ثقافة وأدب

نحن والقراءة

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

بعد سؤال حضراتكم عن عدد الكتب التي قرأتموها في هذه العطلة الصيفية، وعن عناوينها ، وإنما كان المقصود من سؤالي ليس التحدّي ولا الإحراج ولا غير ذلك تماما، بل فقط أردت التذكير بهذا الواجب الشرعي ، نعم إنه أول واجب شرعي فرضه الله علينا ، قبل الإيمان وسائر التكاليف ، فأول كلمة نزلت في كتاب الله عز وجل ( اقرأ ) قال تعالى ( أقرأ باسم ربك الذي خلق ** خلق الإنسان من علق ) ثم أعاد الأمر فقال ( اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ).
وهذه الآيات سطرت معالم هذا الدين العظيم ، وأنه دين العلم والقراءة والقلم ، مما يميزه عن سائر الديانات السابقة ، ولماّ كان فعل الأمر عند علماء الأصول يفيد الإطلاق في المعنى بلا قيد ، فإن( اقرأ ) لا تفيد قيدا ولا حصرا ، لنوع القراءة أو ميدانها ، ولا كمّها ولا كيفها، وعلى هذا فأمة الاسلام التي تتباهى بأنها أمة (اقرأ) كان يجب عليها أن تكون أول الأمم البشرية في هذا المجال ، وأن تتفوق فيه ، وأن لا يسبقها أحد إليه!! فهل هذا هو واقعنا اليوم ؟؟؟؟
إن الاحصائيات الحديثة ، التي أُجريت في هذا الموضوع، تثبت أننا آخر الأمم قراءة ، وإليكم هذه الأرقام المُخجلة :

أظهر تقرير أصدرته مؤسسة الفكر العربي أن متوسط قراءة الفرد الاوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويا بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق وحسب احصاءات منظمة اليونيسكو، لا يتجاوز متوسط القراءة الحرة للطفل العربي بضع دقائق في السنة، مقابل 12 ألف دقيقة في العالم الغربي.

و كشف أحدث الإحصاءات أن الفرد الأوربي الواحد يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة، والفرد الإسرائيلي يقرأ 40 كتاباً في السنة، أما في الدول العربية فإنّ كل 80 شخصاً يقرءون كتاباً واحداً في السنة وطبعا هذا متوسط الإحصاءات بعبارة أخرى، وحسب لغة الأرقام:

  • 80 عربياً يقرءون كتاباً واحداً
  • أوربي واحد يقرأ 35 كتاباً.
  • إسرائيلي واحد يقرأ 40 كتاباً

إذاً، لكي يتم قراءة 35 كتاباً باللغة العربية، فإننا نحتاج إلى (2800 عربي) وهو رقم 80 عربي × 35 كتاباً ولكي يتم قراءة 40 كتاباً، فإننا نحتاج إلى (3200 عربي) وهو رقم 80 عربي × 40 كتاباً. !!!

فأين نحن من (اقرأ ) وما سبب ذلك ؟
أرى أن القضية عميقة جدا ، وأن لها أسبابا كثيرة :

1- علاقتنا بالعلم نحن العرب مقارنة بالغرب ، فهذا أصل الداء ،وذلك أننا نحن العرب نتعامل مع العلوم على أنها وسيلة للتوظف والإقتيات، نأخذ الولد الى المدرسة ، ليمرّ بعد ذلك إلى المعهد ، ثم إلى الجامعة والكُلّية، ثم التخرّج والحصول على شهادة الليسنس أو الماجستير أو حتى الدكتوراه، ثم التوظف، ثم الزواج وهلمّ جرّا ….وتطوى كُتبه وعلومه ،بل سنوات حياته ، وكأنه شيئا لم يكن !! فلا علمه يزيد ، ولا الذي حصّله باق ، حيث أن آفة العلم النسيان !!
بينما في الغرب ( وسيقول ضيق الفكر أنت عندك عقدة الأجنبي !! ولا أبالي!! ) في الغرب لا يتعاملون مع العلم بنفس الطريقة ، لقد أدركوا أن العلم لا نهاية له ، وأن الشهادات لا تعني تحصيله كله ، ولا بلوغ ساحله، ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ولذا أسسوا مراكز الأبحاث لكل أنواع العلوم ، تلك المؤسسات التي هي شبيهة بخلايا النحل التي تعمل بالليل والنهار، وهذا هو سرّ التطوير الغربي في كل المجالات، والذي لا يعرف التوقف ، ولذا ترى الجديد في كل شيء يظهر بسرعة مذهلة ، فاذن السبب الأول هو علاقتنا بالعلم المختلّة القاصرة المحدودة !!

2- التوجه السياسي العربي الذي يعكس المستوى العلمي لدى الشعوب ، فإنك ترى قوما يحكموننا كثير منهم لا يحسن قراءة البيان الذي أعدّوه له مُسبقا ، فضلا عن أن يتكلّم ارتجالا بلا ورقة!!
كما أن سياساتنا لا تشجع على العلوم بالأساس، الا زُخرفا من القول غرورا ، لأنها سياسات تصادر وتطارد النوابغ العلمية ، في الغالب ، ولذا نجد أن 31 بالمائة من الكفاءات العلمية هاجرت إلى اوروبا وأمريكا، لأنها لم تجد المناخ المناسب للعلم، بل وقع استقطابها للاستفادة منها !! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
تلك السياسات المتخلفة ، التي تعمل عمدا عن إبقاء التخلف والمحدودية في المعلومات، ولو تظاهرت بضدّ ذلك ، ولكنها في المقابل تشجع على كل أنواع الهراء والترهات، وتستخدم التافهين لتثبيت أركان عروشها، الا من رحم الله عز وجل !!

3- الخلل في التربية : وذلك أن القراءة لا بد لها من توجيه تربوي على مستوى الوالدين اولا ، للابناء منذ نعومة الأظفار ، وتقرر الاحصائيات أن أول الشعوب البشرية نجاحا في هذا الباب الشعب الياباني!! حيث أن الآباء والأمهات أكثر ما يهدونه لأبناءهم في المناسبات هي الكتب!! فأين نحن من ذلك؟؟؟ يا أمة إقرأ !؟؟

4-الخطاب الديني المتخلف السائد في عالمنا العربي، لا يشجع هو الآخر على القراءة والعلوم ، الا شيئا قليلا لا يفي بالحاجة ، أو أنه لا يوجه الناس الا لقراءة الكتب الدينية ، الباهضة الثمن ، أو المعقّدة، أو التي غثها أكثر من سمينها، أو التي تحتاج الى مستوى علمي عال من أجل فهمها !!

فإنني ههنا أشجع على أن نعود إلى سِمتنا الأولى، وهي القراءة، لكل ما يُقرأ !! كل في تخصصه وميدانه، ليزداد علمه ،فالعلم يهدده النسيان دائما، و القراءة تنمّيه وتزيده كما تنمو النبتة بالماء.
كما أن من فوائد القراءة ، أنها تجنّب صاحبها القلق والأرق ، فكم أصيب الكثيرون بما يسمى( الستراس ) وهو الانفعال النفسي ، ولم يدروا أن القراءة تُذهب ذلك كله أو تخففه ،
ومن فوائدها أيضا ، أنها تُعافي صاحبها من تبعات اللسان، كالغيبة والنميمة ، والبهتان والهذيان، والثرثرة واللغو، وما يضيع الأعمار بلا فائدة دينية ولا دنيوية ، وانظروا الى حال كثير منا في الشوارع والمقاهي و المجالس ، !!
لقد سافرت في أوروبا كثيرا ، فلم أركب طائرة، ولا قطارا ولا باخرة، الا و أرى أكثر الرّكاب والمسافرين، قد انكبوا القراءة ،كل في مجاله أو ما يناسبه( قد علم كل أناس مشربهم )
و ترى الصمت يخيّم على الجميع ، فلا لغو ولا صراخ، ولا ضجيج ولا صياح !! فأقول في نفسي شتان شتان بين حالهم وحالنا ،و مستواهم ومستوانا، الا ما رحم الله، إنه هو العزيز الرحيم .
كما أن كثيرا من الشباب المتدين ، قد عدلوا عن القراءة الى سماع الفيديوهات المختصرة ، أي فيديوهات الفتاوى ( المستوردة) و تجد الواحد منهم لا صبر له على قراءة مقال لا يأخذ منه دقائق معدودات ، فضلا عن صفحات، ناهيك عن كتاب ، ومع ذلك فهو يجادل و يصحح و يعدّل، ويخفظ ويرفع ، ومأنه فقيه عصره ووحيد دهره ، وصدق الله اذ يقول ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ) !!
فمن سمعتوه قد ( مَشْيخ ) نفسه ، و تعمّم وتجلبب، و لوى عنقه وصعّر خدّه، وغير نبرة صوته ،وانطلق في مسرحيته المفضوحة المكشوفة ، سلوه ( كم كتابا قرأت في حياتك ؟ و هل لك أن تذكر لنا عناوينها ومحتواها؟؟ ) وإلا فانه ممن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( المتشبّع بما لم يُعطه كلابس ثوبي زور ) .
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى