حقوق وحريات

مذكّرات.. جرح الماضي ينزف من جديد

عزيزة جلود

الحلقة الثامنة

كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والاوان
تقول شهرزاد:
في صباح اليوم التالي لمجيئنا لسجن حلب المركزي استيقظنا بنشاط وحيوية وحمدنا الله الذي انهى عذابنا في سجن ثكنة هنانو فهنا توجد ابسط مقومات الحياة البشرية وشعرنا اننا بحاجة لتنظيم حياتنا اليومية فاختارا كل واحدة رفيقة للعمل معها واحدة تنظف الغرفة والاخرى تقوم بغسل الاواني وتجهيز الطعام اما طفلي فكنت اقوم على ترتيبه صباحا فيطرق الباب فياتي احد السجانين ويفتح له الباب ويخرجه ,كان جناح السجن يتالف من سجناء من الاخوان ومن حزب العمل الشوعي وحزب البعث اليميني وبعض شخصيات من حزب الناصري فكان طفلي يتنقل امام جميع الغرف والكل يكلمه ويناقشه ويضحك الجميع لاجوبته الطفولية البريئة لقد اضفى على الجناح بهجة فكل معتقل يرى اطفاله الذين تركهم خارج السجن في طفلي الصغير وكل معتقل يخبئ شيئا من الحلوى ليهديها له وهكذا ينهي جولته التفقدية كي يعود للمفرزة ويجلس مع عناصر السجن .كم هي مهمة وجود البراءة! فالجميع بحاجة لها ليغسل قلبه من حقد وشوائب الدنيا. المهم ان يومنا كان يوما سعيدا بامتياز فاشعة الشمس تدخل من نوافذ السجن ليشرق الامل في نفوسنا والصبر في عزيمتنا وتمر الشهور والأيام كل يوم له لون وطعم من العذاب الذي نلاقيه ولكن بعد أن تنقضي الأيام نتذكرها وكأنها يوم واحد .فكرت أنا ورفيقاتي أن نقوم بعمل يشعرنا بأننا ما زلنا جزءا” من البشر فقررنا تعلم حياكة الصوف فأوصينا أهلنا ليشتروا لنا صوفا” وسنارات للحياكة وكانت معنا سيدة كبيرة في السن “الآن متوفية رحمها الله”قامت بتعليمنا أصول الحياكة وفنها وبدأت كل واحدة تنسج أحلى الرسمات وتضع جزءا” من روحها في كل قطعة نسيج فهذه لأمها فتبثها حبها وشوقها من خلال هذه القطعة وتلك لأبيها فتبثها أشعارا من الصبر والتفاؤل وأخرى لأبنائها فتبللها بدموعها الثكلى وأغانيها العذبة المهداة لأرواحهم الصغيرة المشردة المعذبة وكنا ننسج بعض القطع لشباب الغرفة العاشرة إنهم لمن لا يعرفهم شباب من ريف مدينة دير الزور وحلب ومن الميادين كانوا يحفظون القرآن غيبا وكلما أنهى أحدهم حفظ القرآن كان يرسل لنا هدية وجبة غداء من اللحم المشوي وبعض الحلوى وكانت الحجة تنسج لهذا الحافظ كنزة من الصوف وكنا نقوم بمساعدتها وبالغالب كنت أنا والأخوات نقوم بحياكتها ولكن بما أننا شابات صغيرات كنا نمتنع أن تهدى بإسمنا خوفاًمن
بعض النفوس المريضةأن تتكلم بالسوء علينا “وما أكثرها في كل زمان ومكان”
إن عذاب المرأة في السجن أصعب من الرجل فهي تحسب كل صغيرة وكبيرة من لباسها وأفعالها وأحاديثها لأننا نريد أن نخرج من السجن دون أن تمس سمعتنا بسوء ونقول دائما “حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم”رحم الله إمرء جب المغيبة عن نفسه “لقد حاول النظام تصوير أزواجنا وإخوتنا أنهم منفلتين أخلاقيا” وكذلك كانت زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم .قبحه الله من نظام مجرم وصعلوك وحقير يستبيح كل الحرمات من أجل بقائه في الحكم .ونام شهريار السجان وسكتت شهرزاد عن الكلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى