مقالات

ليلة الغوطة الشرقية في مثل هذا اليوم

    

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

ليلة 21/8/2013 لم تكن كغيرها من الليالي فقد استفاق المحاصرون في الغوطة الشرقية من أطفال وشيوخ، ونساء وعجائز، لا كما يستفيق باقي البشر، فقد استفاقوا على رائحة ليست كغيرها من روائح الموت التي ألفوها من أسلحة تقليدية تقطع أجسادهم وتجري دماءهم هذه المرة بالأسلحة المحرمة دوليًا المسموح لقاتلهم فقط أن يقتلهم بها، والموت مختلف تماما لا أشلاء فيه ولا دماء متناثرة، إنه فعل الفسفور والسارين، والتي يدّعي المجتمع الدولي أنها من الأسلحة المحرمة دوليًّا! فمن الممكن أن تكون هذا محرمة ولكن وبكل تأكيد ليست على الجميع، فأسباب التحريم لا تسري إلى الجميع في عالم مختل فيه ميزان العدالة.

ليلة الغوطة مع الكيماوي لم تكن ليلة القبض على فاطمة بل كانت ليلة القبض على آلاف الأرواح لأجساد، ورؤوس من أهل الغوطة أتعبها وأنهكها حصار الظالمين.

فلم يكتفوا بحصار وتجويع من هو في الغوطة من نساء وأطفال وشيوخ وعجائز ومرضى. لو وقف الأمر عند هذا الحد لكنا كحصار قريش للمسلمين في شعب أبي طالب. آلاف الأطفال كانوا يغطون في نومٍ ويحلمون بغدٍ يملأون فيه بطونهم الخاوية، فكانت الصواريخ ذات الرؤوس الكيماوية تحمل إليهم السارين والفوسفور، لتملأ ما فَرُغ من أجسامهم الموهنة التي أتعبها الحصار.

ست سنوات على هذه المجزرة التي أنكرها النظام وبادرت من تحميه روسيا إلى التشكيك بحدوثها، مجزرة حركت العالم ومشاعره وحركت معها الأسطول الأمريكي لمسافة قصيرة فقط وارتعدت فرائص النظام بتحركها ما دفع المجرم إلى المبادرة أنه على استعداد لتسليم مخزونه من الأسلحة الكيماوية، بضمانة حاميته روسيا.  ذلك العرض الذي أسال لعاب أمريكا ومعها إسرائيل لأنه ليس ضمن أولويات أمريكا وإسرائيل حماية الشعب السوري من المجازر فلو أرادت أن تفعل هذا لفعلته منذ زمن طويل، فهما أي- أمريكا وإسرائيل_ مما يسعدهما وقوع مثل هذه المجازر، فهذا العرض المغري من جانب النظام بتسليم أسلحته الكيماوية لاقى استحسانا، فكانت نتيجة هذا العرض أن توقفت الأساطيل الأمريكية عند المسافة التي وصلت إليها فقط.

أجل لقد سلَّم المجرم أداة الجريمة من أسلحة كيماوية محرمة دوليًا أما المجرم نفسه فلم تستلمه العدالة الدولية للنيل منه وإيقاع ما يجب عليها أن توقعه عليه من عقاب، فبقي طليقًا حرًا يتنفس الهواء النقي في وقت جعل آلاف الأطفال يتنفسون السارين والفوسفور.

حُكمٌ كهذا على مجزرة ومذبحة كهذه لا يمكن أن يفسر إلا أنه رخصة للمجرم أن يمضي بإجرامه ومذابحه، فبعد مجزرة الغوطة الشرقية الكيماوية جاءت مجزرة أخرى، وهي مجزرة خان شيخون ومجازر أصبح من المتعذر أن نتذكرها جميعها لكثرتها.  جرائم ومجازر لم تكن لتحدث لولا أن المجرم أمن العقاب، يقولون وقولهم حق (إن من أمن العقوبة أساء الأدب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى