مقالات

جمال الدين الأفغاني والبهائية!

نزار الراوي

باحث في السياسة الشرعية
عرض مقالات الكاتب

في إحدى المسامرات في تركيا قبل بضع سنين، على خلفية التعاطي مع الشأن السوري و سائر ملفات المنطقة الساخنة ، و كنت قد أهديت أحد الأصدقاء صورة أصلية نادرة لجمال الدين الأفغاني ، ذكرني صديقي بالصورة و قال لي يقصد المدح و تأصيل التفكير الجذري العملي الذي طرحته بخصوص ما ينبغي اتخاذه لحل الأزمة التي وصلت إليها جميع دول المنطقة و ذلك بالتحرر من التبعية الاستعمارية .. قال صديقي : إن هذا تفكير ثوري و هو تفكير الأفغاني، غير أننا نميل إلى تفكير محمد عبده الإصلاحي لأنه أوفق بالسياسة. أما أنا فقد كنت حينها غير عابىء بتتبع حياة الرجلين و لا شأن المدرسة الإصلاحية لأن لي موقفا مبدئيا مع مدرسة التوفيق الفكري لكونه فكرا غير أصيل بل هو أقرب إلى الانطباع بالواقع و التكيف معه. و هذا ينافي الأصالة و الجدية كما أنه عقبة كأداء في وجه السير الطبيعي للأمة لأنه اضطراب في الفكر و السلوك يتظاهر بمظهر الفكر لا أكثر. و كنت إلى جانب هذا قد وقفت على شيء من سيرة الشيخين محمد عبده و رشيد رضا ، و ثبت لدي اضطراب المسلك السياسي لا سيما لدى رشيد رضا الذي ترك كثيرا من الآثار الدالة على مسيرته السياسية الطويلة ، و من جملة ذلك اشتراكه مع حزب اللامركزية الخطير ضمن الهيئة التأسيسية مع بعض القوميين و منهم غير المسلمين.

مرت السنون ثم لم يلبث صديقي أن وقع قبل أيام على صورة مستنسخة بالتكثير حسب أصول الفوتوكارت لجمال الدين محاطا بكوكبة من الشخصيات البابية التي تبين لي خطرها بعد الاطلاع الأولي على الكتاب المرفق و هو ؛ البهائية في إيران . شكرت لصديقي إتحافه إياي بنسخة مصورة عن البطاقة و سألته : لم كتب على التصوير : آقا سيد جمال الدين أسد آبادي؟ قال : نسبة إلى أسد آباد الأفغان. و لم ألبث أن أخذت بأسباب البحث حول حركة المشروطة الإيرانية أي الحركة الدستورية و حول حياة جمال الدين المذكور و أصحاب الصور التي تحوطه، و قد علق خلف الصورة على سبيل الفخر و التمدح : يادكار مهاجرين إيران در استانبول ، أي ذكرى مهاجري إيران في اسطنبول . و على الواجهة عبارة منها أن الصور هذه لمجاهدي الإنسانية، و هي عبارة استخدمت في بعض المراجع ، منها الكتاب المرفق ، للدلالة على دعوة بعض البابيين إلى ما يسمى بالأنسنة أو دين الإنسانية.

دفعت بعد النظر إلى البحث في شخصية جمال الدين دفعا و لا أزال أحاول استقصاء البحث إذا أمكن ، لكن من واقع الوثائق مع إعمال آلية أكثر جدة في البحث التاريخي ، بحيث أتجنب الجدل الدائر بين أوساط المناصرين و الناقمين. و الذي يظهر في بادئ النظر أن شخصية الرجل محفوفة بالغموض أو هكذا أريد لها أن تكون ، و أنه اتخذ من السياسة الواقعية أو ما يسمى بالسياسة العملية منهجا تحاشى معه الخوض الصريح في الأسس الفكرية للسياسة مبرزا ناحية الاستفادة من الصراع الدولي على المنطقة في انحيازه لدولة دون أخرى؛ مستفيدا أو متربصا تغير المناخ السياسي. و عودة إلى شخصيات المرافقين للمذكور في الصورة ، فقد تبين من النظر الأولي أيضا أن أكثرهم من البابيين كما أن بعضهم نسب إليه ازدراء الفتح الإسلامي و نحو ذلك من القومية المناهضة للإسلام، كما تبين أن أحد أولئك البابيين هو من قام باغتيال ناصر الدين شاه على خلفية الصراع السياسي في إيران الذي كان جمال الدين جزء فيه. و الجامع بينهم في هذه الصورة كونهم أبطال الحركة الدستورية في إيران، و هي فيما يظهر صنو حركة الدستوريين الأتراك الذين هدموا كيان الدولة الجامعة للمسلمين و هي الدولة العثمانية أخيرا… ثم لعل الوقت و الإمكان يساعد في بحث يضيف حقائق مجردة، خدمة للحق و التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى