مقالات

ليس شأنًا سوريًا فقط.. كيمياوي الأسد

د. أيمن خالد

كاتب صحفي
عرض مقالات الكاتب

يمتنع على الرأي العام العالمي قبول فكرة إدراج جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية ضمن القوانين الجنائية الداخلية فقط. ذلك أن التصور بقبولها هكذا يمنح الفرصة للأنظمة المستبدة التهرب من الخضوع للعقاب تحت غطاء ما يسمى بالشأن الداخلي، فيما تقوم تلك الأنظمة المجرمة بارتكاب أشد أنواع الجرائم بحق شعوبها وبحق الإنسانية. مع ملاحظة أولية يجب أن نقف أمامها وهي أن تلك الأنظمة تعتبر بحكم القانون والأعراف المدنية الداخلية والدولية ساقطة ومارقة منذ لحظة ارتكاب هذه الجرائم.

وقبل لحظة ارتكاب ما يسمى (نظام الأسد) لمجزرة الكيمياوي على أبناء الشعب السوري عام 2013في الغوطة الشرقية لم يكن أساسا يمتلك شرعية الحكم. فقد سقطت شرعيته في اليوم الأول الذي استخدم فيه السلاح ضد المدنيين المطالبين بحقوقهم السياسية العادلة.

كيف وقد استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيمياوية في عشرات المدن والقرى السورية على خط الامتداد الزمني لعمر الثورة المستمرة. وكان أبرزها وأكثرها وحشية وبها افتضح أمر هذا النظام عندما استيقظ العالم على أكبر جرائم العصر وحشية وخرقا للقوانين والأعراف الإنسانية بذلك الهجوم الكيمياوي لقوات الأسد على مدينة الغوطة شرق دمشق يوم الأربعاء 21 آب – أغسطس 2013 التي تحل سنتها السادسة اليوم. تلك الجريمة التي راح ضحيتها المئات من سكان المنطقة أطفالًا ونساء ورجالًا بسبب استنشاقهم لغازات سامة ناتجة عن هجوم بغاز الأعصاب (السارين).

وقبل الدخول في توصيف هذه الجريمة واعتبارها من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وأحكامها. نستذكر مواقف الدول الكبرى تجاه هذه الجريمة والغريب أن بعض هذه الدول المعترفة بإجرامية نظام الأسد مازالت تقف داعمة له ومبررة لإرهابه.  

في 23 آب/أغسطس 2013 أي بعد يومين على الجريمة ذكر مسؤولون أمريكيون أن المخابرات الأمريكية تمكنت من الكشف عن نشاط في مواقع الأسلحة الكيميائية السورية قبل الهجوم في 21 آب /أغسطس.

في المقابل، قدمت الاستخبارات الألمانية تقريرًا جاء فيه أن اتصالًا جرى بين مسؤول كبير من حزب الله اللبناني والسفارة الإيرانية في بيروت أشار خلاله مسؤول الحزب إلى مسؤولية بشار الأسد عن الهجوم وإلى أنه بدأ يفقد أعصابه.

وفي السياق نفسه، نشرت صحيفة الغارديان بتاريخ 3 أيلول 2013 تقريرا استخباريا فرنسيا أشار إلى أن قوات النظام هي المسؤولة عن الهجوم. وقد استشهد التقرير الفرنسي بصور تظهر انطلاق صواريخ من مواقع قوات النظام وبسبعة وأربعين تصوير فيديو وضعها ناشطون في حقوق الإنسان. وتحقق أطباء فرنسيون من صحتها.

ونشرت مواقع الكترونية جملة منسوبة إلى الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني يقول فيها إن “الشعب السوري الذي تعرض لهجوم كيماوي من طرف السلطة، عليه الآن مواجهة التهديد بتدخل أجنبي” وقد أيد علي مطّهري (نائب إيراني محافظ) تصريحاته وذكر أن رفسنجاني قد يمتلك وثائق تدين الأسد باستعمال الكيميائي ضد شعبه.

وبعد 20 يوماً على حدوث الهجوم قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن لديها أدلة تشير بقوة إلى أن هجوماً بغاز (سام) على مقاتلين من المعارضة السورية نفذته قوات الحكومة السورية وأنها توصلت إلى تلك النتيجة بعد تحليل روايات شهود ومعلومات عن المصدر المرجح للهجمات وبقايا للأسلحة التي استخدمت وسجلات طبية للضحايا.

وفي يوم 16 أيلول 2013، صدر تقرير لجنة التفتيش التابعة للأمم المتحدة الذي أشار إلى أن غاز السارين أطلق بواسطة صواريخ أرض-أرض. وذكر التقرير أن الهجوم حدث في ساعة ضمنت إصابة أو مقتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص لأن درجة الحرارة تنخفض بين الثانية والخامسة صباحا وهو ما يعني أن الهواء كان يتحرك لأسفل باتجاه الأرض. وفي تعليق على التقرير، قال الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون: “هذه جريمة خطيرة ويجب تقديم المسؤولين عنها للعدالة في أقرب وقت ممكن. وإن الرئيس السوري بشار الأسد ارتكب كثيرا من الجرائم ضد الإنسانية. ويجب أن يحاسب على جرائمه”.

وبموجب ثبوت جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا في الحروب والنزاعات، ذلك يحيل إلى وجوب ملاحقة نظام الأسد ومن اشترك معه وسهل له ظروف ارتكاب الجريمة من الدول الداعمة والميليشيات الإرهابية التي تقاتل معه إلى المحاكم الجنائية الدولية. حيث أن اتفاقية (عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية) التي اعتمدت بقرار الجمعية العامة النافذة منذ عام 1970 قد أكدت خلو جميع الإعلانات الرسمية والوثائق والاتفاقيات، المتصلة بملاحقة ومعاقبة جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، من أي نص على مدة للتقادم. وأن جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية هي من أخطر الجرائم في القانون الدولي.

وأن المعاقبة الفعالة لجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية عنصر مهم في تفادي وقوع تلك الجرائم وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتشجيع الثقة وتوطيد التعاون بين الشعوب وتعزيز السلم والأمن الدوليين.

مع ملاحظة أن إخضاع جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لقواعد القانون الداخلي المتصلة بتقادم الجرائم العادية، يثير قلقاً شديداً لدى الرأي العام العالمي لحيلولته دون ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عن تلك الجرائم.

لذلك أقرت الاتفاقية الدولية عدم سريان أي تقادم على الجرائم ضد الإنسانية بصرف النظر عن وقت ارتكابها. سواء في زمن الحرب أو زمن السلم، وان أحكام هذه الاتفاقية تنطبق على ممثلي سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون، بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء، بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضاً مباشراً على ارتكابها، أو الذين يتآمرون لارتكابها، بصرف النظر عن درجة التنفيذ، وعلى ممثلي سلطة الدولة الذين يتسامحون في ارتكابها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى