حقوق وحريات

مذكّرات.. جرح الماضي ينزف من جديد

عزيزة جلود

الحلقة السابعة

اهداء الى روح شهداء ثكنة هنانو
كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان لما كان تقول شهرزاد
مازلنا على الحالة التي كنا عليها من الحر الشديد حتى سمعنا في احدى الليالي ان بابا من ابواب الزنزانات يطرق ففتح السجان وقال ماذا لديكم فرد عليه احدهم ان سجينا اغمي عليه من شدة الحر فرد قائلا اخرجوه فانا اعرف كيف انعشه فاخرجه من الزنزانة جثة هامدة سوى من بعض الشهقات وانهال عليه ضربا وركلا حتى خفتت صوت تلك الشهقات فقال لزميله هل مات؟
فرد عليه يبدو ذلك كنا نسمع كل ذلك لان السجن كان صغيرا جدا وزنزانتنا امام غرفة العناصر قام احد السجانين
بالاتصال بالفرع عير الهاتف وقال لقد توفي سجين من شدة الحر فجاءت دورية من الفرع واخذت السجين وبعد ساعات قليلة حصل نفس الموقف مع سجين اخر يغمى عليه من الحر وسجان يقوم بضربه ثم ينفث روحه الطاهرة لتأتي دورية تأخذه ايضا في تلك الليلة توفي ثلاث سجناء قد تتخيلون ما هو حالنا لقد انهكنا البكاء والدعاء حتى مطلع الشمس ثم غفونا والدموع تملا مآقينا وثيابنا وقلبنا يلهج بالدعاء على هؤلاء السجانين وان يخفف الله عنا هذه المحنة العظيمة وفي الصباح سمعنا اصوات اقدام كثيرة والسجانون يتكلمون همسا عرفنا ان ضابطا من الفرع اتى ليتفقد المكان فإذا عرفنا انه في ليلة واحدة توفي ثلاث سجناء فكيف حتى ينتهي شهر الحر؟
اخرج السجانون السجناء للتنفس وقام بعض السجناء بتنظيف الزنزانات وقرر الضابط ان هذا المكان لا يصلح ليبقى فيه هذا العدد الكبير من السجناء فنقلوا السجناء الرجال الى سجن حلب المركزي وتركونا نحن النساء وحدنا في هذا المكان وانتهت بعضا من محنة هؤلاء الرجال وكم حسدناهم لهذا الانتقال فقط لوجود دورات مياه في الزنزانات

مرت الأيام والليالي رتيبة بطيئة يسودها الأمل واليأس وأخلي سبيل كثير من الأخوات منهن الأخت مع أطفالها وجاءت أخوات جدد معتقلات ونحن مازلنا نعيش أيام السجن اليوم مثل البارحة لا تختلف عن بعضها إلا ببعض التفاصيل والأحداث الصغيرة ونشأت بيننا وبين السجانين صداقة غريبة يسودها عدم الثقة سوى أننا نعيش في مكان واحد وفي صباح أحد الأيام رن صوت الهاتف ورد أحد السجانين قائلا”:”نعم سيدي ……”حتى أنهى المحادثة جاءنا مسرعا” وهو يبتسم قائلا “يالله ضبوا أغراضكم سننقلكم إلى السجن المركزي فرحنا فرحا عظيما لهذا الخبر وكأنه أخلي سبيلنا وهكذا حزمنا أمتعتنا وركبنا أحد الباصات “للأمانة لم يضعوا القيود في أيدينا “وصلنا سجن حلب المركزي الموجود خارج المدينة في منطقة تدعى المسلمية فتح باب أسود كبير عبر باصنا داخل ساحة كبيرة ثم صعدنا درجا” وفتح باب آخر ثم مركز السجن من الداخل ليفتح باب ثم باب حتى وصلنا أمام أحد أجنحة السجن كان الأمن استعاره من الشرطة ليضع فيه السجناء السياسيين فتح باب الجناح لندخل كان الجناح عبارة عن دهليز ضيق على الطرف الأيمن منه نوافذ وتحت جدار النوافذ التدفئة المركزية والطرف الأيسر من الدهليز عشر غرف واجهة كل غرفة مكشوفة بعواميد من الحديد فتح باب الغرفة دخلنا وكأننا دخلنا بيت أهلنا كانت الغرفة كبيرة وفيها طاولات من الحجر ملصوقة بالجدار وفي أقصى الغرفة باب أسود يوجد وراءه الكنز الثمين الذي افتقدناه لمدة عام لقد أصبح لدينا حمام مستقل ودورة مياه خاصة بنا ومغسلة وصنبور ماء هل رأيتم يا أصدقائي كيف يجب أن يكون الانسان في سوريا في عهد حافظ وابنه بشار يحرمونك من جميع الحقوق ثم يرمون لك ببعض الفتات فتشعر أن هؤلاء البشر هم أولياء نعمتك ويجب أن تشكرهم وتصلي وتسبح بحمدهم ليل نهار وهكذا كانت فرحتنا عظيمة ولكننا حمدنا الله وشكرناه لا شكرا لهؤلاء المجرمين .
:
في صباح اليوم التالي لمجيئنا لسجن حلب المركزي استيقظنا بنشاط وحيوية وحمدنا الله الذي انهى عذابنا في سجن ثكنة هنانو فهنا توجد ابسط مقومات الحياة البشرية وشعرنا اننا بحاجة لتنظيم حياتنا اليومية فاختارت كل واحدة رفيقة للعمل معها واحدة تنظف الغرفة والاخرى تقوم بغسل الاواني وتجهيز الطعام اما طفلي فكنت اقوم على ترتيبه صباحا فيطرق الباب فياتي احد السجانين ويفتح له الباب ويخرجه ,كان جناح السجن يتالف من سجناء من الاخوان ومن حزب العمل الشوعي وحزب البعث اليميني وبعض شخصيات من حزب الناصري فكان طفلي يتنقل امام جميع الغرف والكل يكلمه ويناقشه ويضحك الجميع لاجوبته الطفولية البريئة لقد اضفى على الجناح بهجة فكل معتقل يرى اطفاله الذين تركهم خارج السجن في طفلي الصغير وكل معتقل يخبئ شيئا من الحلوى ليهديها له وهكذا ينهي جولته التفقدية كي يعود للمفرزة ويجلس مع عناصر السجن .كم هي مهمة وجود البراءة! فالجميع بحاجة لها ليغسل قلبه من حقد وشوائب الدنيا. المهم ان يومنا كان يوما سعيدا بامتياز فاشعة الشمس تدخل من نوافذ السجن ليشرق الامل في نفوسنا والصبر في عزيمتنا ونام شهرزاد السجان وسكتت شهرزاد عن الكلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى