مقالات

“ويح عمار تقتله الفئة الباغية”

د. ممدوح المنير

كاتب وسياسي مصري.
عرض مقالات الكاتب

الحديث الشريف السابق ذكره: ” وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ” [رواه البخاري ومسلم].. من أكثر الأحاديث التي أثرت في تعاملي مع البشر عمومًا، ومحاولة تقبلها كما هي، مهما اختلفت معها.

في الفتنة الكبرى في الإسلام، عندما حدث الخلاف بين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في النزاع على الموقف من القصاص من قتلة سيدنا عثمان رضي الله عنه، كان سيدنا عمار في جانب سيدنا علي بن أبي طالب.

ووفقًا للمعيار النبوي فإن سيدنا عمارًا ستقتله الفئة الباغية، وبالتالي هو سيكون في الفئة غير الباغية، وهي التي معها الحق.

لذلك كان بعض الصحابة وقت الفتنة والتباس الأمر عليهم يتتبعون أي جانب سيتخذه سيدنا عمار؛ لأنه لن يكون في غير جانب الحق.

في معركة صفين بين سيدنا علي وسيدنا معاوية قَتل جيش معاوية الصحابي الجليل عمار بن ياسر، فانتقل عدد ممن هم في جانب معاوية فورًا إلى جيش علي رضي الله عنه، بعد أن علموا أنهم “البغاة” بقتلهم عمارًا.

العجيب في القصة أن هناك عددًا من الصحابة استمر في جانب معاوية رضي الله عنه رغم مقتل عمار، ورغم أن حديث قتله على يد الفئة الباغية حديث متواتر، بمعنى أنه رواه جمع غفير من الصحابة، وبالتالي فهو حديث مشهور بين الصحابة وقتها، ورغم ذلك استمر القتال، الذي قُتل فيه على اختلاف الروايات ما بين 20 ألف إلى 70 ألف، فيهم من الصحابة والتابعين..

القصة توضح حجم التباين في المواقف، رغم وضوح الحديث الشريف في بيان جانب الحق من عدمه، ورغم ذلك حدثت الفتنة والخلاف، ورفع الصحابة سيوفهم وتقاتلوا وسقط الشهداء..

ومن يوم أن قرأت القصة وتعلمت ألا أندهش من مواقف الناس وسلوكياتهم وآراءهم وقت المِحَن والفتن، فالصحابة حدث بينهم ذلك، وهم خير القرون، والحديث واضح وصريح ومشهور، فما بالنا ونحن نتعرض لفتن ومِحَن قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا: “فتنةً تدعُ الحليمَ حيرانَ” [رواه الترمذي].
أصبحت أكثر فهمًا لمدى تعقد العقل البشري، وأنه حين يتعرض لضغط كبير وتتفاعل عواطفه مع عقله مع شيطانه مع نفسه ينتج في النهاية سلوكيات متباينة بدرجة لا قدرة لنا على استيعابها..

لذلك.. فنصيحتي لنفسي أولاً، ولأصدقائي ثانيًا: حاولوا أن تتقبلوا الناس كما هم.. لا تأخذوا مواقف حادة من أحد ما دام ذلك لا يتعلق بحقوق آخرين أو ظلمهم أو تعدٍّ على حدٍّ من حدود الله.

فإن حدث فتكون النصيحة بدرجاتها، من أدناها “النصح في السر”، إلى أعلاها “البغض في الله، وفضح وتجريس المعتدي على حقوق الآخرين أو ظلمهم”.

اعلموا أن من يختلفون معكم لديهم تركيبة عقلية نفسية انفعالية مختلفة، كل إنسان هو كائن فريد في ذاته، في طريقة تفكيره وسلوكه وعاطفته، فلكل منّا تجربته الإنسانية المختلفة، وتجاربه الحياتية المُعاشة، والتي شكلت قناعاته سلبًا أو إيجابًا.

وحين تأخذك الحمية لموقفك تذكر قصة “وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ”، فربما هدأت نفسك.

ليس معنى هذا ألا تنحاز لما تراه حقًّا.. لكن ما قصدته هو أن تتقبل المختلفين مع مواقفك دون تشنج ودون قطيعة، فلسنا صحابة، وليس فينا سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى