دين ودنيا

التيسير في التحلل والمبيت

د. سلمان العودة

عرض مقالات الكاتب

ومن ذلك: أن التحلل الأول يقع برمي جمرة العقبة، فإذا رماها يوم العيد حلَّ له كل شيء إلا النساء.

وهذا مذهب مالك، وأبي ثور، وأبي يوسف، ورواية عن أحمد، والشافعي، وبه قال علقمة، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعطاء.

قال ابن قدامة في «المغني»: «وهو الصحيح إن شاء الله تعالى».

وهو آخر القولين لشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.

بل عند ابن حزم أنه يَحِلُّ له ذلك بمجرد دخول وقت الرمي ولو لم يرم

واستدلوا بما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول اللهﷺ: «إذا رميتم الجمرة، فقد حلَّ لكم كل شيء، إلا النساء».

وبما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حل له كل شيء، إلا النساء».

وحديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنها، وإن كان فيهما ضعف، إلا أنه قد صححهما بعض المعاصرين كالشيخ الألباني رحمه الله وغيره، ويشهد لهما فتاوى الصحابة رضي الله عنهم وحديث أم سلمة رضي الله عنها في معناهما.  ومن الرخصة: ما يتعلق بالمبيت بمنى:

وقد فعله النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم، وكان جماعة من فقهاء الصحابة يرون وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق على مَن قدر على ذلك، ووجد مكانًا يليق بمثله، وهو قول الجمهور.

لكن دلت الأدلة على سقوط المبيت عمن لم يجد مكانًا يليق به، وليس عليه شيء، وله أن يبيت حيث شاء في مكة أو المزدلفة أو العزيزية أو غيرها، ولا يلزمه المبيت حيث انتهت الخيام بمنى.

وليست الطرقات والممرات بين الخيام وأمام دورات المياه والأرصفة وشعف الجبال مكانًا صالحًا لمبيت الآدميين مبيتًا يتناسب مع روح هذه العبادة العظيمة.

ومما يدل على ذلك:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «استأذن العباس رسول الله ﷺ أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية، فأذن له».

وإذا ثبتت الرخصة في ترك المبيت بمنى لأهل السقاية، وهم يجدون مكانًا للمبيت بمنى، فمن باب أولى أنْ تثبت لمن لم يجد بمنى مكانًا يليق به.

ومن ذلك: أن رسول الله ﷺ أرخص لرِعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر.

والذي لا يجد مكانًا يصلح للمبيت بمنى أولى بالرخصة من رُعاة الإبل، وهذا ظاهر.

وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يفتي الحجيج بأنه: إذا كان للرجل متاعٌ بمكة يخشى عليه الضَّيعة إن بات بمنى، فلا بأس أن يـبيت عنده بمكة.

وأَلْحَقَ أهلُ العلم بمن تقدَّم كلَّ من له مال يخاف ضياعه، أو أمر يخاف فَوْتَه، أو مريض يحتاج أن يتعهَّده، أو يلحقه ضرر أو مشقة ظاهرة.

وفي معنى هؤلاء في جواز الترخص بترك المبيت بمنى، بل أولى به منهم: من لا يجد مكانًا يليق به يبيت فيه، وكذلك من خرج ليطوف بالبيت الحرام فحبسه الزحام حتى فاته المبيت بمنى؛ فإنّ تخلفهما عن المبيت بمنى سببه أمر خارجي، ليس من فعلهما، ولا يستطيعان رفعه.

ومن التيسير في المبيت في منى:

جواز التَّعَجُّل في يومين: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة:203]، والذي يُشترط في التعجُّل: نية الخروج قبل الغروب من اليوم الثاني ولو لم يخرج إلا بعد الغروب، كما هو الراجح عند المالكية، إذا لم يكن من أهل مكة كما يفيده الدسوقي والخرشي في «كبيره على خليل».

أما الشافعية فقالوا: وإنْ رَحَلَ رجلٌ من منى فغربت الشمس وهو راحلٌ قبل انفصاله من منى لم يلزمه المقام؛ لأن عليه مشقة في الحطِّ بعد الترحال.

وإن غابت الشمس وهو مشغول بالتأهُّب للرحيل، أو حبسه الزحام، فله التعجل والرحيل، ففيه وجهان حكاهما ابن الصباغ، أحدهما: يلزمه المقام؛ لأنه لم يرحل. والثاني: لا يلزمه؛ لأنه مشغول بالترحال، فهو كما لو كان قد رحل.

وأما الحنفية فلم يشترطوا ذلك، وقالوا: له أن ينفر بعد الغروب ما لم يطلع فجر اليوم الثالث، وذلك لأنه لم يدخل في اليوم الآخر، فجاز له النَّفْر، كما قبل الغروب، ولعل ذلك أقرب، فإن المُتَأخِّر هو من دخل في اليوم الآخر، أما مَنْ نَفَر قبله فهو مُتَعَجِّل.

ومن ذلك: الرجوع إلى منى بعد النَّفْر، فمَنْ تَعَجَّل فخرج من منى ثم عاد إليها لحاجة، فإنه لا يلزمه المبيت بهذا الرجوع؛ لأن الرخصة حصلت له بالرحيل، فإن بات لم يلزمه رَمْيُ اليوم الثالث؛ لأن البيتوتة لم تلزمه.

من كتاب “افعل ولا حرج”  للدكتور الشيخ “سلمان عبدالله العودة” “ص 20- 21”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى