بحوث ودراسات

عقيدة المسيَّا المخلِّص بين القرآن والسنُّة وبين الكتاب المقدَّس 10 من 10

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

ظلَّ ناحوم يتبرَّأ من الصهيونيَّة، رغم ما قيل عن تشجيعه الأنشطة الصهيونيَّة في مصر وزياراته المتعددة إلى فلسطين قبل تقسيمها عام 1947، كما ذكرت الدكتورة زبيدة عطا-أستاذ التاريخ بجامعة حلوان المصريَّة-في كتابها يهود مصر: التاريخ السياسي (2010)، وقد حرص في زياراته إلى فلسطين على حثَّ اليهود هناك على بثِّ الروح القوميَّة لجمع شتات الأمة اليهوديَّة، وهذا يتنافى مع ما ورد عن رفضه الهجرة، في الوقت الذي ابتُعث فيه من الأصل من موطنه إزمير التركيَّة-معقل يهود الدونمة-إلى مصر لحشد يهودها من أجل تلك المهمة. جدير بالذكر أن حاييم ناحوم هو ذاته الذي أسهم في تأسيس جمعيَّة الاتحاد والترقِّي وفي دعم جمعيَّة تركيا الفتاة في تركيا، والمعروف دورهما في تقويض الخلافة العثمانيَّة، بعد عودته من فرنسا عام 1908-عام واحد قبل خلع السلطان عبد الحميد الثاني-حينما كان يشغل منصب كبير حاخامات إسطنبول. يُذكر أيضًا أنَّ كمال أتاتورك قد أرسل ناحوم ضمن الوفد التركي للمشاركة في مؤتمر السلام في لوزان بسويسرا للتفاوض بشأن خروج بريطانيا من تركيا بعد هزيمة الأخيرة في الحرب العالميَّة الأولى، التي أشعلها اليهود، كما سبقت الإشارة. اعترف رضا نور-أحد المشاركين من الجانب التركي في مؤتمر لوزان-بأنَّ حاييم ناحوم كان منشغلًا جدًا بمصير الخلافة، وكان همزة الوصل بين كمال واللورد كرزون-رئيس المفاوضين الإنجليز-وكان سعيه إلى إسقاط الخلافة جادًّا، باعتبارها العائق أمام نيل الاستقلال التام. وتصادف سقوط الخلافة عام 1924مع بدايَّة رحلته إلى مصر عام 1925، حيث مات ودُفن عام 1960.

واستكمالًا لرحلة الاشتراكيَّة في مصر، فقد صعد فصيل الاشتراكيين الثوريين بعد ثورة يناير 2011، وحصل أحد زعمائهم-يُدعي حمدين صباحي-على المركز الثالث في انتخابات الرئاسة عام 2012، وكان المركز الأول من نصيب المرشَّح المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين-محمد مرسي-، والثاني حصده المرشَّح المنتمي إلى المؤسسة العسكريَّة المصريَّة-أحمد شفيق؛ ثمَّ تقدَّم إلى المركز الثاني في انتخابات عام 2014، حينما كان المنافس الوحيد للمرشَّح المنتمي إلى المؤسسة العسكريَّة، والفائز هذه المرة، وكان فصيل الإسلاميين قد أُزيح بالكامل عن الساحة. ولم تزل المنافسة على انتخابات الرئاسة المصريَّة لعام 2018 تنحصر في الرئيس الحالي عبد الفتَّاح السيسي وزعيم آخر من الاشتراكيين الثوريين. جدير بالذكر أنَّ المرشَّح الاشتراكي الخاسر عام 2014 قد نال احترامًا واسعًا من الصحف الغربيَّة لجرأته على خوض المنافسة مع المرشَّح العسكري القوي، ثمَّ لمثابرته في طعنه ضد نتائج الانتخابات، على عكس موقف نفس الصحف من المرشَّح العسكري الخاسر عام 2012. يُذكر أنَّ من أحد أحركة فصيل الاشتراكيين الثوريين كان دعوة لثورة يوم 11 نوفمبر (11/11) عام 2016 أسموها “ثورة الغلابة” (أي ثورة الفقراء)، وتصادف ذلك مع قرار الحكومة المصريَّة تعويم الجنيه ليفقد أكثر من نصف قيمته أمام الدولار. هذا ويعترف اليهود بأنَّ شعارات “حريَّة، عدالة، مساواة” هي من صُنعهم والقصد من ورائها خداع “العميان” الذين يسيرون وراء الفتنة، وهم يؤكدون أنَّهم سيحذفونها بعد أن يستولوا على حُكم العالم.

فهمنا مما سبق في هذه النقطة أنَّ الاشتراكيَّة هي معول هدم العقائد الدينيَّة في العالم، استعدادًا لنشر عقيدة دينيَّة موحَّدة. والسؤال الأخير: هل سبق وأن ظهرت أي فرقة دينيَّة تدعو إلى التقريب بين الديانات؟ الإجابة: نعم، البهائيَّة.

12.البهائيَّة ودورها في نشر الدين العالمي الجديد

ظهرت البهائيَّة في إيران منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، بوصفها انبثاقًا عن الحركة البابيَّة، وكلاهما من صور حركات الغلو الشيعي التي ادَّعت الانتماء إلى الإسلام في الظاهر، بينما استهدف في حقيقة الأمر محاربته من الداخل بإحلاله بعقيدة جديدة لا تمتُّ لصحيح الإسلام بأي صلة. ميرزا حسين علي المازندراني هو مؤسس البهائيَّة، وجريًا على عادة القوم من الغلاة والباطنيَّة، اتَّبع حسين البهاء أسلوب التأويل الباطني للقرآن الكريم، دون أي اعتبار للضوابط اللغويَّة وقواعد التفسير التي يسير عليها المفسرون في مختلف المذاهب الإسلاميَّة. للبهاء بعض الكتب والرسائل ألَّفها، باعتباره إلهًا حلَّ في جسم بشري، وأهمُّها الأقدس والبيان.

تستَّرت البهائيَّة بادِّعاء رغبتها في توحيد الأديان والبشر، وهذا نفس هدف القبَّاليَّة الروسيَّة هيلينا بلافاتسكي الداعيَّة إلى دين عالمي موحَّد في نفس المرحلة الزمنيَّة، حيث أسست الجمعيَّة الثيوصوفيَّة عام 1875. صحيح أنَّ بلافاتسكي أسَّست تلك الجمعيَّة في مدينة نيويورك الأمريكيَّة، لكنَّها تتلمذت في البدايَّة في الهند على يد راهب هندوسي-يُدعي كوت هومي-كان قد أسَّس مع اثنين من القبَّاليين الإنجليز جمعيَّة ماسونيَّة أطلقوا عليها “أخويَّة النور؛” وقد ادَّعى أنَّ هناك حكمة متوارثة عبر الأجيال لا تتجلى إلا في صفوة مختارة في كلِّ أمَّة. وبما أنَّ الهند حينها كانت تحت سيطرة الاحتلال البريطاني، وبما أنَّ بريطانيا كانت تسيطر على المشرق بأكمله في تلك الآونة، فليس من المستبعد أبدًا أنَّه كان هناك تواصل فِكري بين مؤسس البهائيَّة ومبتدعة فكرة الدين العالمي الموحَّد. وسيوضح لاحقًا دور بريطانيا في دعم البهائيَّة.

تتفق البهائيَّة مع اليهوديَّة في كافة الأهداف (بناء الهيكل على وطن اليهود)، وهي تدَّعي أنَّ هدفها هو التوحيد بين الديانات الثلاث على أصول نواميس موسى. ويتفق البهائيون في ذلك مع الشيعة في تأكيدهم على أنَّ إمامهم محمد بن الحسن العسكري سيحكم بشريعة آل داود، وهذا ما صرَّح به الإمام الشيعي الاثنا عشري ثقة الإسلام الكليني في كتابه الكافي، وهو من أصحِّ كُتب الأحاديث لدى الشيعة، حيث قال” “إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بينة.” كان بهاء الله من المدافعين عن اليهود، حتى أنَّه كان يرى أنَّ الجهاد في الإسلام لا محل له، كما أنَّ الجنة كانت بإقامة إسرائيل والنار هي عدم الاعتراف بها، والأخطر هو أنَّه أزال حكم الشريعة الإسلاميَّة، فمنح اليهود بذلك ما لم يمنحه إيَّاها مؤسسو إسرائيل وزعماء الصهيونيَّة.

لقَّبت غانيَّة البابيَّة المسمَّاة قرَّة العين-المعروفة بتعاونها مع اليهود في نشر الفكر المضاد للإسلام-الميرزا “حسين علي” ببهاء الله، وزعمت أنه المقصود بما ورد في أسفار اليهود عن “بهاء الله” كسفر اشعياء، الآيَّة 2 في الإصحاح 35: “يدفع إليه مجد لبنان. بهاء كرمل وشارون، وهم يرون مجد الرب إلهنا بهاء إلهنا“.

زعم اليهود أنهم سيملكون العالم كله يوم مجيء رب الجنود؛ وأنَّ الأمم ستدخل في دينهم أفواجًا، وأنَّ فلسطين ستبقى تحت أيديهم أبدًا، وأنَّهم سيحكمون منها الدنيا كلها، وأنَّ الأمة التي لا تخدم اليهود سيبيدها الله. وتؤكد البهائيَّة أن هذا الزعم اليهودي حقيقة لا ريب فيها، وأنه لتحقيقها قام دين البهائيَّة، وحلت روح الله في الميرزا “حسين علي”؛ لأنَّه هو رب الجنود موعود اليهود! وقد ورد في سفر اشعياء عن أورشليم “وَبَنُو الْغَرِيبِ يَبْنُونَ أَسْوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ يَخْدِمُونَكِ. لأَنِّي بِغَضَبِي ضَرَبْتُكِ، وَبِرِضْوَانِي رَحِمْتُكِ. وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ دَائِمًا. نَهَارًا وَلَيْلًا لاَ تُغْلَقُ. لِيُؤْتَى إِلَيْكِ بِغِنَى الأُمَمِ، وَتُقَادَ مُلُوكُهُمْ. لأَنَّ الأُمَّةَ وَالْمَمْلَكَةَ الَّتِي لاَ تَخْدِمُكِ تَبِيدُ، وَخَرَابًا تُخْرَبُ الأُمَمُ” (سفر اشعياء: إصحاح 60، آيات 10-12). والبهائيَّة تؤكد أن هذا كله آت لا ريب فيه، و”أورشليم” تحت يد اليهود، وعاصمة مملكتهم الكبرى!

ويعرف البهائيون أنَّ هذا الوعد المبارك لن يحصل إلا بعد مجيء الرب في آخر الأيام، وتدل كتابات بهاء الله أنه هو موعود كل الأنبياء. وقد كتب أحد مبشِّري البهائيَّة: “إن الميرزا حسين-هكذا-هو رب الجنود الذي يعيد ملك سليمان إلى اليهود، ويغرسهم في فلسطين غرسًا أبديًا؛ لأنَّه كما تزعم البهائيَّة: “مظهر الأب الذي بشر به اشعياء، أما المسيح فابن الأب فقط”. ويقول أبي الفضائل كلبايكاني-الملقَّب بحواري بهاء الله-في كتابه “الحجج البهيَّة” عن بشارات أسفار اليهود:

 يظهر الرب القدير، ويطلع من المشرق جماله المشرق المنير ، وينـزل في الأرض المقدسة، ويرتفع نداؤه من الجبل المقدس-جبل الكرملفيجمع شتيت بني إسرائيل، ويجليهم من بين جميع الشعوب، فيخرجون من الظلمة إلى النور، ويتبدل حزنهم بالسرور، وكفرهم بالإيمان، وذلتهم بالعزة، فيصيرون مبروكين بعد ما كانوا ملعونين، وغالبين بعد ما كانوا مغلوبين، ويرجع عز الأراضي المقدسة، وتتبرك بترابها الملل المتباعدة، ويغير اسمها فم الرب الموعود، ويبني هيكلها الغصن المبارك المحمود، فتسمى أرضًا مقصودة بعد ما كانت مطرودة، فترجع عزة الأرض المقدسة رجوعًا لا يزول، ويغرس الشعب فيها غرسًا لا يتضعضع، ولا يحول (الحجج البهيَّة: صـ 112-113).

المقصود بقوله “المشرق جماله المشرق المنير“إيران حيث وُلد البهاء، ومن حيث سيخرج الدجَّال وتحديدًا من أصفهان؛ والمقصود بـ “جبل الكرمل” مكان دفن البهاء وحجِّ البهائيين. وقد تحققت نبوءة أبي الفضائل، وجُمع “شتيت بني إسرائيل“، وقد تغيَّر اسم فلسطين إلى إسرائيل، “ويغير اسمها فم الرب الموعود“. ومن أوضح صور التماهي بين عقيدة البهائيَّة وعقيدة اليهود، اعتماد أبي الفضائل على ما ورد في سفر اشعياء من نبوءة عن عودة بني إسرائيل إلى الأرض المقدَّسة بعد خرابها “فَتَرَى الأُمَمُ بِرَّكِ، وَكُلُّ الْمُلُوكِ مَجْدَكِ، وَتُسَمَّيْنَ بِاسْمٍ جَدِيدٍ يُعَيِّنُهُ فَمُ الرَّبِّ…لاَ يُقَالُ بَعْدُ لَكِ: «مَهْجُورَةٌ»، وَلاَ يُقَالُ بَعْدُ لأَرْضِكِ: «مُوحَشَةٌ»، بَلْ تُدْعَيْنَ: «حَفْصِيبَةَ»… اُعْبُرُوا، اعْبُرُوا بِالأَبْوَابِ، هَيِّئُوا طَرِيقَ الشَّعْبِ. أَعِدُّوا، أَعِدُّوا السَّبِيلَ، نَقُّوهُ مِنَ الْحِجَارَةِ، ارْفَعُوا الرَّايَةَ لِلشَّعْبِ. هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَخْبَرَ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ، قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: «هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ». وَيُسَمُّونَهُمْ: «شَعْبًا مُقَدَّسًا»، «مَفْدِيِّي الرَّبِّ». وَأَنْتِ تُسَمَّيْنَ: «الْمَطْلُوبَةَ»، «الْمَدِينَةَ غَيْرَ الْمَهْجُورَةِ»” (إصحاح 62، آيات 2-12).

 يتَّضح من نبوءة أبي الفضائل أنَّ تمهيد البهائيَّة لاحتلال فلسطين لا ريب فيه؛ وأنَّ الأمر تمَّ في ثلاث مراحل: الأولى هي انتقال بهاء الله إلى فلسطين، وتمَّ ذلك بمساعدة الاستعمار البريطاني، “يظهر الرب القدير، ويطلع من المشرق جماله المشرق المنير، وينـزل في الأرض المقدسة، ويرتفع نداؤه من الجبل المقدس-جبل الكرمل“؛ والثانيَّة هي هجرة بني إسرائيل من شتَّى أصقاع العالم إلى الأرض المقدَّسة وتغيير اسمها “فيجمع شتيت بني إسرائيلويغير اسمها فم الرب الموعود“؛ والثالثة هي أن يبني “الغصن المبارك المحمود“، وهو عبد البهاء عبَّاس-ابن بهاء الله-ونسله “هيكلها“. ويُنسب إلى عبد البهاء عبَّاس أنَّه قال: “في تلك الدورة سيجتمع بنو إسرائيل في الأرض المقدسة وتكون أمة اليهود-كذا-التي تفرقت… مجتمعة“؛ كما نُسب إليه قوله: “الآن تأتي طوائف اليهود إلى الأرض المقدسة ويمتلكون الأراضي والقرى ويزدادون تدريجيًّا إلى أن تصير فلسطين جميعًا وطنًا لهم“. جدير بالذكر أنَّ الاستعمار البريطاني قد منح عبَّاس “وسام الفارس” لقاء خدماته في الحرب العالميَّة الأولى. وفي الحقيقة، يبدو أنَّ ما عجز عنه الاستعمار هو بناء الهيكل من خلال زرع نسل عبد البهاء عبَّاس بعد طمس هويَّته غير المسلمة بين أفراد الشعب الفلسطيني، حتى يصل يومًا إلى السلطة، ويُصبح على رأسها. فالسلطة الفلسطينيَّة ترأَّسها ياسر عرفات (أبو عمَّار)، وتبعه محمود عبَّاس (أبو مازن)، ولم يُعرف أنَّ أحد أفراد سلالة عبد البهاء عبَّاس بن الميرزا حسين المازندراني قد وصل إلى منصب مسؤول في فلسطين.

13.أهم نتائج الدراسة

1.عقيدة المسيَّا المخلِّص، بوصفه ابنًا لإله سماوي، يموت فداءً للبشر للتكفير عن آثامهم، ثم يعود ليوحِّد العالم تحت لواء دين عالمي، تدبُّ بجذورها في العقائد الوثنيَّة، ولا أصل لها في القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة، حيث تتنافى كليَّة مع صحيح الإسلام. وربَّما أسهم الخلط بين معنى كلٍّ من المسيح والمسيَّا في نشر فريَّة أنَّ المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) هو ابن الله المخلِّص في آخر الزمان.

2.ترجع فكرة تقسيم الوجود إلى ثلاثة عناصر أساسيَّة، هي الإله والكون والإنسان، إلى العقائد الوثنيَّة، ومن هنا بدأت عقيدة التثليث. وعقائد الغنوصيَّة والغنائيَّة ووَحدة الوجود هي التي رسَّخت في أذهان الكثيرين فكرة أنَّ البشر هم جزء من الإله، وأنَّ الوسيط بين الطرفين هو النور الإلهي، المتجسِّد في الروح القُدُس في العقائد المخالفة لما جاء به الإسلام، لن نقول الوثنيَّة.

3.تشابه مسيرة المسيح في الكتاب المقدَّس مع مسيرات الآلهة الوثنيَّة يدفع إلى إعادة النظر في صحَّة ما ورد في هذا المصدر؛ كما يسترعي التشابه بين مضمون إنجيل برنابا وما ورد في القرآن الكريم البحث في مدى صحَّة هذا الإنجيل. ولعلَّ أهم نقطة مشتركة بين إنجيل برنابا والمصادر الإسلاميَّة نفي أنَّ المسيَّا هو يسوع الناصري، وإن لم تكن عقيدة المسيَّا قد أُقرَّت في الاثنين من الأصل. وتجدر الإشارة إلى أنَّ قول رسولنا الكريم في نزول عيسى آخر الزمان لم يرد فيه أصلًا وصفه بأنَّ سيكون حاكمًا، بل “حكمًا مقسطًا“.

4.ثبوت تحريف الإنجيل في ترجمة كلمة “الفارقليط-periklutos“، التي تقصد الأحمد، وليس المعزِّي، كما ورد في إنجيل يوحنَّا-الوحيد في الأناجيل الأربعة المعترف بها الذي أشار إلى ذلك-وقد أثبت ذلك القسيس المهتدي إلى الإسلام عبد الله المايوركي.

5.إثبات بُطلان عهد الإله لإبراهيم بمنحه “أرض غربته” لابنه “الوحيد” إسحق؛ لأنَّ معيار التفضيل هنا هو العنصريَّة، والأكرم عند الله بالتقوى، وليس بالعرق لأنَّ أصل البشر واحد. أضف إلى ذلك التناقض الفج بين ما ورد في العهد من التوصيَّة بميراث الأرض إلى إسحق وبين الأمر بذبحه لاحقًا؛ وكأنَّ الأمر بالذبح كان تمثيليَّة عبثيَّة وافق إبراهيم على المشاركة فيها لعلمه المسبق بأنَّ إسحق سيعيش ليرث الأرض ويورثها لنسله. وأهم ما ثبت أنَّ المسيح نفسه لم يرد على لسانه في الإنجيل أبدًا أي شيء عن ذلك العهد.

6.الماسونيَّة العالميَّة هي اليد الخفيَّة وراء ترسيخ عقيدة المسيَّا المنتظر، وهناك مصادر تشير إلى رجوعها إلى وقت ظهور المسيح في القرن الأول الميلادي. ولو ثبت الادعاء بأنَّ شاؤول الطرسوسي-هو ذاته الذي تلقَّى علوم التوراة على يد اليهود الفريسيين وتعلَّم عقائد اليهود الإسينيِّين-كان على اتصال بنواة الماسونيَّة، لصحَّ ما يُقال عن إفساده الشريعة التي جاء بها المسيح-رسول الله-لتبديل كلام الله ونشر الكفر.

7.عقائد الشيعة الموصوفة بالغلو خنجر دبَّ في صدر أمَّة الإسلام. ولعلَّ في دور البهائيَّة-وهي من أشهر حركات الغلو-في الدعوة إلى جمع شتات اليهود لتأسيس دولتهم على أرض فلسطين، وفي التبشير بذلك في كتبهم، بل وفي تعاوُن أهم رموزها (بهاء الله وخليفته عبَّاس) مع الاستعمار في هذا الشأن، ما يثبت ذلك؛ برغم زعم البهائيَّة رغبتها في توحيد البشر تحت لواء دين واحد. الدين الواحد الذي أراداته البهائيَّة، هو ذاته الذي يبشِّر به الشيعة، وهو المستمدُّ من ألواح موسى وشريعة آل داود، في الوقت الذي قال فيه رسولنا محمَّد في حديث حسن أخرجه أحمد، عن الشعبي عن جابر ابن عبد الله: ” أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “والذي نفسي بيده لو أنَّ موسى (صلى الله عليه وسلم) كان حيًّا ما وسعه إلَّا أن يتبعني”.

8.لم تنكر البهائيَّة سعيها إلى تنفيذ بشارة أبي الفضائل عن بناء الهيكل، ولكنَّ سعيها قد خاب في ذلك بعد زرع “الغصن المبارك المحمود” بين المسلمين ووصوله إلى السلطة وتهاونه في حقوق أصحاب الأرض في مواجهة المستعمرين، المستندين إلى عهد تُبطله كُتبهم قبل القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة؛ فلم يثبت أن زُرع بهائي أخفى هويته وقُلِّد منصبًا يؤهله إلى التحكُّم في مصير الأرض المقدَّسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى