بحوث ودراسات

تساخفات محمد على عبد الجليل فى مقاله: “أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية- قراءة تفكيكية” 9 من 12

أ.د. إبراهيم عوض

كاتب ومفكر مصري.
عرض مقالات الكاتب

وفيما يلى بعض شواهد على استعمال مثل هذا التركيب فى الشعر الجاهلى، وإن لم يبلغ روعة الأسلوب القرآنى فى الآية الكريمة. قال امرؤ القيس:
وَيَوْما عَلى ظَهْرِ الكَثيبِ تَعَذَّرَت عَلَىَّ وَآلَت حَلْفَةً لَم تُحَلَّلِ
أَفاطِمَ، مَهْلا! بَعضَ هَذا التَدَلُّلِ وَإِن كُنْتِ قَد أَزْمَعْتِ صَرْمى فَأَجْمِلي
* * *
وَتُضْحِى فَتِيتُ المِسْكِ فوقَ فِراشِها نَؤُومُ الضحى لم تَنْتَطِق عَنْ تَفَضُّلِ
إِلى مثلِها يَرْنو الحَليمُ صَبابَةً إِذا ما اسْبَكَرَّت بين دِرْعٍ وَمِجْوَلِ
تَسَلَّتْ عماياتُ الرجالِ عَنِ الصِّبا وَلَيْسَ فُؤادِى عن هَواكِ بِمُنْسَلِ
أَلا رُبَّ خَصْمٍ فيكِ أَلْوَى رَدَدْتَهُ نَصِيحٍ عَلى تَعْذالِهِ غَيْرَ مُؤْتَلِ
* * *
أَلا زَعَمَتْ بَسْباسَةُ اليَومَ أَنَّنى * كَبِرْتُ وَأَلا يُحْسِنُ اللهوَ أَمثالي
كَذَبْتِ! لَقَد أُصْبِى عَلى المَرْءِ عِرْسَهُ وَأَمنَعُ عِرْسى أَن يُزَنَّ بِها الخالي
وقال زهير:
وَكُلُّ طُوالَةٍ وَأَقَبَّ نَهْدٍ مَراكِلُها مِنَ التَّعْداءِ جُونُ
تُضَمَّرُ بِالأَصائِلِ كُلَّ يَومٍ تُسَنُّ عَلى سَنابِكِها القُرونُ
وَمَرجِعُها إِذا نَحنُ انقَلَبنا نَسِيفُ البَقلِ وَاللَبَنُ الحَقينُ
فَقَرّى فى بِلادِكِ. إِنَّ قَوْما مَتى يَدَعُوا بِلادهُمُو يَهًونوا
أَوِ اِنتَجَعى سِنَانا حَيثُ أَمْسَى فَإِنَّ الغَيْثَ مُنْتَجَعٌ معينُ
* * *
وَقالَت أُمُّ كَعبٍ: لا تَزُرْنى فَلا وَاللهِ مالَكَ مِن مَزارِ
رَأَيتُكَ عِبتَْنى وَصَدَدْتَ عَنّى وَكَيْفَ عَلَيْكَ صَبْرى واصْطِبارى؟
فَلَم أُفْسِد بَنِيكَ وَلَم أُقَرِّب إِلَيكَ مِنَ المُلِمّاتِ الكِبارِ
أَقيمى أُمَّ كَعبٍ وَاطمَئِنّى فَإِنَّكِ، ما أَقَمْتِ،ِ بِخَيرِ دارِ
وقال الأعشى:
رَأَت عُجُزا فى الحَى أَسنانَ أُمَّها لِدَاتى، وَشُبّانُ الرِجالِ لِدَاتُها
فَشايَعَها ما أَبْصَرَت تَحتَ دِرْعِها عَلى صَوْمِنا وَاستَعجَلَتها أَناتُها
وَمِثلِْكِ خَوْدٍ بادِنٍ قَد طَلَبتُها وَساعَيْتُ مَعْصِيّا لَدَيْنا وُشَاتُها
* * *
أَتَيْتُ حُرَيثا زائِرا عَن جَنابَةٍ وَكانَ حُرَيثٌ عَنْ عَطائِى جامِدا
لَعَمْرُكَ ما أَشبَهْتَ وَعْلَةَ فى النَّدَى شَمائِلَهُ وَلا أَباهُ المُجالِدا
* * *
أَلا أَيُّهَذا السائِلى: أَينَ يَمَّمَتْ؟ فَإِنَّ لَها فى أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدا
فَآلَيتُ لا أَرْثِى لَها مِن كَلالَةٍ وَلا مِن حَفًى حَتّى تَزُورَ مُحَمَّدا
مَتى ما تُنَاخِى عِنْدَ بابِ ابْنِ هاشِمٍ تُرِيحى وَتَلْقَىْ مِنْ فَواضِلِهِ يَدا
* * *
وَأَرَى الغَوانِى حينَ شِبْتُ هَجَرْنَنى ألا أَكونَ لَهُنَّ مِثْلِى أَمرَدا
إِنَّ الغَوانِى لا يُواصِلْنَ امْرَأً فَقَدَ الشَبابَ وَقَدْ يَصِلْنَ الأَمْرَدا
هَل تَذكُرينَ العَهْدَ يا اِبنَةَ مالِكٍ أَيّامَ نَرْتَبِعُ السِّتارَ فَثَهْمَدا
أَيّامَ أَمْنَحُكِ المَوَدَّةَ كُلَّها مِنّى وَأَرْعَى بِالمَغيبِ المَأحَدا؟
* * *
قالَت قُتَيلَةُ: ما لِجِسمِكَ سايِئا وَأَرى ثِيابَكَ بالِياتٍ هُمَّدا؟
أَم غابَ رَبُّكَ فَاعتَرَتكَ خَصاصَةٌ؟ فَلَعَلَّ رَبَّكَ أَن يَعودَ مُؤَيَّدا
رَبّى كَريمٌ لا يُكَدِّرُ نِعمَةً وَإِذا يُناشَدُ بِالمَهَارِقِ أَنشَدا
وقال النابغة الذبيانى:
أُنبِئتُ أَنَّ أَبا قابوسَ أَوْعَدَنى وَلا قَرارَ عَلى زَأْرٍ مِنَ الأَسَدِ
مَهلا! فِداءٌ لَكَ الأَقوامُ كُلُّهُمُو وَما أُثَمِّرُ مِن مالٍ وَمِن وَلَدِ
* * *
قالَت: أَراكَ أَخا رَحْلٍ وَراحِلَةٍ تَغْشَى مَتالِفَ لَن يُنْظِرْنَكَ الهَرَما
حَيّاكِ رَبّى! فَإِنّا لا يَحِلُّ لَنا لَهْوُ النِساءِ، وَإِنَّ الدينَ قَد عَزَما
وقال عبد يغوث:
وَتَضْحَكُ مِنّى شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ: كَأَنْ لَمْ تَرَىْ قبلى أَسِيرا يَمَانِيَا
وهذه بعض آيات أخرى تجرى على هذا التركيب أو على تركيب قريب أُورِدها كى أبين للقارئ أن ما يومئ إليه كلام هذا الجاهل من أن ذلك التركيب غريب فى القرآن هو سخف فى سخف: “وإذ أخذْنا ميثاقكم ورفعْنا فوقكم الطُّور: خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا”، “ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءتهم البينات، وأولئك لهم عذاب عظيم * يوم تبيضُّ وجوه، وتسودُّ وجوه. فأما الذين اسودَّتْ وجوهُهم: أكفرتم بعد إيمانكم؟ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون”، “ويومَ يحشرهم جميعا: يا معشر الجن، قد استكثرتم من الإنس”، “ولو ترى إذ يَتَوَفَّى الذين كفروا الملائكةُ يضربون وجوهَهم وأدبارَهم، و: ذوقوا عذابَ الحريق”، “وإذا ما أُنْزِلَتْ سورةٌ نظر بعضهم إلى بعضٍ: “هل يراكم مِنْ أَحَدٍ؟”، ثم انصرفوا”، “جناتُ عَدْنٍ يدخلونها ومَنْ صَلَحَ من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، والملائكةُ يدخلون عليهم من كل باب: * سلامٌ عليكم بما صبرتم”، “ولقد آتينا داودَ منا فضلا: يا جبالُ، أَوِِّبى معه والطير”، “وإنّ للمتقين لَحُسْنَ مآب * جناتِ عَدْنٍ مفتَّحَةً لهم الأبواب * متكئين فيها على الأرائك يَدْعُون فيها بفاكهة كثيرة وشراب * وعندهم قاصراتُ الطَّرْفِ أتراب: * هذا ما تُوعَدون ليوم الحساب”، “والذين اتخذوا من دونه أولياء: “ما نعبدهم إلا ليُقَرِّبونا إلى الله زُلْفَى”. إن الله يحكم بينهم يوم القيامة فيما هم فيه يختلفون”، “هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق. إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون * فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيُدْخِلهم ربهم فى رحمته. ذلك هو الفوز المبين * وأما الذين كفروا: أَفَلَمْ تكن آياتى تُتْلَى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين؟”، “ويومَ يُعْرَض الذين كفروا على النار: أَذْهَبْتم طيباتِكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها، فاليوم تُجْزَوْن عذابَ الهُون”، وأُزْلِفَت الجنةُ للمتقين غير بعيد: * هذا ما تُوعَدون لكلِّ أوّابٍ حفيظٍ”…- إبراهيم عوض).
(لقد قمتُ بتجربة بسيطة توضح آليةَ جمعِ القرآن وكيفية حصول الأخطاء فيه. خِلالَ الفصل الدراسى السابق، كنتُ أعطى فى كل حِصَّة دراسية نصًّا صحفيا عربيا أو أكثرَ لطلاب اللغة العربية فى الجامعة وأشرحه لهم شرحًا وافيًا ثم أُقَدِّم لهم فى نهاية الشرح ترجمةً كاملة للنص. وكنتُ أحيانًا أعطى عِدَّةَ ترجمات لبعض الجمل تاركًا للطلاب الوقتَ الكافى ليسجِّلوا ترجماتى المقترَحة. وفى آخر الفصل الدراسى، طلبتُ من بعض الطلاب المتفوقين أنْ يرسلوا لى ترجمةً موحَّدة، مما نقلوه عنى، للنصوص التى درسناها. وفوجئتُ بوجود أخطاء وترجمات مخالفة تمامًا للمعنى ولِما قلتُه لهم خلال الدروس. وجدتُ أخطاءً إملائيةً نتيجةَ السهوِ ونواقصَ وزياداتٍ فى النصوص المترجَمة المكتوبة والمنقولة عن ترجمتى الشفهية. مِن أسبابِ هذه الأخطاء عدمُ خبرتهم بالنص العربى الأصل وتفاوُتُ قدراتِهم الاستيعابية وقدرات النقل والإملاء وربما الاختلافاتُ الثقافية والاجتماعية والنفسية بينهم وبينى. وقد أقرَّ القرآنُ بذلك فى الآية: “وفى الأرضِ قِطَعٌ مُتجاوِراتٌ وجَنَّاتٌ من أعنابٍ وزَرْعٌ ونخيلٌ صِنْوانٌ وغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقَى بِماء واحِدٍ ونُفَضِّـلُ بَعْضَها على بَعضٍ فى الأُكُلِ” (الرعد، 4). هذه الآيةُ تنسِفُ الأساسَ الذى تقوم عليه عقيدةُ “حِفْظِ القرآنِ فى الصدور دُونَ أى تغيير”. فإذا كانت النباتاتُ شديدةَ التنوعِ والاختلافِ مع أنها تشربُ من ماء واحد فمن الطبيعى أنْ تختلفَ التلَقِّياتُ بحسب الاستعدادات وأنْ تختلفَ بالتالى القراءاتُ والتأويلاتُ للمؤمنين متعدِّدى المَشاربِ الذين تلََقَّوْا نصًّا واحدًا مفترَضًا من مَصْدَرٍ واحد مفترَض. فعلى قَـدْر استعداد المريد أو التلميذ يكون المعلِّمُ. وعلى قدْر تحمُّـلِ الإنسان وطاقتِه “تتنزَّلُ” الإشاراتُ (“على قَدْرِ أهلِ العزمِ تأتى العزائمُ” [المتنبي]). وكذلك تكون قُدرةُ التيَّار الكهربائى على قَدْرِ تحمُّلِ الجهاز الذى يسرى فيه هذا التيارُ، وإلا أحرقَه. وعلى قدْرِ الوعى تكونُ الرؤيةُ. ولذلك قال القرآنُ: “لَمَّا جاءَ مُوسى لِميقاتِنا وكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إليكَ قالَ لن تَرانى ولكنِ انظُرْ إلى الجَبَلِ فإنِ استَقَرَّ مَكانَهُ فسوْفَ تَرانِى فلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلجَبلِ جَعلَهُ دَكًّا وخَرَّ موسى صَعِقًا”(سورة الأعراف، 143)- محمد عبد الجليل).
(لا أدرى هل الحكاية التى يحكيها هنا محمد على عبد الجليل حكاية صحيحة أو لا. فهو وأمثاله يتنفسون الكذب تنفسا. ومع هذا فلسوف أفترض أنها قد وقعت فعلا كما قال، فماذا فيها؟ ألا يرى أن القياس فى حكايته لا معنى له؟ هل يصح أن يقيس على الطلاب العرب والمسلمين اليوم طلابَ العرب والمسلمين قديما، ونحن نعرف مستوى الطلاب العلمى ونفورهم من التحصيل الثقافى بوجه عام ونشكو منه ومنهم لطوب الأرض دون جدوى؟ فكيف بأن يقيس الصحابة عليهم؟ وها نحن المسلمين اليوم نقترب من مليارى نسمة، وعدد البلاد والشعوب التى تنتمى إلى دين محمد عدد هائل، وهم متوزعون على كل بلاد العالم، ومع ذلك فإن إنجازاتنا، علمية كانت أو غير علمية، فى الحضيض. فهل ننكر إنجازات الصحابة لأننا الآن فاشلون بحجة أننا المعيار الذى ينبغى معايرتهم به؟ لقد فتح المسلمون، على ندرة أعدادهم وانعدام إمكاناتهم المادية، بلاد العالم شرقا وغربا، لكننا الآن منذ قرون نتعرض للغزو والاحتلال وسرقة خيرات بلادنا ولكل صنوف المذلة والمهانة، ونتلقى الضربات، وتُمَزَّق بلادنا شذر مذر، وننفذ ما يريده منا أعداؤنا دون أن نفتح أفواهنا بكلمة اعتراض واحدة، وندفع لهم ما يريدون فى مهانة وخنوع، فهل يصح أن نتخذ من ذلك ذريعة لنفى نجاحات المسلمين الباهرة بل المعجزة فى عصور الإسلام الأولى؟
نعم هل يصح أن نقيس شباب الإسلام ورجاله فى أوائل الدعوة على طلابنا فى الجامعة اليوم الذين ظللت مثلا فى أحد الأعوام الدراسية أوائل ثمانينات القرن الماضى أشرح أمامهم وأحلل معهم قصيدة كعب بن زهير التى يقول فى أولها:
بانتْ سعادُ، فقلبى اليومَ مَتْبُولُ * مُتيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مكبولُ
شهرا كاملا قرأتها أثناءه، وبالذات هذا البيت باعتباره أول القصيدة، عشرات المرات ليأتى طالب فيقول حين طلبت منه آخر المطاف أن يقرأها أمام زملائه: “بانتْ سعادُ، فقلبى اليوم مُتَبَوِّلْ”؟ هذا، ولا أريد المضى فى هذا الموال، وإلا فلن ننتهى. وهذا إن كان الطلاب الذين يشير إليهم صاحبنا عربا ومسلمين، أما إن كانوا طلابا أجانب فالمقارنة تساخف غير مقبول ولا محتمل- إبراهيم عوض).
(تُـبيِّنُ إحدى الحِكايات الصوفية أهميةَ السامع (أو القارئ) فى عملية التواصل وليس المتكلِّم (أو الكاتب)، فتروى أنَّ ثلاثةً سَمِعوا مناديًا عَشَّابًا يبيع السَّعْترَ البَرِّى فيقول: “يا سَعْتر بَرِّى”، ففهِمَ كلُّ واحد منهم مخاطبةً مختلفةً عن الآخَـر. فسَمِعَ أحدهم: “اِسْعَ تَــرَ بِــرِّى”، وسَمِعَ الآخر: “الساعةَ ترى بِرِّى”، وسمع الثالثُ: “ما أوسعَ بِرِّى”. فالمسموع واحد، واختلفَت الأسماع. (المِنَح القُـدُّوسِيَّة بِشَرح المُرشد المعين على طريقة الصوفية، “بيان فهم القوم من اللفظ الواحد معان مختلفة”، الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوى المستغانمى). فحتَّى لو لقَّنَ محمَّدٌ قرآنَه شفاهًا إلى جميعِ معاصريه من العرب ثم كتبوا بعدَ وفاته ما حفِظوه عنه لكان ما سيكتبوه مختلِفًا عما لقنَّهم إياه- محمد عبد الجليل).
(الرد هنا بسيط: فلا النبى عشَّاب ولا القرآن سعتر برى. أم ترى هذا المتخلف يتصور النبى وقد أخذ يذرع شوارع مكة وينادى على بضاعته الدينية: “عندنا إسلام من كل الأنواع يناسب جميع الأذواق والمقاسات. إسلام برى، وإسلام بيتى، وإسلام محلى، وإسلام مستورد. فمن يقول: هات؟”، كل ذلك وهو يلوى الحروف والكلمات فلا يلتقط نطقها الصحيح أحد إلا على وجه التقريب والتعميم. ألا لعنة الله على الملاحدة المتنطعين ملتقطى القمامة القكرية من تحت الأقدام ومن أسفل الموائد القانعين ببقايا الطعام الملوثة، شأن الكلاب التى يصدق عليها قول السامرية فى العهد الجديد حين زجرها المسيح قائلا: “لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب”، فقالت فى مسكنة واتضاع وخوف: “نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!”.
وقد سبق أن قلت إن عشرات الملايين من الأطفال المسلمين يحفظون القرآن عن ظهر قلب، ودون أن يخرم الواحد منهم حرفا من كتاب الله العظيم. وقد كان العرب أوانذاك ذوى ذوق أدبى راق، وكانوا كلهم يكادون أن يكونوا شعراء، فلا يصح المقارنة بينهم وبيننا اليوم بأى حال، وإلا كانت مقارنة ظالمة وغبية. كما لا ينبغى قياس الصحابة وأهل الأجيال الأولى من الإسلام على المتصوفة الكسالى الذين يريدون أن يأكلوا ويشربوا دون عمل يؤدونه، والذين يزعمون المزاعم فيما يخص علاقتهم بربهم ودينهم مما فصلنا القول فيه فى كتابىَّ: “فى التصوف والأدب الصوفى” و”عبد الحليم محمود – صوفى من زماننا”، ولعل الله يسهل لى وضع كتاب ثالث فى التصوف يكون هذه المرة عن الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوى المستغانى، الذى ذكره الكاتب بوصفه مصدر حكاية العَشَّاب والسعتر البرى، والذى نشرتُ عنه بُوسْتًا منذ عدة ليال على صفحتى الفيسبوكية ولاحظت على طريقة تفسيره للقرآن عددا من الملاحظات العجيبة التى تدل على أن الرجل لم يكن أهلا لتلك المهمة الجليلة النبيلة مثلما صاحبنا هذا غير أهل لتناول الموضوع الذى نحن بصدده. وواضح أن كاتبنا لا يوفقه الله للاستشهاد بمؤلفين موثوقين. فالطيور على أشكالها تقع.
ثم من أين له أن المسلمين كانوا يتلقَّوْن القرآنَ تلقىَ المارة لنداء العَشَّاب على سعتره البرى؟ أهى أفكار وخواطر تندلع اندلاعا شيطانيا فى دماغك، والسلام؟ وأغلب الظن مع هذا أن حكاية السعتر البرى حكاية مختلَقة من الصوفية للإضحاك والفرفشة ليس غير، وإلا فهل يحب الكاتب أن نطبق عليه نظريته هذه فنقول إنه قرأ الحكاية ففهمها على غير وجهها، ثم لما كتبها كتبها على غير ما فهمها، ولما راجعها صيرها شيئا آخر غير الذى كتبها به، ولما طبعها الطباع طبع شيئا مختلفا عما أمامه، ولما جئنا نحن لنقرأ فهمنا شيئا غير هذا كله؟ وحتى لو كانت حكاية العشاب والسعتر البرى حقيقية فنحن نعرف أن نداءات الباعة فى الشوارع تكون غير واضحة أو مفهومة، فهم يتعمدون تشويه كلامهم للفت الأنظار إليهم وضيقهم بكثرة النداء على بضاعتهم أمام من يساوى ومن لا يساوى. ثم إنهم ينادون على بضاعتهم بعيدا عن آذاننا، ولسنا نجلس إليهم ونستمع بكل انتباه وتركيز إلى ما يقولون كما نصنع مع مشايخنا الذين يعلموننا كتاب الله ويحفّظوننا إياه، واضعين فى حسباننا منذ البداية أن نسمع كل كلمةٍ سماعا صحيحا وأن نسجل ما نسمعه ثم ننطقه أمام الشيخ حتى إذا وجد خطأ فى أتفه شىء صححه لنا فى الحال، ثم نذهب فنحفظه ونأتى لنُسَمّع الشيخ ما حفظناه. على أن المسألة لا تنتهى عند هذا الحد بل علينا كل عدة أيام أن نسمع حصة كبيرة مما حفظناه من قبل حتى لا يتفلت القرآن من صدرونا ويظل لاصقا بها لصوقا صحيحا. فأين حفظ القرآن من نداء العشابين على السعتر البرى يا متخلف؟
بل إن إعلانات التلفاز نفسها عادة ما تكون كلمات أزجالها مدغمة ومتداخلة وسريعة راقصة، ومشوشة أيضا بتغطية أصوات الآلات الموسيقية عليها بحيث يفوتنى معظم كلماتها فلا أحققه ولا أفهمه رغم أن الإعلان الواحد كثيرا ما يذاع عدة مرات متتالية فى الجلسة الواحدة أمام المرناء حتى تكاد روح الواحد منا تزهق وهو جالس ينتظر بدء المباراة التى سيشاهدها، فأنا لم أعد أتفرج فى التلفاز على أى شىء غير المبارايات التى تهمنى.
ثم إن الكاتب اللوذعى يصور تعامل المسلمين مع القرآن فى عصر الرسول عليه السلام على أساس أن الرسول كان يقرأ عليهم النص المُوحَى مرة واحدة قراءة سريعة ملهوجة ثم يتركهم لحال سبيلهم، وأنهم ما إن سمعوا ما قاله لهم حتى انصرفوا للتو واللحظة لشؤون حياتهم، التى لا تترك لهم وقتا للقرآن أو لغيره. وهو تصور مضحك. فقد كان المسلمون يتلون القرآن دائما تعبدا وتقربا إلى الله، وكانوا يقرأونه فى صلواتهم الخمس ونوافلها وغير نوافلها، إذ لا تصح الصلاة إلا به، وكانوا يتدارسونه مع النبى صلى الله عليه وسلم، ويتدارسونه بعضهم مع بعض، وكان النبى يرتله عليهم ترتيلا، وليس على طريقة العشاب بائع السعتر البرى.
ولم يكن القرآن مجرد نص يسمعونه دون اهتمام، بل كان نصا مقدسا يؤمنون أنه هو ضمانة دخولهم الجنة، وكانوا يشعرون طوال الوقت أن الله منزلَ القرآن يتابعهم دائما ويأجرهم على كل حرف ينطقونه من كتابه الأجر العظيم. لهذا قلنا ونقول إن المقارنة بين السعتر البرى والقرآن سخف ما بعده سخف. بالله ما دخل السعتر البرى فى القرآن؟ لم يبق إلا أن تشبهه بالفول المدمس والطعمية والمخلل والجرجير والطماطم والحرنكش! أما إن البعيد لسخيف العقل عديم الذوق!- إبراهيم عوض).
(إذا كان هناك أخطاءٌ لا بأسَ بها وتغييراتٌ دلالية فى عمل مجموعة محدودة لا تتجاوز العشرين طالبًا تلَـــقَّوا عنى من فمى إلى آذانهم مِن دُونِ وسيط ومِن دُونِ تدَخُّلِ عواملَ سياسيةٍ قد تَحْرِفُ المعنى، فمِن الطبيعى أنْ يكونَ هناك أخطاءٌ أو انحرافٌ (إنْ لم نقُــلْ: تحريفٌ) للمعنى فى حالة تدوين القرآن مع وجود مجتمع كبير جدا مقارنةً بمجموعة الطلاب ومع وجود وسطاء نقلوا عن محمد ومع وجود عواملَ سياسية وسوسيولوجية وصراعات إيديولوجية واقتصادية.
فالأصواتُ إذا خرجَتْ من فم المتكلِّم حاملةً مقاصدَه تنْحَرِفُ دلالاتُها قليلا عندما تدخل فى وسط المتلقِّى. ويزداد الانحرافُ الدلالى بمقدار ما يزداد البعدُ الثقافى والاجتماعى والاقتصادى والنفسى والزمنى بين المتكلِّم والمتلقِّى. وهذه حقيقة لغوية حتى إنَّ “النظرية الذاتوية” (الأنانة solipsisme [نظرية تقول بعدم وجود شىء قابل لأنْ يُعْرَف غير الذات أو الأنا وبأنَّ كلَّ الكائنات والأحداث ليست سوى نتاج وعى الشخصية]) فى الألسنية قد ذهبَتْ أبعدَ من ذلك بكثير فقالت، ليس فقط بانحراف المعنى عند انتقالِه من وسط واعٍ (متكلِّم) إلى وسط واعٍ آخر (سامِع)، بل باستحالة نقلِ المعانى والمشاعر التى يحسُّ بها المتكلِّم إلى المتلقِّى (جورج مونان Georges Mounin، Les problèmes théoriques de la traduction [المشاكل النظرية للترجمة]، غاليمار Gallimard، 1963، ص 170). وبالتالى فإنَّ قولَ القرآنِ “إنَّا نحنُ نَـزَّلْنا الذِّكْرَ وإنَّا له لَحافظون” (الحِجْر، 9) (بحسب المعنى الذى تُقدِّمُه التفاسيرُ) هو قولٌ دعائى يتعارض كليًا مع المسَـلَّمة الأَلسُنية القائلة بعدم ثبات المعنى. كما أنَّ عقيدة حِفظِ القرآن كما وردَ من مَصْدرِه تخالفُ أبسطَ مبادئ عِلم النفس (فى اختلاف التلقّى باختلاف استعدادات المتلقّى) وأبسطَ مبادئ اللغة (فى تعدد المعانى وفى أهمية القارئ لا النص) وأبسطَ مبادئ التاريخ (فى أنَّ ما يُكتَب هو ما يريده المنتصرون لا ما يطابق الحقيقةَ) وأبسطَ مبادئ الفيزياء (فى التغير الدائم وفى الارتياب). ولكنَّ المؤمنين الذين يرونَ الأشياءَ من موشور عقيدتهم يجهلون أو يتجاهلون المؤثراتِ والعواملَ النفسيةَ والفرديةَ والثقافيةَ والدينيةَ والسياسيةَ والاجتماعيةَ والاقتصاديةَ والجغرافيةَ والتاريخيةَ التى تتدخَّلُ فى صناعة النص المقدَّس ويتجاهلون الطبيعةَ الكونيةَ فى التغير الدائم، فحتى لو سقطَ حجرٌ نيزكى صلبٌ من الفضاء فلا يكون نفسَه بين لحظةٍ وأخرى فكيف بالأفكار والكلمات ذات الطبيعة الزئبقية؟- محمد عبد الجليل).
(المؤلف ينزلق هنا بصنعة لطافة من موضوع تغيير الألفاظ إلى موضوع تغيير المعانى. فأما تغيير المعانى فلا نشغل أنفسنا به ولا نجادل فيه، فالناس فعلا متفاوتة الذكاء والعقل والتربية والبيئة والميول والاهتمامات والانتماءات، ومن ثم فأفهامها للنص الواحد يمكن جدا أن تتفاوت وتختلف. لكن هذا ليس موضوعنا الآن. أما سماع الناس لنص من النصوص وحفظهم له دون أن يخطئوا فيه فأمر ميسور جدا، وإلا لقد كان ينبغى، يا فلحاس الفلاحيس، أن يكون عندنا قَرَائِين (ج. قرآن) بعدد المسلمين بحيث يصير لكل منهم قرآنه، بالضبط كما صار السعتر البرى “اِسْعَ تَــرَ بِــرِّى”، “الساعةَ ترى بِرِّى”، “ما أوسعَ بِرِّى”. والحمد لله أن سامعى عَشَّاب السعتر البرى كانوا ثلاثة فقط، وإلا ما انتهينا من موضوعه ولا يوم القيامة. والعجيب أن الكاتب يعرف أن المصحف شىء واحد عند جميع المسلمين، والقرآن هو هو عند الصغار والكبار وفى الصلاة وخارج الصلاة وعلى ألسنة القراء والمستمعين وحتى فى إذاعة لندن وتل أبيب ودمشق عاصمة الحكم العلوى الكاره للإسلام، ومع هذا يمضى فى التشكيك وبث الريبة. فهل رأى القراء تنطعا كهذا؟
ولدينا أحفادنا الأربعة، وأنا أحب مداعبتهم والاستماع إلى كلامهم، وبخاصة الصغيران اللذان لا يزالان فى الحضانة، وكثيرا ما أطلب منهم أن يسمِّعونى ما حفظوه من السور القصيرة، فيستجيبون، وأنا أسمع وأبتهج، وأكافئهم فى كل مرة بمبلغ من المال أعطيهم إياه وأنا أطير من السعادة. والشاهد هنا أننى كنت أظنهم سوف تلتوى ألسنتهم بالآيات الكريمة باعتبار أنهم صغار لا يحققون ولا يحسنون الاستماع، لكنى فوجئت بأنهم يحفظون النصوص المجيدة حفظا سليما، فتساءلت، فقالت لى أُمَّاهم، وهما ابنتى وزوجة ابنى: إن المدرسة تستجلب لهم محفِّظين متخصصين يهتمون بتحفيظهم السور تحفيظا سليما لا يخر منه الماء. أم تراك، أيها الذكى الألمعى، ستجادلنى وتتهم الأطفال الظراف بأنهم أساؤوا سمعا فأساؤوا تلاوة؟ وشىء آخر تعمد هذا المدلس تعمدا ألا يلمسه، وهو أن القرآن كان يسجَّل دائما كتابةً أول نزوله. وتوتة توتة خلصت الحدوتة- إبراهيم عوض).
(ولكنَّ قداسةَ النص الدينى هى صنم فكرى يعيق المؤمنَ عن رؤية حقيقة الأمر. يبدو أنَّ مشكلة المؤمنين الأساسية تكمن فى فهمهم المنحرف للمفاهيم الأساسية للدين كمفهوم القداسة والمعجزة. إنَّ الفهم الخاطئ للقداسة يجعل الخطأَ معجزةً. فالقداسةُ ليست فى الكلمات بل فى الانتباه والحضور (فى اللحظة الحاضرة، هنا- الآن) بحسب قول البوذا فى القصة التى يرويها أنتونى دو مِــلُّو Anthony De Mello (1931 – 1987) فى كتابه “أغنية الطائر: (Comme un chant d’oiseau) (ص 26 فى النسخة الفرنسية، بترجمة اليسوعى إرنست ريشيه [ريشير] Ernest Richer عن الإنكليزية، 1994. النسخة العربية بترجمة الصديق أديب خورى). فقد سُئِل البوذا ذات مرة: “ما الذى يجعل المرءَ قِدِّيسًا؟” فأجاب: “تنقسم كلُّ ساعةٍ إلى عدد معيَّن من اللحظات، وكلُّ لحظة إلى عدد من الأجزاء. فمن يستطيع أنْ يكون حاضرًا بالكُـلِّية فى كل جزء من اللحظة فهو قِدِّيس.” الحقيقة الوحيدة هى هنا- الآن. وأكثرُ ما يُـبعِـد عن هذه الحقيقةَ هو الكلام، ومنه القرآن. أما المعجزة فهى، كما تؤكد سيمون فايل Simone Weil(1909 – 1943)، ليست حدثًا مخالفًا للطبيعة، فنحن لا نعرِف أصلا قوانينَ الطبيعة، بل المعجزة هى أنْ يقومَ الإنسان، مثلا، بثلاث خطوات بدون أى دافع آخر غير الرغبة فى “طاعة الله” على حد تعبيرها (أى فى الحضور والانتباه والمَحَبَّة المجرَّدة من الرغبة). فإنَّ هذه الخطواتِ الثلاثَ معجزةٌ سواء تمَّتْ على الأرض أم على الماء، لكنها عندما تتم على الأرض لا يبدو أى شىء مدهشًا. فالمعجزة الوحيدة، بحسب سيمون فايل، هى القداسةُ، والقداسةُ هى الحضور- إبراهيم عوض).
(وأنا معه فى أن النص القرآنى ليس مقدسا عند جميع البشر، ولهذا نجد من لا يبالى به بالة، ومن يبصق عليه، ومن يحرقه غيظا وحقدا وتعصبا، ومن قد يتبول عليه ويدنسه كما كان جنود الأمريكان الكلاب يفعلون فى العراق أيام غزوه بغية إهانته ونزع الجلال عنه من أعين المسلمين حتى يتعودوا على هذا وتنصرف قلوبهم مع الأيام عنه تدريجيا. ومعه أيضا فى أن القداسة إنما تكون فى الانتباه والحضور. لكن كيف تتوافر القداسة فى الانتباه والحضور؟ تتوافر من خلال الإيمان بالقرآن على أنه وحى سماوى من عند الله وأن مهمة المسلم هى الحفاظ عليه، كتابةً وإيداعًا فى الصدور، من الضياع، وتطبيق أحكامه ووضع أوامره ونواهيه نصب الأعين وتنفيذها على أرض الواقع. ومن هنا كان سهلا جدا على المسلمين أن يحفظوا القرآن حفظا لم يحظ به كتاب آخر على مر التاريخ حتى ليحفظه جماهير كثيرة من الأطفال والصبيان المسلمين من غير العرب حفظا مدهشا. بل إن بعضهم ليرتله ترتيل تطريب ينافس به القراء الكبار فى العالم الإسلامى. كل ذلك وَهُمْ لا يفهمونه. لكن على كلام الكاتب الذكى كان ينبغى ألا يكون هذا قط وبتاتا وعلى الإطلاق وأبد الآبدين ودهر الداهرين وما أضاء القمران وتعاقب المَلَوان. هذا رجل يحفظ ما يُلْقَى إليه من كلام فيؤديه كما هو دون فهم ودون تفكير حتى يضمن استمرار النغنغة التى هو فيها والتى هو على استعداد لبيع أمه وأبيه لقاء دوامها، فلهذا تراه يجادل فى البديهيات شأن من يحاول إقناعك أننا بالليل فى الوقت الذى يضع كفيه على عينيه كى تقياه وهج الشمس ورغم ما يتصبب منه من عرق غزير جراء حرارة الشمس التى ينكرها، ورغم الكتاب الذى يقرؤه فى نورها الساطع المبين. هذا، باختصار، رجل متنطع. ومن السهل على القارئ العزيز ملاحظة أن هذا الرجل لا يحتفى إلا بكلام غير المسلمين: فمرة سامى الديب، ومرة البوذا، ومرة الفيلسوفة الفرنسية سايمون فايل، ومرة لا أدرى شنو أيضا، أما المسلمون فكلا ثم كلا- إبراهيم عوض).
(عندما نكشِفُ عن أخطاء لغوية وإنشائية فى القرآن بناءً على ما وصلَ إلينا من استخدامات لغوية سائدة فى عصر تدوين القرآن أو بناءً على لغة القرآن نفسِها فإننا لا نسىء لقداسة النص ولا لإعجازه، إذْ لا قداسةَ له ولا إعجازَ البتَّةَ، إنما نسعى لتحطيم الأصنام الفكرية الوهمية التى يتعب المسلمون فى حملِها أينما حلُّوا وارتحلوا. إنَّ وجودَ أخطاء فى النص لا يسىء إليه بل يكشف عن بعض أسراره.
عندما رجَّحْتُ أنَّ فى الآية “أو يأتيَهم عذابُ يوم عقيم” (الحج، 55) خطأ (هو استخدام الصفة “عقيم” بدلا من “عظيم”) فإنَّ المعيارَ الأول الذى استندتُ إليه هو لغةُ القرآنِ نفسُها، وذلك لأنَّ القرآن يستخدم دائمًا صفةَ “عظيم” لوصف “يوم”- محمد عبد الجليل).
(مر بنا كيف كشفتُ كذب الرجل وتدجيله وجهله وبينتُ أن “اليوم” فى القرآن لا يوصف دائما بأنه “يوم عظيم” بل هو أيضا “يوم كبيرٍ” و”يوم أليم”، و”يومٍ مُحِيطٍ”، و”يومٌ عصيبٌ”، “يومٌ مجموعٌ له الناس”، و”يومٌ مشهودٌ”، و”يوم معلوم”، و”يوم عاصف”، و”يومٌ عَسِرٌ”، و”يومٌ عسيرٌ”، و”يومٍ ذى مَسْغَبَة”، و”يوم لا بيعٌ فيه ولا خِلالٌ”، و”يومٌ لا مردَّ له من الله”، و”يوم كان مقداره ألف سنة”، و”يوم كان مقداره خمسين الف سنة”، فلا لزوم لإعادة القول فيه هنا. وهذه بالناسبة أول مرة أسمع أن اكتشاف أخطاء فى نص مقدس لا يسىء إليه. أليس هذا الاكتشاف من شأنه أن يفقد المؤمنين به الثقة فيه ويصرفهم عنه ولا تعود لأحكامه وقيمه ومبادئه أية قيمة ولا يستمر فى أداء دور المحفز الحضارى ولا وظيفة الشاحن الروحى فى الصراع مع القوى المعادية، فينتهى بهم الأمر إلى أن يصيروا تابعين خانعين للمؤسسات الأوربية والأمريكية المبغضة للإسلام والعاملة على تحطيمه ونفيه خارج الوجود، ونخسر المعركة من قبل أن نخوضها كما حدث مع محمد على عبد الجليل فى الوقت الذى يستمر فيه أبو ساحلية وأمثاله فى الهجوم على القرآن والإشادة بكتابهم الدينى رغم ما فيه من مصائب وكوارث لا يفكر المهزوم السورى فى تفكيكها والكشف عنها بل يمالئ أبا ساحلية فى الحملة فقط على القرآن الكريم والإشادة به فى كل محفل- إبراهيم عوض).
(هذا الخطأ السهو من الناسخ يمكن أنْ يكونَ كاشفًا إذا ما قرأناه قراءةً تفكيكيةً، بحسب تفكيكية دريدا، أى إذا قرأناه كما نقرأ الأحلامَ- محمد عبد الجليل). (طبعا، فقد كان الرسول يتلقى الوحى وهو نائم، ومن هنا كان القرآن الكريم هلاوس وأضغاث أحلام لا يزيد عن ذلك. خيبك الله!- إبراهيم عوض).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى