مقالات

كأنك يا بو زيد وكالعادة ما غزيت

العقيد محمد فايز الأسمر

خبير عسكري سوري
عرض مقالات الكاتب

انتهت الجولة الخنفشارية الـ 13 من جولات الأستانا التي عقدت يومي 1 و2 من شهر تموز في العاصمة الكازاخية نور سلطان، جولة حضرها إلى جانب وفد النظام بزعامة المجرم بشار الجعفري، ووفد المعارضة بزعامة المهزوز (أحمد طعمة) ووفود الدول الضامنة تركيا وإيران وروسيا إلى جانب نائب المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون، وممثلين عن الصليب الأحمر ومفوضية شؤون اللاجئين الأممية.

ولعل دعوة وحضور دولتين تتبنيان الخط والنهج الإيراني المساند للنظام المجرم هما العراق ولبنان يؤكد أنها جولة جديدة لصالح النظام الطائفي!

الملاحظ أنه وفي كل جولة من جولات الأستانا الماراثونية التي وظفتها موسكو لتكون مسارًا شرعيًا يميّع مسار جنيف سياسيًا، أما عسكريًا فالأستانا أمر دبّر بليل وتوطئة لتقوية موقف وأوراق النظام التفاوضية، وإضعافًا متتابعًا للمعارضة عن طريق قضم مزيدٍ من الأراضي المحررة، أو ما سمي جزافًا مناطق تخفيف التصعيد التي سيطر عليها الأسد وميليشياته ومرتزقته تباعًا وحسب الأفضليات اعتبارًا من بلدات وادي بردى مرورًا بالمعضمية، وداريا وبلدات ريف دمشق الجنوبي يلدا وببيلا وبيت سحم، فالغوطة فدرعا والقنيطرة والرستن وملحقاتها في ريف حمص الشمالي، وصولًا وبنهاية المطاف الآن لإدلب ومحيطها.

عمليًا، كما نقول بالمثل الشعبي (كأنك يا بو زيد ما غزيت) فبعد قرابة عامين من انعقاد أولى جولاتها لم تختلف نتائج وبيانات مخرجات أستانا 13 ولم تأت بجديد ينفع، حتى للمعارضة ووفدها الفاقد للشرعية الثورية والجماهيرية بقيادة الطعمة الذي يقاد ووفده الغبي إليها كما تقاد الشاة لمذبحها، ويمضون حاملين معهم من الغباء السياسي والتفاوضي والتنازلات والانبطاح ما تنوء من حمله الجبال!

وأيضًا حتى لانظلم الأرقام هناك جديد حققه الوفد وهو تغير في رقم الجولة الحالية والقادمة وتاريخ انعقادها!

لا بد للإشارة هنا أن البيان الختامي لجولة الأستانا 13 عمليًا لم يأت بجديد وإنما هو نسخة معدلة التاريخ، ومعدل تقريبًا عن سابقه، وهو تأكيد الدول الضامنة التزامها الثابت بسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها، ورفض احتلال الجولان إسرائيليًا، واحترام القرارات الدولية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية كداعش وهيئة تحرير الشام، واختزال القضية السورية بالتعديلات الدستورية، والمضحك المبكي تعبير المجتمعين وكالعادة عن أسفهم لارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين، وربما كان ذلك نتيجة رمي الورود عليهم من طيران المحتل الروسي والنظام المجرم الطائفي!

أما من ناحية وقف إطلاق النار وإقرار هدنة على الأرض في إدلب وإيقاف الجرائم المرتكبة بحق المدنيين وممتلكاتهم والذي أكد الطعمة خلال مؤتمر صحفي سبق ذهابه ووفده: بأن جل اهتمامهم سينصب في هذا المؤتمر في المطالبة على إيقاف الجرائم التي يرتكبها الروس والنظام في إدلب، متناسيًا وبوقاحة العارف شكره في ختام أستانا 12 للروس على تعاونهم وتفهمهم ورغبتهم في تحسين الأوضاع، ومن ثمة التقدم بشكل أفضل في العملية السياسية.

تكتيكيًا فإن وقف إطلاق النار الذي تفاخر وفد المعارضة وطعمتهم بسعيهم إليه وحقيقة ليس لهم فيه فخر وخاب مسعاهم، فقد تمّ بضغط تركي ومشروطًا روسيًا بتنفيذ كل ما تمّ الاتفاق عليه في قمة سوتشي بين الرئيس الطيب أردوغان والمجرم بوتين قبل عام تقريبًا، والذي لم يلق قبولًا ولم ينفذ على الأرض لأنه جاء بشروط تعجيزية روسية للجانب التركي، وضمان تنفيذه والذي لم ولن تقبل الفصائل به، لأنه يعني بالنسبة إليهم الضربة القاضية أو ما يسبقها لهم في إدلب ومحيطها.

إذًا ماذا يعني عسكريًا وعلى الأرض أن يطبق وقف إطلاق النار وتنفيذ شروط الروس فيه:

1- انسحاب الفصائل والتي وصفها بيان أستانا جملة وتفصيلًا بالإرهابية مع أسلحتهم الثقيلة للخلف و لمسافة 20 كم عن خط التماس مع النظام يعني تنازلًا للفصائل عن جهد ووقت وخطوط ومواقع جهزوها هندسيًا، وحصّنوها لصدّ أي هجوم لقطعان النظام وميليشياته، هذه التحصينات التي لم يستطع فعلًا اختراقها طيلة أشهر وتحطّمت كل محاولاته الهجومية على مشارفها مع تكبيده خسائر فادحة بالأرواح والمعدات وتمريغ أنف الروس وقادتهم بالتراب، والقبول يعني أيضًا انسحابًا من ما مساحته 3200 كم² من مناطق محررة منتشرة على جبهة بطول 160 كم ممتدة اعتبارًا من ريف حلب الغربي وصولًا لريف إدلب الشرقي والجنوبي وريف حماة الشمالي والغربي وانتهاءً بريف اللاذقية الشمالي الشرقي، ومحور جبل الأكراد والكبينة (160 × 20 = 3200 كم²) أي أن هذا الانسحاب من شأنه إعطاء الأفضلية الدائمة لقطعان النظام وميليشياته للانقضاض والسيطرة على تلك المنطقة العازلة.

2- الانسحاب معناه تكتيكيًا تضييق العمق القتالي وإمكانية المناورة للفصائل، وبالتالي اقترابهم من الحواضر السكنية وهذا بدوره سلاح ذو حدين فمن ناحية سيزيد الضغط النفسي والمعيشي على السكان المدنيين وعلى الفصائل وهذا ما يريده الروس والنظام المجرم، ويسعون إليه علّه يحدث فجوة وتباعدًا وانفكاكًا ما بين السكان والمقاتلين، ومن ناحية أخرى سيبرر الروس للمجتمع الدولي أن أي جرائم ومجازر سيرتكبونها بحق المدنيين بأيّة أعمال قتالية لاحقة سببها الفصائل المتمركزة في الأحياء السكنية، وتتخذ من المدنيين دروعًا بشرية.

ختامًا، وقف إطلاق النار الذي توصل إليه (الأستانا) ما هو إلا خطة ومناورة روسية كاذبة لتحقيق أهدافها واستراتيجيتها بقضم ما تبقى من الأراضي المحررة وبسياسة النفس الطويل الإجرامية (طريقة دبيب النمل) ولا أتصور – في الغالب – من الفصائل على الأرض ورغم صعوبة الموقف أن تقبل بهذا الوقف أو الهدنة المشروطة بالانسحاب والذي سيفقدها الكثير من مصداقيتها والتعاطف والالتفاف حولها من الحاضنة الشعبية. الأمر الآخر الذي يجب نأخذه بالحسبان وهو أن الكثير من الفصائل لا يمثلها وفد الأستانا (وطعمتهم المنبطح) مثل جيش العزة والنصر وأحرار الشام والفصائل الإسلامية والجهادية مثل هيئة تحرير الشام والتركستان وأجناد القوقاز وحرّاس الدين وغيرهم، والذين لهم السيطرة في المنطقة، ولكن الخشية أن يكون هناك من سيستثمر في بعض الخلافات ويقرع أبواق الفتنة والانقسام بين الفصائل ما يؤدي إلى الاقتتال والتقاتل بينهم، وهذا أيضًا مما ينتظره الروس والنظام ويعملون عليه!

ولكن بالمجمل نستنتج وكما العادة وبالإشارة إلى مسلسل تنازلاتهم وضعفهم لم يأت وفد الأستانا بجديد يخدم قضية الثورة السورية وجمهورها، أو يقربها من تحقيق أحلامها التي أصبحت بهذه القيادات والوجوه والوفود وأمثالها أحلامًا بعيدة المنال وإلى حين…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى