مقالات

الغزو التاريخي

أ.د. أحمد رشاد

أكاديمي مصري
عرض مقالات الكاتب

هذا الغزو ليس غزوًا بالدبابات او الطائرات أو حتى بالأفكار كالغزو الثقافي مثلاً ، بل هو أخطر من ذلك بكثير ، فالغزو التاريخي لا يحارب الواقع فقط بل يحارب الماضي الذى بُني عليه الحاضر .
ونظرية الغزو التاريخي تتلخص بأن يدمر الغزاة أسباب وجودنا أصلاً على ساحة التاريخ وذلك بالتشكيك والطعن برموز الأمة ، فينتج عن ذلك بالضرورة تشكيك بالروايات التى نقلها هؤلاء الرموز إلينا أو التي نقلت عنهم بالأساس ، قبل أن يقوم الغزاة بتسليط الضوء على مراحل الضعف التى مرّت بها الأمة أو حتى اختلاق قصص وهمية تشوه صورة تاريخنا فى أعيننا ، ثم يقوم أولئك الخبثاء بتحويل أبطالنا الى قتلة مجرمين وعلمائنا إلى أشخاص مجانين ، أو فى أحسن الأحوال يقومون بشطبهم من ذاكرة التاريخ نهائيًا ، ليقوم نفس الغزاة بتمجيد أبطال وهميين فى تاريخنا ، فيتحول عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى مجرم حرب فى الوقت الذى يتحول فيه المجرم نابليون بونابرت الذى قتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء إلى فاتح عظيم تخلده كتبنا الدراسية ، ويصبح عباس بن فرناس مخترع الطيران عالمًا مجنونًا بينما يمجد أينشتاين صاحب مشروع القنبلة النووية التى قتلت مئات الألاف من الأبرياء
وفى أغلب الحالات يقوم نفس الغزاة بالعمل على محو اسم بطل حقيقي قلما رأت مثله كالبطل احمد بن فضلان والبطل يوسف بن تاشفين والبطل ابو يوسف يعقوب الماريني والبطل ابو يوسف يعقوب الموحدي ، فيشطب هؤلاء الأبطال من ذاكرة بطولاتنا ، ليوضع مكانه اسم خرافي مثل السندباد أو علاء الدين او حتى علي بابا ، فلا يبقى لنا بذلك فى تاريخنا الممتد إلا قادة مجرمين أو علماء مجانين أو أبطالا ًوهميين لم يصبحوا أبطالاً إلا بمصابيح سحرية أو بسط طائرة !
وبهذا لا يبقى لك اذا كنت مسلمًا وأردت أن تصبح بطلاً إلاّ أن تشدّ الرحال إلى قفار الصحراء القاحلة أو غياهب الكهوف المظلمة ، علك تجد مصباح علاء الدين الذي من خلاله فقط يمكن لك أن تصبح بطلاً ومسلمًا فى آن واحد .
وبعد ان يزرع فيك الغزاة هذا كله ، فإن مفهوم القدوة يسقط من عينك دون أن تشعر أنت بذلك ، وعندها وبكل سهولة تسقط كالثمرة العفنة برياح غزاة التاريخ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى