سأل الإعلامي الأوروبي قبل حوالي عقدين من الزمن كما أذكر أو أكثر على احدى الشاشات الأوروبية المسؤول الصهيوني قائلاً:
لماذا تعرقلون حياة الفلسطينيين بالحواجز في الضفة الغربية فنحن لانرى عمليات ضدكم يقوم بها الفلسطينيون في المستوطنات؟
فكانت إجابته التي لا أنساها: “هم لايفعلون ذلك لأنهم لايستطيعون وليس لأنهم لايريدون”
بهذا المنطق تدير “اسرائيل” شؤونها منذ تأسيسها، بالعقل والتخطيط والقوّة القاهرة واستباق الأحداث وليس بناء على عواطف من حاكم عربي، أو حتى حاكم صهيوني، أو امريكي او ناشط من هذا البلد أو ذاك، أو قيادي مهما كانت أهميته أو وزنه ومهما كالوا له من المجاملات والاستقبالات والترحيبات فكلها عادة تكون من أجل الدعاية للكيان ولعلاقاته لا أكثر كما فعلوا ويفعلون مع حجاج الكيان من سقط القوم بعض أزلام “معارضتنا” البائسة وأنزّه نفسي عن ذكر أسمائهم التي إن ذكرناها أعطيناها وزنًا غير موجود.
فالصهاينة لايعتمدون إلاّ على قوّتهم في حماية أنفسهم وجميع زوّار تل ابيب من مهابيل العرب منذ تأسيس الكيان وفي طليعتهم أنور السادات كانوا مجرد أوراق رخيصة للدعاية لا أكثر ولايستطيعون الآن ولم يستطيعوا يومَا تغيير قيد أنملة من سياسة الكيان تجاه بلدانهم منذ تأسيس الكيان حتى اليوم ومع ذلك فإنها كانت مازالت هذه العلاقات الرخوية الشائكة والمريبة -إن لم نقل شيئاً آخر – مجهولة الأسباب وتحتاج للكثير من البحث والتحليل، مايعنينا اليوم لنتحدث عنه في هذا المقال هو سلوك هذا الكيان تجاه الثورة السورية منذ بدئها عام ألفين وإحدى عشر ،
فلقد كان حافظ أسد ونظامه وأجهزته القمعية الأمنية المتسلطة الضمانة الوحيدة للكيان الصهيوني في سورية وكان ولايزال سقوطه الحتمي يعدّ في “إسرائيل” كارثة ربما تشبه زلزالاً مدمرًا أو حربًا نووية، شيء من هذا القبيل وربما اكثر فلقد كان الجيش السوري بسلاحه الضخم حجمًا الذي كدّسه حافظ الأسد خلال سنين حكمه من قوت الشعب حامياً للكيان من الشعب السوري وحاجزًا مانعًا للصد في وجه أي محاولة للمقاومة من السوريين، وبالطبيعة الديمغرافية لسورية فإنّ هذا الجيش في حال تمام سقوط نظام نظام الاسد سيكون بسلاحه المكدّس وقوّته المتراكمة هاجسًا مخيفًا لإسرائيل وهي تعلم منذ ماقبل قيام الثورة أنّ أي خلل في الوضع السوري سيؤدي لثورة تسقط الحكم الطائفي الحليف لإسرائيل، وهذا بالضرورة سينجم عنه وقوع هذا السلاح الضخم وقيادة الجيش بيد الاكثرية السنية، أكثرية الشعب السوري شقيق الشعب الفسطيني ومن هنا كانت استراتيجية إسرائيل المتقنة التي تعتمد على الفعل ولا تنتظر زيارة من (مهبول) ولا وعد من متسلق خلال ثماني سنوات لتدمير هذا الجيش وسلاحه كضمانة وحيدة لعدم وقوعه بيد الشعب والثورة،
“فإسرائيل” لاتريد سلامًا مع السوريين يضمن ألاّ يشنّوا هجومًا عليها أو مقاومة ضدّها -كما يفترض زوّارها – بل تريد أن يكونوا لايستطيعون فعل ذلك كما تقضي استراتيجيتهم الدائمة، هم يريدونها بجيش مدمر مفكك وكانتونات طائفية وان كانت في الظاهر دولة متحدة لكن تحكمها موازين طائفية تجعل من المستحيل فعل أي شيء ضدّ كيانها وليس من ضمانة قاطعة تامة سوى تدمير سورية كلها وجعل جيشها وشعبها يحرقون بعضهم بعضًا، ومايتبقى بعد الحريق تتكفل طائراتها بتدميره كما تفعل منذ ثماني سنوات، ومع قبولي اليوم ورغبتي بضرورة تدمير وحلّ هذا الجيش الطائفي المجرم العَصيّ على الإصلاح لكنني أقول وبكل قناعة :إن السلطة في سورية آلت إلى الشعب عام ألفين وإحدى عشر لكن الضغط “الإسرائيلي” على المنظمات الدولية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكل مفاصل السياسة الدولية، وغض الطرف عن إيران، وتشجيع روسيا، وعمل كيانها الاستخباري داخل الثورة عن طريق أنظمة عربية وشراء الذمم بالتمويل، والتجسس على الثورة بالأقمار الصناعية وإرسال المعلومات المفيدة لنظام الأسد يوميًا، وعمليات الاغتيالات للقادة انطلاقا من خبرتها في فلسطين المحتلة، جعلت هذا النظام يبقى إلى اليوم ليتمم مشروعها في تدمير سورية الشعب وسورية البنية التحتية وسحق الجيش السوري بشكل نهائي وتفكيك المجتمع السوري حتى يصل إلى مرحلة استحالة رأب الصدوع والإصلاح وبذلك يضمن الصهاينة “امنهم” ولا ينال زوار تل أبيب سوى العار.