مقالات

حروب الحدود.. في ظلّ الأمم المتحدة

ياسر الحسيني

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

يأتي خبر إعلان الهند ضم إقليم (كشمير) بمثابة إعلان حرب على الباكستان، وقد أخذت تداعيات هذا الإجراء تظهر سريعاً بدءاً من تعليق التجارة الثنائية بينهما إلى سحب السفراء ، وربما يتفاقم الوضع إلى أبعد من ذلك فيما لو حدثت أعمال عنف داخل الإقليم وردّت الهند باستهداف الجيش الباكستاني ، كما صرح رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في كلمة أمام البرلمان الذي عقد جلسة طارئة الثلاثاء 6 من آب/أغسطس الجاري .

إنها حرب الحدود التي لاتنتهي بين الدول المتجاورة ، والتي زرع بذرتها المستعمر لتبقى قنابل موقوتة ، تهدد الأمن والاستقرار، وتمنع الشعوب من السير قدماً نحو التطور والازدهار ، وكأنها رجع تاريخ حسبناه قد مضى ولن يعود .

قديماً ومنذ فجر التاريخ، كانت الحدود بين الشعوب والأقوام والدول عرضة للتغيير ، تبعاً لأسباب كثيرة منها الإقتصادي ومنها السياسي ومنها العقدي، ومنها إختلال توازن القوة بين الشعوب المتجاورة مما يدفع بالطرف الأقوى للتفكير بضمّ المزيد من الأراضي الواقعة تحت سيطرة الطرف الضعيف ، وعلى الرغم من التطور الذي حصل في العالم وخاصة بعد الحربين العالميتين ونشوء هيئة الأمم المتحدة ، التي أنيط بها مهمة حل النزاعات الحدودية بين الدول بالطرق السلمية ، إلًا أنّ اللجوء إلى إستعمال القوة وشن الحرب بين الطرفين المتنازعين ظلّ قائماً في الكثير من الحالات ، كما كان يحصل في كل مراحل التاريخ … هكذا سعى الاسكندر المقدوني 334  ق.م لكسب المزيد من الأراضي حين توجه من اليونان باتجاه الشرق وخلال ثلاثة أعوام من الحروب استطاع تحطيم الإمبراطورية الأخمينية ، واحتلال جزء من مناطق الشرق الأدنى الخاضعة للفرس ، وليؤسس الإمبراطورية الإغريقية لأول مرة في تاريخ اليونان .

إنها الرقعة الجغرافية التي تدفع الشعوب للاقتتال فيما بينها، فهي معيار القوة الرئيس ،فكلما توسعت رقعة الدولة ازدادت قوة ومنعة وأصبحت مواردها أكثر ، بالإضافة الى دخول شعوب وأقوام جديدة تحت هيمنتها .وهكذا ظهرت الإمبراطوريات واندثرت عبر التاريخ، حين رسمت الجيوش حدود تلك الإمبراطوريات .

لكن معايير الدولة القوية قد تغيّرت في عصرنا الحالي ، وباتت التكنولوجيا والتقدم العلمي أهم من المساحة الجغرافية وماتعنيه من ثروات باطنية وقوى بشرية ، ولم يعد مصطلح ” العمق الاستراتيجي ” يحظى بذات الأهمية كما كان من قبل ، بعد أن أصبحنا نعيش في عالم تعجّ سماؤه بأقمار التجسس وطائرات ( الدرون ) ، وبات كل شبر من الأرض مراقباً على مدار الساعة ، فإسرائيل مثلاً ، استطاعت أن تحقق مفهوم الدولة القوية من خلال تفوقها التكنولوجي والعسكري على معظم دول الشرق الأوسط ، رغم افتقارها للعمق الاسترتيجي وصغر مساحتها إذا ما قورنت بباقي الدول المحيطة بها ، واستطاعت بمساعدة أمريكية على كافة الأصعدة أن تضمن هيمنتها العسكرية ، من خلال الذراع الطويلة لسلاح الطيران وبمنظومات صاروخية متطورة جداً، ولم تعد بحاجة إلى الإستيلاء على المزيد من المساحات من خلال الحروب ، كما فعلت سابقاً حين احتلت ( هضبة الجولان السورية ) ولاتزال .

وبالرغم من وجود ( محكمة العدل الدولية ) التي ساهمت بحلّ الكثير من النزاعات الحدودية بين الدول ، إلّا أنها عجزت بذات الوقت أمام العديد من القضايا المماثلة ، ولم تستطع منع نشوب الحروب والنزاعات ، كالذي حصل لدول شرق أوروبا بعد تفكك الإتحاد السوفييتي 1990 م ، وكانت النتيجة ظهور دول جديدة رسمت حدودها بالحديد والنار (يوغوسلافيا ) ، أو الحرب بين أرمينيا وأذربيجان 1992 م بسبب قيام أرمينيا بضم إقليم ( قره باغ ) الأذري ، واستمرار التوتر بين الجارتين اللدودتين واللجوء إلى القوة من حين إلى آخر كان آخرها عام 2016م.

إنّ الشواهد على فشل الأمم المتحدة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين كثيرة ، كما أنها بدت عاجزة عن حماية حدود الدول التي تنتمي لها أو التي شاركت في تأسيسها عام 1945 م . وما فعلته روسيا ( العضو الدائم في مجلس الأمن ) مع جارتها أوكرانيا كان صادماً ، حين استولت على جزيرة القرم 2014 م وهي جزء من أوكرانيا ، وبعد استفتاء شكّك الغرب بشرعيته ، صوت سكان القرم ـ غالبيتم من أصول روسية ـ للإنضمام إلى الإتحاد الروسي . ويأتي اليوم لنشهد قيام الهند بإجراء مماثل الذي ينذر بنشوب حرب بين الجارتين ( النوويتين ) قد تتعدّى حدودهما ، مما يستدعي البحث جديّا عن البديل الناجع لهيئة الأمم المتحدة التي ” شاخت ” آلياتها على ما يبدو واهترئت ، وانحصر دورها بتقديم المساعدات الإنسانية أمام المجاعات وموجات النزوح واللجوء نتيجة الحروب الداخلية التي رافقت الربيع العربي والتي لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية . فهل نحن على أعتاب نظام دولي جديد يستطيع إحلال السلام والأمن الدوليين بشكل ناجع ، وطي صفحة الأمم المتحدة المليئة بالنكسات والملفّات المشبوهة والمعايير المبهمة ؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى