بحوث ودراسات

بلاد الشام والعراق والاطماع الاستعمارية في العصر الحديث 2 من 2

عامر الحموي

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

2- الأطماع الألمانية و الأمريكية:
بدأت الأطماع الألمانية في المشرق العربي، بعد إكمال وحدتها سنة 1870، حيث زار الإمبراطور الألماني غليوم الثاني الدولة العثمانية مرّتين وزار دمشق وألقى فيها خطاباً في 8 تشرين الثاني 1898 جاء فيه قوله: “وليوقن صاحب الشوكة السلطان عبد الحميد خان الثاني.. و الثلاثمائة مليون من المسلمين المرتبطين بمقام خلافته… أنّ إمبراطور ألمانيا سيبقى مُحبَّاً لهم إلى الأبد”. ثمّ حصلت ألمانيا على امتياز مرفأ حيدر باشا في بحر مرمرة(1)، ومدّ سكّة حديد برلين بغداد في الدولة العثمانية سنة 1903(2)، و أصبحت ألمانيا هي المستفيد الأقوى في المنطقة ومنافسة للوجود البريطاني في العراق ومنطقة الخليج العربي(3).
و إلى جانب التدخّل في المجالات السياسية و الاقتصادية في البلاد العربية، فقد نشطت الإرساليات التبشيرية الغربية في فتح المدارس ونشر الثقافة الغربية.
و كانت أولى الإرساليات التي قامت بنشاط ديني في بلاد الشام هي الكاثوليكية(4) (الفرنسية)(5) في القرن السادس عشر، وكان هدفها نشر الكاثوليكية بين أتباع المذاهب المسيحية الأخرى، و تنظيم الموارنة في سوريا و ربطهم بروما(6).
و إضافةً إلى التأثير الفرنسي من الناحية الدينية كان التأثير الثقافي الفرنسي واضحاً للعيان، وخاصّة في لبنان. و كانت تلك الإرساليات تفتح المدارس والمؤسسات الثقافية، و كان أهمّها مدرسة بيروت 1839، و غزير 1843، وزحلة 1844، ودمشق 1872، وحلب 1873، وتوّجت أعمالها بنقل مدرسة الغزير إلى بيروت لتُسمّى جامعة القديس يوسف سنة 1875(7). و قد تفوّقت هذه المؤسسات الفرنسية على المؤسسات الغربية الأُخرى، حيث كان لها سنة 1910 أكثر من مئة مدرسة، يتعلّم فيها أكثر من عشرة آلاف طالب(8).
و أيضاً وصلت الإرساليات التابعة لكنيسة المشيخية (البروتستانتية) الأمريكية إلى المنطقة عام 1820(9)، و ظهر نشاطها في الطباعة و التعليم، وفي تأسيس مطبعة بيروت 1834(التي نُقلِت من مالطة)(10)، و في افتتاح المدارس في كلٍّ من بيروت و القدس و جبل لبنان، و افتتاح معهد “عبية” لإعداد المدرّسين، و تُوِّجت هذه الأعمال بافتتاح الكليّة البروتستانتية السورية في بيروت سنة 1866(11).
ثمّ ظهرت إرساليات إنجليزية و ألمانيا و روسية، ولكنّها لم ترق إلى مستوى الإرساليات الأمريكية و اليسوعية الفرنسية، وفُتِحَت المدارس أمام المسلمين و المسيحيين على حدٍّ سواء ن أجل نشر الثقافة الغربية والتمهيد لتنفيذ خططتها المبيتة ضد الدولة العثمانية(12).
و بعد الحرب البلقانية 1912- 1913، قرّرت الدولة العثمانية الدخول في مفاوضات مع الدول الأوربية لحسم المسائل المُعلَّقة فيما بينها و الاعتراف بمطالب هذه الدول و القَبول بنفوذها الاقتصادي، مقابل تعديل نظام الامتيازات و رفع التعرفة الجمركية في الدولة العثمانية على البضائع الأجنبية إلى 15%.
و من المطالب الفرنسية التي قدّمتها في تلك المفاوضات سنة 1913، فتح الدور والمدارس الفرنسية و المساواة بين هذه المدارس و المدارس الحكومية، و إعطاء امتياز بإنشاء خطوط حديدية في الولايات العربية الشرقية، و إنشاء مرافئ على البحر الأسود و شرق المتوسّط. و كما أن ألمانيا نصحت صديقتها الدولة العثمانية بالتفاهم مع فرنسا لحاجتها إليها في القضايا المالية، لأنّ ألمانيا عاجزة عن مساعدتها من هذه الناحية، فقبلت الدولة العثمانية لحاجتها إلى المال بعد انتهاء حرب البلقان و التي أصاتبها بالإفلاس؛ فتمّ عقد اتّفاق مع فرنسا يتضمّن منحها امتيازات مدّ سكك الحديد في المنطقة المذكورة، و اتفاقية أُخرى 9 أبريل 1914 تعهّدت فرنسا فيها بأن تُقدِّم للدولة مساعدتها الخاصّة فيما يتعلّق بالنهوض باقتصاد البلاد وماليّتها، وتعديل نظام الامتيازات بما يتوافق مع مطالب الدولة العثمانية.
أمّا مطالب بريطانيا فكانت متعلّقة بمسألة سكّة حديد بغداد، حيث كانت تطالب بامتياز مدّ السكّة من بغداد إلى البصرة، و قد اعترفت لها الدولة العثمانية بذلك باتّفاقية 9 آذار1914 التي تمّت بينهما، ثمّ أتبتعها اتفاقية وُقِّعَت بين بريطانيا وألمانيا 15حزيران 1914 اعترفت فيها الأولى للثانية بأهميّة سكّة خط حديد بغداد للتجارة العالمية، و صرّحت ألمانيا بأنّها سوف تضمن قبول عضوين إنكليزيين تعتمدهما حكومتهما كممثّلين لحملة الأسهم البريطانية في إدارة الشّركة، لكنّ نشوب الحرب العالميّة الأولى قد أوقف مفعول هذه الاتفاقيات التي تمّت بين هذه الدّول(13).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سلطان: تاريخ سورية / 1908- 1918، ص 211.
(3) Fitzsimos, M. A.: Empire BY Treaty: Britain and the Middle East in the Twentieth Century, University of Noter Dame Press, Indiana, 1964, p 19.
(2) رافق: المرجع السابق، ص 318.
(3) سلطان: المرجع السابق، ص 213.
(4) رافق: المرجع السابق.
(5) أنطونيوس: مصدر سابق، ص 108.
(6) سلطان: المرجع السابق، ص 216.
(7) أنطونيوس: جورج: يقظة العرب، تر ناصر الدين الأسد، إحسان عباس، دار العلم للملايين، بيروت، ط 8، 1987، ص 98.
(8) رافق: مرجع سابق، ص 319.
(9) أنطونيوس: المصدر السابق، ص 106.
(10) رافق: المرجع السابق، ص 319.
(11) برّو، توفيق: العرب الترك في العهد الدستوري 1908-1914، دار طلاس، دمشق, ط 1، 1991، ص 462- 466.
(12) وهم: إبراهيم تيمو و اسحق سكوتي و محمد رشيد و عبد الله جودت. كلشي، حسن: الوجه الآخر للاتحاد والترقي، تر محمد الأرناؤوط، قدسية للنشر و التوزيع، أربد (الأردن)، ط 1، 1990، ص 22.
(13) المرجع نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى