دين ودنيا

محرّر المرأة الأول والأخير

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

هي تدوينة دونتها أمس ، وحصرت معناها في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم أقولها وبكل فخر واعتزاز، و قناعة فكرية تامة ، بعيدا عن العواطف الدينية المرهفة، واحترازا من عقدة الشعور بالنقص، التي أصيب بها البعض .
ففي يوم عيد المرأة كما يحلو لهم تسميته، وفي عصر باتت المتاجرة بقضية المرأة في المجال السياسي والإعلامي أمرًا معهوداً، وعُرفًا مطّردًا، يهدف إلى دغدغة مشاعر الجنس اللطيف من جهة، ومغازلته بُغية اقتناص صوته في الحملات الانتخابية المختلفة من جهة أخرى، و استرضاء للقوى الخارجية، وتسويقًا لصورة الانفتاح و المساواة والتحرّر من جهة ثالثة!!
أردت ههنا أن أضع الأمور في نصابها الحقيقي في هذا الموضوع، وأن يعرف كل إنسان قدره، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو محرر المرأة أولاً وآخرًا… وهذه بعض الشواهد على ذلك:
لقد جاء فوجدها تُدفن حيّة، خشية الفقر أو العار، فأعطاها الحق في الحياة، وحرّم تحريمًا عظيمًا هذا الفعل الشنيع، وهذه الجريمة النكراء، ونزل عليه قوله تعالى ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) ﴾ وقوله ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) ﴾ .
وبشر بمن قام عليها وكفاها متطلبات الحياة فقال ( من عال (أي أنفق وكفى ماديا) جاريتين أي طفلتين حتى تبلغا كانتا له حجابا من النار يوم القيامة ) ولم يقل ذلك في حق الذكور؟!!
ووجدها تُزوّج بغير إذنها ولا استشارتها، فهدم هذا الظلم والقمع الجاهلي فقال ( لا تُنكح البكر حتى تُستأذن ولا تنكح الثيب حتى تُستأمر ) رواه البخاري. فالبكر يطلب إذنها، والثيب ينتظر أمرها !! ويوم أن شكت له فتاة قد زوّجها أبوها بغير اذنها فأبطل نكاحها!!
ووجدها تُزوّج مقايضة ومبادلة، بأن يزوّج رجل رجلاً ابنته أو أخته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الزواج وهو ما يسمى (بنكاح الشغار) !!
ووجدها تُزوج بلا مهر ، فأوجبه لها يوم نزل عليه قوله تعالى ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ .. ﴾ .
ووجدها اذا زوجت لا حق لها في أن تطلب الطلاق، مهما كانت وضعيتها و حالها مع الرجل الذي تعيش معه ، فأعطاها الحقّ في الخُلع، ونزل عليه قوله تعالى ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ ﴾ وقال عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت قيس التي كرهت زوجها (رُدّي عليه الحديقة وطلّقيه تطليقة) ووجدها تعاني شح الرجل من النفقة عليها، فقال (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول) وقال لهند لما شكت شح زوجها أبي سفيان (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) ووجدها مهانة في معاملة الزوج لها فقال (خياركم خياركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
ووجدها اذا طُلّقت، لا حق لها في شيء، فضرب لها حق العدّة، وضمن لها السكنى والنفقة، بل والمُتعة أيضًا وهو مال يقدره القاضي جبرًا لخاطرها، واستعدادًا لمستقبل حياتها كما قال تعالى ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) ﴾ .
ووجدها إذا مات عنها زوجها، ضُربت عليها عدة سنة كاملة تقبع فيها تحت خيمة بلا اغتسال ولا تنظف!! فخفف عنها ذلك ونزل عليه قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ ..) فلها حق التنظف و الاغتسال دون التجمل وفاء للزوج طيلة هذه المدة.
ووجدها تورث ولا ترث، لأنها في فلسفة العقل العربي الجاهلي لا تقاتل ولا تغنم، اذن لا حقّ لها في الميراث، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم، فنزل عليه نظام إلهي لا مثيل له في قسمة تركة الميت، فأعطاها تارة دون الرجل ، كما لو كانت جَدّة من أم ومعها زوجها فللجدة كل شيء دون الجد!
وتارة فاضلها على الرجل، فأعطاها أكثر منه، مثل لو كانت بنتا بين عمّين فلها النصف ولكل عمّ الرّبع!! وتارة جعلها مثله، إذا كانت أختًا من الأم فالإخوة من الأم ذكورًا وإناثًا شركاء في الثلث بالسوية ( فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ ) وتارة أعطى أخاها ضعف حِصّتها وكلفه بالنفقة عليها وتزويجها فقال تعالى ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ  ).
ووجدها تمنع من إعادة حياتها اذا مات زوجها رغم انقضاء عدتها ، فأعطاها الحق في ذلك، فقد تزينت سبيعة الأسلمية للخُطّاب ( بالكحل والحُليّ) بعد انقضاء عدة وفاة زوجها بليال، وذلك أنها كانت حاملاً فوضعت حملها، فزجرها أبو السنابل بن بعكك، فاشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاها الحق في التزين للخُطاب وإعادة حياتها باعتبار أن عدتها انقضت بوضع الحمل وقال (كذب أبو السنابل) أي أخطأ بلغة الحجاز والحديث في الصحيحين .!! قال عز و جل ( وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ  ) .
ووجدها ممنوعة من العمل والتكسب، فأعطاها الحق في ذلك، فقد خرجت خالة جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لتعمل وقد طُلّقت فزجرها رجل من الأنصار ، فاشتكت الى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها : ( جُذّي نخلك عسى أن تصدّقي أو أن تصنعي معروفًا ) والحديث رواه مسلم.
ووجدها لا رأي لها ولا إشارة، فرفع شأنها ، واستشارها وأخذ برأيها، فيوم الحديبية أخذ برأي زوجته أم سلمة رضي الله عنها حين أشارت عليه بالحلق حتى يتبعه الناس!
ووجدها لا حق لها في التعبير ولا في الكلام، فكانت المرأة تأتيه وهو بين أصحابه فتسأله وتستفتيه وهم يسمعون، بل تقول له امرأة (يا رسول الله قد غلبنا عنك الرجال ألا تجعل لنا يومًا تحدثنا فيه؟ فجعل لهن يومًا يحدثهن فيه).
ووجدها ممنوعة من العمل السياسي، فاسترد لها هذا الحق، فيوم أن طلبت أم هانىء رضي الله عنها منه عقد الأمان لرجلين من المشركين وهذا نشاط سياسي بامتياز فقال (يا أم هانىء قد أجرنا من أجرت وأمّنّا من أمّنت) والحديث صحيح.
ووجدها تُستعمل كسلعة تباع وتشترى، و يتعامل معها كمحلّ لقضاء الشهوة الجنسية، فأبطل هذه العقلية المتخلفة، وألزم باحترامها، ونزل عليه آيات الحجاب صونًا لها، وحفاظا على كرامتها، ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ ..) ، وكان المنافقون والفساق يتعرضون للنساء بالمعاكسة في المدينة، فنزل عليه ما يحفظ الحرائر ويميزهن عن الإماء، ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) ). فاعطوني نظامًا بشريًا ، حرّر المرأة وحفظ لها هذه الحقوق ؟
ومن شك، فما عليه إلا بالمقارنة إذ بها تتبين الفوارق!!
أما إذا اعترض علينا معترض بحال المرأة العربية وأوضاعها عندنا ، فالعيب ليس في الإسلام ولكن في التقاليد المتخلفة التي تتوارثها الأجيال كابرًا عن كابر، ظنًا منهم أنها من الدين والدين منها براء!
أو تلك القراءة الدينية البدوية التي تروّج لثقافة (الأربع جدران) بلغة: أيتها الدُّرّة المصونة، والجوهرة المكنونة، والياقوتة المجنونة، بيتك سعادتك.. إلى آخر تلك العبارات… التي تهدف إلى عزل المرأة عن مجالات الحياة كلها ،لتنحصر في المطبخ و والفراش!!
ومازلنا مع الأسف نعاني من توجّهين : من توجه الغلو وتوجه الجفاء ، من سجّاني المرأة، ومن المتاجرين بها ، من أدعياء الحياء والحشمة الذين جاوزوا حدّهم، الى أدعياء التحرر والمساواة، بين هذين التيارين تقف المرأة!!
والطريق القويم، والصراط المستقيم، هدي النبي صلى الله عليه وسلم الكريم. ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ).

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى