مقالات

هل سيكون اتفاق المنطقة الآمنة الغامض خريطة طريق منبج ثانية؟

العقيد فايز الأسمر

العقيد محمد فايز الأسمر

خبير عسكري سوري
عرض مقالات الكاتب

تعددت اللقاءات والمفاوضات المكثفة التي تم إجراؤها بين مسؤولين أتراك وأمريكيين لإقامة المنطقة الآمنة والتي تطالب تركيا بها ولسنوات في المناطق التي تسيطر عليها قسد والقوات الأمريكية شرقي الفرات.

فهذه اللقاءات غالبًا ما عكست تباعدًا في وجهات النظر، والاختلاف بين الطرفين على تفاصيل إقامة تلك المنطقة، سواء من حيث العمق والامتداد ومسؤوليات إدارتها وحمايتها ودور تركيا وفصائل الجيش الحر فيها. ومصير قسد وسلاحها والقواعد الأمريكية المنتشرة فيها. أو لجهة تفاصيل كثيرة مادية وخدمية واقتصادية أخرى.

 هذه المفاوضات والتي لم تخرج بنتائج، والتي كان آخرها في انقره. تلك التي أجراها المبعوث الأمريكي جيمس جيفري قبل أسبوعين، وكان قد سبقها فشل مباحثات ولقاءات كثيرة لقيادات سياسية وعسكرية أمريكية وتركية. كان من أهم أهدافها. الوصول لتقريب وجهات النظر المتباعدة حول المسائل الفنية لتلك المنطقة، ومحاولة إيجاد حلول وسط وصيغة مشتركة تجمع بينهما للاتفاق على تفاصيل إقامتها ولكن دون جدوى آنذاك.

ولزيادة الضغط في أي مفاوضات على واشنطن بعد فشل المباحثات السابقة. صعّدت تركيا من لهجة قادتها، ومعززة بتحشدات وتموضعات عسكرية ضخمة على طول حدودها الجنوبية مع سوريا. ومطلقة العنان للتهديدات والتصريحات النارية لقياداتها السياسية والعسكرية، واستكمال استعداداتهم للقيام فورًا بعمل عسكري منفرد شرق الفرات وكما صرح الرئيس أردوغان، وطرد قسد خارجها وإقامة وفرض المنطقة الآمنة بهدف تامين حدودهم، وأمنهم القومي، وإعادة اللاجئين الموجودين على أراضيهم إلى مناطقهم، إن لم تسع واشنطن للتوصل معهم لاتفاق والمشاركة والتنسيق معهم لإقامتها وجعلها حقيقة واقعة.

حقيقة التهديدات التركية وعزمها القيام بعمل عسكري أحادي الجانب شرق الفرات سرّع تحركات واشنطن دبلوماسيا، ووضعها بين المطرقة والسندان. وأضحت بين خيارين صعبين أحلاهما مرٌّ. فإما خيار حماية قسد من تركيا وهي ذراعهم عسكريًّا على الأرض وشريكهم في قتال داعش. في حين تعتبرها أنقره تنظيما إرهابيا مهددِا لأمنها القومي، وحدودها الجنوبية، وذراعًا عسكريًا يتبع لحزب العمال الكردستاني Pkk المصنف إرهابيا والذي يجمعها به حرب وعداء تاريخي طويل، وهذا معناه احتمالية الاصطدام عسكريا مع أنقرة بعد أن صرح وزير دفاعهم (مارك أسبر) بأن تهديدات تركيا هو أمر غير مقبول، إن نفذت تهديداتها باجتياح شرق الفرات وأيضا سيؤدي ذلك لخسارتها لها كشريك استراتيجي وحليف قوي في الناتو، وبالتالي تركها أيضًا أكثر للارتماء في الحضن الروسي.

أما الخيار الصعب الآخر فهو سندان تخلي واشنطن عن أخلاقياتها عن قسد، وتركهم لأنقرة ولمصيرهم المحتوم، بعد أن استخدمتهم كذراع في حربها على داعش وهذا ما سيؤثر على سلوكياتها ومصداقيتها وبالتالي لن يكون لها أي أذرع وحلفاء بالمنطقة يقبلون بها مستقبلًا.

كل ما سبق ذكره أعلاه حدا بواشنطن لتسريع الخطى لتهدئة المخاوف التركية، وتجنبًا للإحراج والتصعيد، ونزعًا لفتيل الأزمة مع تركيا، فقد أرسلت الإدارة الأمريكية وعلى وجه السرعة وفدًا عسكريا، وأمنيًا متخصصًا، للقاء نظرائهم في أنقرة وخوض مباحثات ماراثونية استمرت لثلاثة أيام، وبعد شد وجذب ومخاض عسير، تم التوصل لاتفاق وتوافق. وقبول واشنطن بإقامة المنطقة الآمنة، وكخطوة أولى وعلى وجه السرعة تقرر بالتوافق إقامة مركز تنسيق وغرفة عمليات مشتركة مقرها الداخل التركي للبحث في تفاصيل إقامة وإدارة هذه المنطقة. ولكن اللافت للانتباه أن التوافق والاتفاق لم يتطرق إلى التفاصيل التكتيكية والفنية، والإدارية، الهامة والضرورية جدا لتكون تلك المنطقة حقيقة وواقعًا، ملموسًا يرضي تركيا، وبالتالي ما تبحث عنه ويزيد ويقوى نفوذها على الأرض وأيضا تقوي بها أوراقها السياسية في الملف السوري أمام الروس وقسد ونظام الأسد.

ختامًا وعلى ضوء ما ذكرناه، وبغياب الوضوح، وحالة الضبابية والغموض حول تفاصيل كثيرة مما تم التوافق عليه، فمن حقنا أن نتساءل! هل هذا الاتفاق الذي تم حول المنطقة الآمنة شرقي الفرات ما هو إلّا مناورة من قبل واشنطن وشراء للوقت وإبرة تخدير لأنقرة؟ وهل سيكون مصيره محتومًا كمصير خارطة الطريق في منبج والذي دخل عامهُ الثاني دون أن ينفذ منه أي بند هام من بنود ما تم الاتفاق عليه؟ واكتفت واشنطن فقط بتسيير دوريات مشتركة تركية أمريكية، لاتسمن ولا تغني من جوع على الخط الفاصل بين فصائل درع الفرات وقسد على نهر الساجور بينما تنص خارطة طريق منبج والتي تطالب تركيا بتنفيذها تقضي بإخراج ميليشيا قسد بالكامل إلى شرق الفرات وتسليم تركيا والفصائل مسؤولية إدارتها وحمايتها وإعادة أهلها إليها وتشكيل مجلس يديرها من أهلها وبإشراف تركي؟

وأيضًا ومن ناحية أخرى يجب أن نتساءل وهو أمر مطروح، واحتمالاته واردة. ماذا إن صح وكان هذا الاتفاق ليس بأكثر من عملية شراء مرحلي للوقت ومناورة أمريكية؟ وأنه سيكون فعلًا حاله كحال خريطة طريق منبج محلها أن يكتب على الورق فقط الورق ولا يُكتبْ على الأرض؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى