بعد جولاتٍ عدة من الشد والجذب، والمباحثات الصعبة، بين واشنطن وأنقرة،وانتهائها جميعًا بالفشل بالوصول لأرضية مشتركة،أو القدرة على تقريب وجهات النظر، والرؤى المتباعدة جدًا بين الطرفين ،بما يخص إجراءات و شروط إقامة المنطقة الآمنة ،تلك المباحثات التي كان آخرها زيارة المبعوث الأمريكي جيمس جيفري لأنقرة، ولقائه مسؤوليها التي بدورها أيضًا لم تصل لاي نتيجة تذكر.
على مايبدو أنّ التحشدات العسكرية الاخيرة .التي قامت بها انقرة ، قرب الحدود السورية، و التي توِّجت بتصاعد نبرة التهديدات على لسان كبار مسؤوليها كوزير الخارحية مولود أوغلو ، ووزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان ،وتصريحاتهم بأنّ صبر أنقرة نتيجة لمماطلة واشنطن قد نفد ،وأن الاستعدادات والتحضيرات وجاهزية القوات قد اكتملت، و تنتظر ساعة الصفر للقيام بعمل عسكري منفرد شرق الفرات،لإبعاد ميليشيات قسد عن الحدود التركية الجنوبية، وإقامة وفرض المنطقة الامنة اذا لم بتم وفورًا التنسيق مع واشنطن حول إقامتها وتهدئة مخاوف وقلق انقرة.
من خلال ماتقدم ذكره ، ولإجهاض و تخدير وتأخير أي عمل عسكري منفرد قد تقوم به أنقرة ،منفذة تهديداتها باجتياح شرق الفرات، وإقامة المنطقة الآمنة ،أرسلت واشنطن على وجه السرعة وفدًا عسكريًا خاض ولثلاثة أيام مباحثات معقدة في أنقرة ،خرجت نتائجها باتفاق على إقامة مركز وغرفة عمليات مشتركة بين الطرفين، لتنسيق وتحديد شروط اقامة المنطقة الآمنة ومتطلباتها، وعاتق إدارتها ،ودور الأطراف فيها ،ومسائل فنية
أخرى، وقد تم اختيار ولاية شانلي أورفا لإقامة وعمل هذا المركز.
و بناءً على هذا الاتفاق الغامض ،تم بَدء المرحلة الأولى منه وهي تحليق طائرات تركية مسيرة فوق مناطق قسد شرق الفرات.
السؤال الأهم هنا ماذا لو كانت واشنطن تحمل سلفًا في جعبتها نية المماطلة بإقامة المنطقة الآمنة، و عدم جعلها حقيقة واقعة؟ وماذا لو كان هذا الاتفاق والتوافق لن يكون مصيره بأفضل من مصير خارطة طريق منبج ،والاكتفاء فقط بتنفيذ دوريات مشتركة تركية أمريكية على حدودها؟ وماذا أيضًا إن كان هذا الاتفاق ليس إلا مناورةً أمريكيةً غايتها تمييع التهديدات التركية و تأخيرها من تنفيذ اي عمل عسكري قد تقوم به شرق الفرات؟
بالمقابل أيضًا والسؤال الأهم هنا الذي يفرض نفسه كيف ستكون ردود الفعل التركية إن صحت تلك التساؤلات ،واكتشفت أنقرة بمرور الوقت أنّ الاتفاق ليس بأكثر من مراوغةٍ ومماطلة من واشنطن، وأن هذا الاتفاق لن يكون بافضل حالًا وكما ذكرنا من خارطة طريق منبج؟
إذًا لاخيار حينذاك أمام أنقرة كما صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلا العمل العسكري المنفرد، وهو عمليًّا الخيار الاستراتيجي الأصعب لتركيا… والذي سيضع بدوره واشنطن بين خيارين صعبين أحلاهما مرّ :
الخيار الأول :هو الوقوف متفرجة، وترك قسد لملاقاة مصيرها المحتوم في حال قيام اي هجوم تركي، وهذا ماسيجعلها دوليًّا وأقلها أخلاقيًّا بموقفٍ لاتحسد عليه بتخليها عمن تعتبرهم شريكها في حربها على داعش.
الخيار الثاني : وهو الأصعب، الدفاع عن قسد والوقوف بوجه تركيا ، ومنعها من تحقيق أهدافها في شرق الفرات ، وهذا معناه الدخول مع أنقرة شريكها في الناتو بصراع وصدام عسكري مباشر لاتعرف عواقبه ومآلاته.
مما تقدم وحسب الاستنتاجات وقراءة الخارطة الميدانية، وتناقض مواقف أطراف الصراع ،وأصحاب النفوذ، وأذرعهم (تركيا روسيا وواشنطن و قسد) فهل ستكون المنطقة الآمنة سهلة المنال أو أمرًا واقعًا على الأرض في المدى المنظور والمتوسط ، وأنها سوف لن تكون فوهة بركان ثائر سيشهد مزيدًا من الأحداث الدراماتيكية، والتي ستقلب الطاولة على الجميع، وتغير الحسابات القديمة الجديدة لكثير من الأطراف؟