروا إنْ هذا إلاَّ سِحْرٌ مُبين.” [هود، 7] “يا أيُّها الناسُ إنْ كُنتُم فى رَيبٍ مِنَ البَعثِ فإنَّا خَلقْناكم من تُرابٍ ثُمَّ من نُطفةٍ ثُمَّ من عَلقةٍ ثُمَّ من مُضْغةٍ مُخَلَّـــقةٍ وغَيْرِ مُخَلَّـــقةٍ لِـنُـبَـيِّنَ لكم ونُقِرُّ فى الأرحامِ ما نَشاءُ إلى أجَلٍ مُسَمّى ثُمَّ نُخْرِجُكم طِفلا” [الحج، 5] – “فهذا [هو] يومُ البعثِ ولكنَّكم [كُنتُم] لا تَعلَمون.” [الروم، 65] – “ثمَّ لِتَبْلُغوا أَشُدَّكُم ومِنكم مَنْ يُــتَــوَفَّى ومِنكُم مَنْ يُرَدُّ إلى أَرذَلِ العُمُرِ لِكَيلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شيئًا.” [الحج، 5] “والموتى يَبعَثُـهمُ اللهُ ثُمَّ إليهِ يُرْجَعون.” [الأنعام، 36] “كذلك” [الشعراء، 59 أو الكهف، 91 أو الدخان، 28 و54] “يَخْلُقُكم فى بُطونِ أُمَّهاتِكُم خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فى ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُم له المُلْكُ لا إلهَ إلا هُوَ فأنَّى تُصْرَفُون؟” [كيف تَضِـلُّون؟] [الزُّمَر، 6] “وهو الذى أحياكم ثمَّ يُمِيتُــكُم ثمَّ يُحْـيِــيكُم إنَّ الإنسانَ لَكَفُور.” [الحج، 66] “كيْفَ تَكْفُرونَ بِاللهِ وكُنتُم أمواتًا فأحياكُم ثمَّ يُمـيتُكم ثمَّ يُحْيِيكُم ثمَّ إليهِ تُرْجَعون؟” [البقرة، 28] “ثمَّ بَعَـثْـناكُم [يبعثكم] مِن بَعْدِ موتِكُم لعلَّكم تَشكُرون.” [البقرة، 56]”يا أيُّها الإنسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريمِ الذى خَلَـقَكَ فَسَـوَّاكَ فَعَدَلَكَ؟ فى أى صورةٍ ما شاءَ رَكَّبَــكَ.” [الانفطار، 6، 7، 8] “ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ أَنزَلَ [يُنزِلُ] مِنَ السَّماء ماءً فَتُصْبِحُ الأرضُ مُخْضَرَّةً إنَّ اللهَ لطيفٌ خبير.” [الحج، 63] “وتَرَى الأرضَ هامِدةً فإذا أَنزَلْنا [أَنزَلَ] عليها الماءَ اهتَزَّتْ ورَبَتْ وأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهيج.” [الحج، 5] “يُخْرِجُ الحَى مِنَ الميِّتِ ويُخْرِجُ الميِّتَ مِنَ الحَى ويُحْيى الأرضَ بَعْدَ موتِها وكذلِكَ تُخْرَجون.” [الروم، 19] “مِنْها خَلَقْناكم [خَلَقَكم] وفيها نُعِيدُكم [يُعيدكم] ومنْها نُخْرِجُكُم [يُخرِجُكم] تارةً أُخرى.” [طه، 55] “واللهُ [فاللهُ] أَنبَتَكُم مِنَ الأرضِ نَبَاتًا، ثُمَّ يُعيدُكم فيها ويُخْرِجُكم إخراجًا” [نوح، 17 و18] “ذلكَ بأنَّ اللهَ هو الحَقُّ وأنهُ يُحْيى الموتى وأنهُ على كُلِّ شىء قدير.” [الحج، 6]”وأنَّ الساعةَ آتيةٌ لا رَيبَ فيها وأنَّ اللهَ يَبعثُ مَن فى القُبور.” [الحج، 7] “قالوا: رَبَّنا أَمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ فاعترفْنا بِذُنوبِنا فهلْ إلى خُرُوجٍ مِن سبيلٍ؟” [غافر، 11] “فلا! أقسمُ بالشفق والليلِ وما وسَق والقمرِ إذا اتَّسق لَتركبُـنَّ طَبَقًا [حالا] عن طَبَق.” [الانشقاق، 16 و17 و18 و19 و20])
تطلبُ هذه الآياتُ المذكورةُ أعلاهُ ممن ينكرون البعثَ بعد الموتِ أنْ ينظروا إلى دليل ملموس أمام أعيُنِهِم، وهو مراحلُ “خَلْقِ” [أو تشكُّلِ] الإنسانِ ابتداءً من النطفة حتى خروجه طفلا كاملا، وهذا هو البعثُ. ثم يكبرُ الإنسانُ ويموت. والموتى يُبْعَثون بعدَ ذلك. وهكذا دواليكَ. المسألة دورية، خَلْقًا بعدَ خَلْقٍ. فكيفَ لا تَقْدِرُ عقولُ المُنْكِرين على فَهمِ ذلك؟ لقد خُلِقوا وماتوا أكثرَ من مرة. يبدو أنَّ الإنسانَ شديد النُّكران. ولكنَّ الإنسانَ يُبعَثُ مرةً أخرى لعلَّه يتذكَّر. أيها الإنسانُ المُنكِرُ للبعث، ما الذى خدعَكَ حتى أنكرْتَ الصورَ أو الهيئاتِ الكثيرةَ التى مررتَ بها؟ انظرْ أمامَ عينيكَ إلى دليلٍ آخر على البعث، وهو التعاقبُ الدَّورى للفصول، إذْ تكونُ الأرضُ مَحْلا فى الشتاء ثم تصبح خضراء فى الربيع. هذا هو البعثُ. فكما تنمو النباتاتُ وتموتُ وتعود فتنمو كذلك يُخلَقُ الإنسانُ من الأرض ويعود إليها ثم يُخلَق من جديد. وهكذا يُبعَثُ البشرُ من قبورهم كما تُـبعَثُ النباتُ من البذرة فى الأرض. أيها البشر، لقد نَبَتُّم من الأرض كما يَنْبُتُ النباتُ. ثم ستعودون إلى التراب وتخرجون من التراب، كالنبات تمامًا. هذا هو البعثُ. أمَّا الذين أقرُّوا بأنّهم خُلِقوا مرتين وماتوا مرتين فلا بدَّ أنْ يمرُّوا بحالات كثيرة [طبقًا عن طبق] فيكتسبوا خبراتٍ متعدِّدة ويتفتَّح وعيُهم.
وهكذا، بعدَ ترتيبِ هذه الآياتِ بحسب موضوعها ترتيبًا منطقيًا، يتَّضح للقارئ أكثرَ فأكثرَ الموضوعُ الأساسى لها المختبئُ فى النص اختباءَ القِطَعِ الأثريةِ فى التراب. إنَّ أكثر آيات القرآن المرتَّبة على الشكل الحالى تشبه لُقًى أثريةً مبعثَرةً من عِظامِ حيواناتٍ وبقايا أدوات حجريةٍ وغيرها وتحتاج إلى من يعيد تركيبَها بحيثُ تتَّضح لنا أنواعُ هذه الحيوانات وتلك الأدوات- محمد عبد الجليل).
(يا سلام على المفهومية والذكاوة! لكأننا لم نكن نفهم البعث والحياة الآخرة ولا نعرف ما سوف يحدث فيها حتى اطلعنا على هذا التنطع السخيف. ثم تأمل، أيها القارئ الكريم، تشبيهه الآيات الكريمة بعظام الحيوانات من أمثاله وبقايا الأدوات الحجرية التى تذكِّر بعقله المتكلس، وهو تشبيه يراد به تحقير القرآن والإيحاء بأسلوب خبيث بأنه مجرد حفريات لا مكان لها فى عصرنا، بل كل ما نستطيع فعله هو تجميع قطع هذه الحفريات حتى نتصور كيف كانت تلك الحيوانات المنقرضة تعيش فى ذلك الماضى السحيق الذى لم تعد لنا به من صلة، ولم يعد يمثل لنا أية قيمة أو أهمية.
وطبعا لاحظ القراء تدخلات هذا الأحمق فى الآيات الكريمة بتغيير الضمير مرة، وتغيير حرف الربط مرة أخرى، وإضافة كلمات هنا وكلمة هناك، كل ذلك ليوقع فى رُوع القراء السذّج أن فى النص القرآنى أشياء تحتاج إلى أن يصلحها حمار جهول ذو حوافر مثله. ترى هل يمكن أن يصدق أى واحد له مُسْكَة من عقل أن النصوص التى أوردها عن البعث كانت غامضة أو مرتبكة حتى جاء هذا القرد فعاث فيها فسادا فاتضح معناها الخبىء؟ هذا رجل لا يستحى، إذ جاء لمهمة معينة هى تحطيم مشاعر الإجلال التى يكنها المسلمون لكتاب ربهم، فتراه لهذا يعبث طول الوقت به كى يغرس فى نفوسهم أن أمره ليس بكل تلك الخطورة، فها هو ذا يتلاعب به كما يشاء، أو بالأحرى: كما يشاء من أسندوا إليه تلك الوظيفة الحقيرة، دون أن تقع السماء على الأرض- إبراهيم عوض).
(11- إنَّ تحويل الأخطاء والعيوب اللغوية فى القرآن إلى أساليبَ بلاغيةٍ وإعجازيةٍ يُمكن أنْ يُشيرَ إلى حجمِ عقدةِ النقصِ المتحكِّمةِ فى نفوس العرب الوثنيين أو “الأميين” (Gentils) والمتمثِّلةِ فى عدم امتلاكهم لكِتابٍ مقدَّس يتفاخرون به كهُويةٍ دينية أمامَ اليهود والنصارى العرب. فكان القرآنُ يمثِّــلُ لهُم طوقَ نجاةٍ من سخرية اليهود والنصارى وتغطيةً لعقدة النقص لديهم (“هوَ الذى بعثَ فى الأُميين رسولا منهم يتلو عليهم آياتِه ويزكِّيهم ويُعلِّمهم الكِتابَ والحكمة” [سورة الجمعة، 2]) وصرخةَ وجودٍ وهُويةً وإعادةً للثقة بالنفس. فمِن الطبيعى أنْ يتمسَّكوا به ويعضُّوا عليه بالنواجذ ويحوِّلوه إلى أيقونة مقدَّسة لا يجوز المساسُ بها ويدافِعوا عنه بما أوتوا من قوة مادية وفكرية ويعطوا العيوبَ اللغوية معنى. ولمَّا كان همُّهم هو بناء سقفٍ فكرى يحمى رؤوسَهم من سِهام المستهزئين وسخريتهم فقد خرجَ كِتابٌ ملىء بالتناقضات والأخطاء، ولكنه فى عصر ظهوره لبَّى إلى حدٍّ ما حاجتَهم الاجتماعية والسياسية آنذاك- محمد عبد الجليل).
(الواقع أن هذا رجل لا يستحى كما قلنا وكررنا. لنفترض أن القرآن هو كتاب هوية العرب وأنهم لهذا لا يمكنهم أن يتخلَّوْا عنه خشية فقدان الهوية والعزة القومية والمهلبية، فهل هو كتاب هوية الفرس والمصريين والأفغان والترك والمغول والبشناق والألبان والبربر والهنود والصينيين والسودان والحبش وسائر الشعوب الإفريقية والآسيوية التى تدين به، والمسلمين الأوربيين والأستراليين والأمريكان أيضا؟ فكيف آمن به هؤلاء؟ نعم كيف آمن ولا يزال يؤمن به غير العرب، ومنهم الغربيون الذين يتفوقون على العرب الآن تفوقا عسكريا وسياسيا واقتصاديا وعلميا وفنيا ماحقا؟ ثم أين عقدة النقص عند العرب التى تدفعهم، كما تقول، إلى التمسك بالقرآن، وقد كانوا، على العكس من ذلك، يرفضون لسنواتٍ طوالٍ الإيمان به ويزعمون أنهم قادرون على أن يأتوا بقرآن يشبهه؟ ومن الناحية الأخرى كيف يكون عند العرب آنذاك عقدة نقص من الناحية الأدبية حتى ليضفون على القرآن إعجازا لا يستحقه، وهم الذين كانوا ينظرون إلى أشعار الأمم الأخرى وخُطَبهم نظرة احتقار وظلوا كذلك إلى ما بعد الإسلام حتى كان من بين العلماء العرب من يتصور أن غير العرب لا يعرفون البلاغة والخطابة مثلا؟ ثم كيف يفسر متخلفنا قول غير العرب من العلماء المسلمين إن هجاءهم باللغة العربية أحب إليهم من مدحهم بلغة آبائهم؟ لقد قال ذلك علماء من الفرس أصحاب أعظم حضارة قديمة فى المنطقة. وما زال علماء الفرس، رغم شيعيتهم، يعتزون باللغة العربية ويقرأون ويكتبون ويؤلفون بها حتى الآن، وجعلتها الحكومة الإيرانية بعد الثورة اللغة الثانية تلو الفارسية. بل إن الفرس فى القرون الأولى من تاريخ الإسلام كانوا لا يعرفون فى كتاباتهم وأشعارهم وأنثارهم غير العربية. فلم هذا كله، والعربية ليست لغتهم ولا تدخل فى تحديد هويتهم القومية؟
ولو كان القرآن كتاب هوية العرب فلم يا ترى يبرز فيه أنبياء العهد القديم، وبالذات أنبياء بنى إسرائيل، أقوى من ظهور هود وصالح وشعيب وإسماعيل، وهم أنبياء العرب؟ ليس هذا فقط بل إن القرآن والأحاديث النبوية ليصوران هؤلاء الأنبياء تصويرا رائعا على عكس الصور المقززة التى رسمها لهم العهد القديم إذ نسب إليهم الزنا والقتل وممارسة الجنس مع المحارم والظلم والتزوج من الوثنيات وغير ذلك؟ ولماذا يقول القرآن (كتاب الهوية العربية) عن بنى إسرائيل إن الله اختارهم على العالمين (فى عصرهم) بينما لم يقل ذلك عن العرب، وحين قال للمسلمين: “كنتم خير أمة أُخْرِجَتْ للناس” وضع لها شروطا من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإيمان بالله غير ذاكر العرب فى هذا السياق، وقال فى موضع آخر: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، أى أن التقى هو المكرم عند الله، وبحسب درجة تقواه يكون الإكرام، وجلَّى الرسول عليه السلام الأمر بما لا يحتاج إلى مزيد فقال: ليس لعربى فضل على عجمى إلا بالتقوى والعمل الصالح؟ بل نهى عليه السلام أهلَه، الذين هم أهله، أن يأتى الناس يوم القيامة بأعمالهم الصالحة ويأتوا هم بنسبهم إليه مما لا ينفع ولا يشفع؟ اللهم إنه القرآن، الذى يزعم ذلك الأفاق أنه كتاب الهوية العربية.
ولو كان القرآن هو كتاب الهوية العربية فلماذا لم يُدِرْه محمد حول تاريخ العرب كما أدار كَتَبَةُ الكتاب المقدس كتابَهم حول تاريخ بنى إسرائيل مع مقدمة سريعة عن تاريخ البشرية من لدن بداية الخلق حتى يعقوب؟ لكننا ننظر فلا نجد للعرب فى القرآن أى مكان متميز عن أية أمة أخرى. بل لا نجد لكلمة “العرب” ذاتها أى ذكر فى القرآن. كذلك لو كان القرآن يتخذ الكتاب المقدس مثالا أعلى ينسج على منواله لَحَرَص محمد على اتباع الطريقة التى أُلِّف بها الكتاب المقدس وجعل القرآن يعجّ بأسماء الأعلام، وبخاصة أعلام قومه، وبالأرقام والتواريخ والتفصيلات شأن ما هو موجود فى العهدين: القديم والجديد. وأيضا لو كان محمد قد وضع الكتاب المقدس نصب عينيه بوصفه مثالا يحتذى كما يزعم هذا الأفاق لما انتقده ولا انتقد أصحابه ولا خالفهم فى شىء. أليس هذا هو ما يقوله المنطق والعقل؟
ثم إن مهرِّجنا يقول فى هذه الفقرة إن العرب قد تمسكوا بالقرآن وعضوا عليه بالنواجذ وحوّلوه إلى أيقونة مقدَّسة لا يجوز المِسَاسُ بها ودافعوا عنه بما أُوتُوا من قوة مادية وفكرية وأعطوا عيوبه اللغوية معنى، وكان همُّهم كله هو بناء سقفٍ فكرى يحمى رؤوسَهم من سِهام المستهزئين وسخريتهم، ومن ثم جاء كتابا مليئا بالتناقضات والأخطاء، فلم يبالوا بذلك لأن المهم عندهم أنه لبَّى حاجتَهم الاجتماعية والسياسية. لكن كيف يوفق ذلك الأفاق بين هذا وبين تأكيده فى نفس الوقت أن العرب كانوا يدركون عيوب القرآن وينتقدونه، وكانوا أحرياء أن يعلنوا موقفهم ذاك لولا أن السلطة كانت تقمعهم وتمنعهم من التفوه بكلمة واحدة ضده؟ واضح أن أفكار الرجل سمك لبن تمر هندى!
ومع هذا فقد كان الصحابة وغير الصحابة يمارسون حريتهم فى التعبير كلما حدث ما يستوجب ممارسة هذه الحرية: لنأخذ مثلا عدى بن حاتم بعد إسلامه للرسول حين سمعه يقرأ آية سورة”التوبة” القائلة بأن النصارى يتخذون أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، إذ قال مؤكدا: ما كنا نعبدهم. فوضح له الرسول أن متابعتهم إياهم على ما يشرعونه لهم من دون الله تحليلا وتحريما هو العبادة المقصودة. فسؤال عَدِىٍّ هو لون من الاعتراض، ومع هذا لم ينهره الرسول بل وضح الأمر له فى منتهى الهدوء والروية. كذلك سأله بعض الصحابة عما ظنوه تعارضا بين آيات القرآن فيما يخص أحداث يوم القيامة، فرد عليهم بأن الآيات التى تبدو متعارضة إنما تتناول مواقف مختلفة فى ذلك اليوم بحيث إن كلا منها يتحدث عن أمر غير الأمر الذى تتحدث عنه الآيات الأخرى، ومن ثم فلا تعارض. وضح لهم هذا أيضا دون غضب أو تشنج أو تهديد.
وقد ردد الزنادقة هذا الاعتراض الأخير على القرآن فيما بعد وانتقدوه به، وأورده ابن قتيبة فى كتابه: “تأويل مشكل القرآن” فقال: “وقالوا: وهل التناقض إلا مثل قوله: “فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ” (39) (الرحمن/ 39)، وهو يقول فى موضع آخر: “فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ” (الحجر/ 92- 93)، ومثل قوله: “هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ” (المرسلات/ 35، 36)، ويقول فى موضع آخر: “ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ” (الزمر/ 31)، ويقول: “هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ” (البقرة/ 111)، ومثل قوله: “وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ” (الطور/ 25، والصافات/ 27)، وهو يقول فى موضع آخر: “فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ” (المؤمنون/ 101)؟”. وكان رده هو نفس الرد الذى أُثِر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى