يأتي خبر إعلان الهند ضم إقليم (كشمير) بمثابة إعلان حرب على الباكستان، وقد أخذت تداعيات هذا الإجراء تظهر سريعاً بدءاً من تعليق التجارة الثنائية بينهما إلى سحب السفراء ، وربما يتفاقم الوضع إلى أبعد من ذلك فيما لو حدثت أعمال عنف داخل الإقليم وردّت الهند باستهداف الجيش الباكستاني ، كما صرح رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في كلمة أمام البرلمان الذي عقد جلسة طارئة الثلاثاء 6 من آب/أغسطس الجاري .
إنها حرب الحدود التي لاتنتهي بين الدول المتجاورة ، والتي زرع بذرتها المستعمر لتبقى قنابل موقوتة ، تهدد الأمن والاستقرار، وتمنع الشعوب من السير قدماً نحو التطور والازدهار ، وكأنها رجع تاريخ حسبناه قد مضى ولن يعود .
قديماً ومنذ فجر التاريخ، كانت الحدود بين الشعوب والأقوام والدول عرضة للتغيير ، تبعاً لأسباب كثيرة منها الإقتصادي ومنها السياسي ومنها العقدي، ومنها إختلال توازن القوة بين الشعوب المتجاورة مما يدفع بالطرف الأقوى للتفكير بضمّ المزيد من الأراضي الواقعة تحت سيطرة الطرف الضعيف ، وعلى الرغم من التطور الذي حصل في العالم وخاصة بعد الحربين العالميتين ونشوء هيئة الأمم المتحدة ، التي أنيط بها مهمة حل النزاعات الحدودية بين الدول بالطرق السلمية ، إلًا أنّ اللجوء إلى إستعمال القوة وشن الحرب بين الطرفين المتنازعين ظلّ قائماً في الكثير من الحالات ، كما كان يحصل في كل مراحل التاريخ … هكذا سعى الاسكندر المقدوني 334 ق.م لكسب المزيد من الأراضي حين توجه من اليونان باتجاه الشرق وخلال ثلاثة أعوام من الحروب استطاع تحطيم الإمبراطورية الأخمينية ، واحتلال جزء من مناطق الشرق الأدنى الخاضعة للفرس ، وليؤسس الإمبراطورية الإغريقية لأول مرة في تاريخ اليونان .
إنها الرقعة الجغرافية التي تدفع الشعوب للاقتتال فيما بينها، فهي معيار القوة الرئيس ،فكلما توسعت رقعة الدولة ازدادت قوة ومنعة وأصبحت مواردها أكثر ، بالإضافة الى دخول شعوب وأقوام جديدة تحت هيمنتها .وهكذا ظهرت الإمبراطوريات واندثرت عبر التاريخ، حين رسمت الجيوش حدود تلك الإمبراطوريات .
لكن معايير الدولة القوية قد تغيّرت في عصرنا الحالي ، وباتت التكنولوجيا والتقدم العلمي أهم من المساحة الجغرافية وماتعنيه من ثروات باطنية وقوى بشرية ، ولم يعد مصطلح ” العمق الاستراتيجي ” يحظى بذات الأهمية كما كان من قبل ، بعد أن أصبحنا نعيش في عالم تعجّ سماؤه بأقمار التجسس وطائرات ( الدرون ) ، وبات كل شبر من الأرض مراقباً على مدار الساعة ، فإسرائيل مثلاً ، استطاعت أن تحقق مفهوم الدولة القوية من خلال تفوقها التكنولوجي والعسكري على معظم دول الشرق الأوسط ، رغم افتقارها للعمق الاسترتيجي وصغر مساحتها إذا ما قورنت بباقي الدول المحيطة بها ، واستطاعت بمساعدة أمريكية على كافة الأصعدة أن تضمن هيمنتها العسكرية ، من خلال الذراع الطويلة لسلاح الطيران وبمنظومات صاروخية متطورة جداً، ولم تعد بحاجة إلى الإستيلاء على المزيد من المساحات من خلال الحروب ، كما فعلت سابقاً حين احتلت ( هضبة الجولان السورية ) ولاتزال .
وبالرغم من وجود ( محكمة العدل الدولية ) التي ساهمت بحلّ الكثير من النزاعات الحدودية بين الدول ، إلّا أنها عجزت بذات الوقت أمام العديد من القضايا المماثلة ، ولم تستطع منع نشوب الحروب والنزاعات ، كالذي حصل لدول شرق أوروبا بعد تفكك الإتحاد السوفييتي 1990 م ، وكانت النتيجة ظهور دول جديدة رسمت حدودها بالحديد والنار (يوغوسلافيا ) ، أو الحرب بين أرمينيا وأذربيجان 1992 م بسبب قيام أرمينيا بضم إقليم ( قره باغ ) الأذري ، واستمرار التوتر بين الجارتين اللدودتين واللجوء إلى القوة من حين إلى آخر كان آخرها عام 2016م.
إنّ الشواهد على فشل الأمم المتحدة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين كثيرة ، كما أنها بدت عاجزة عن حماية حدود الدول التي تنتمي لها أو التي شاركت في تأسيسها عام 1945 م . وما فعلته روسيا ( العضو الدائم في مجلس الأمن ) مع جارتها أوكرانيا كان صادماً ، حين استولت على جزيرة القرم 2014 م وهي جزء من أوكرانيا ، وبعد استفتاء شكّك الغرب بشرعيته ، صوت سكان القرم ـ غالبيتم من أصول روسية ـ للإنضمام إلى الإتحاد الروسي . ويأتي اليوم لنشهد قيام الهند بإجراء مماثل الذي ينذر بنشوب حرب بين الجارتين ( النوويتين ) قد تتعدّى حدودهما ، مما يستدعي البحث جديّا عن البديل الناجع لهيئة الأمم المتحدة التي ” شاخت ” آلياتها على ما يبدو واهترئت ، وانحصر دورها بتقديم المساعدات الإنسانية أمام المجاعات وموجات النزوح واللجوء نتيجة الحروب الداخلية التي رافقت الربيع العربي والتي لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية . فهل نحن على أعتاب نظام دولي جديد يستطيع إحلال السلام والأمن الدوليين بشكل ناجع ، وطي صفحة الأمم المتحدة المليئة بالنكسات والملفّات المشبوهة والمعايير المبهمة ؟.