دين ودنيا

مباحث في علم الحديث (2)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

نعلم جميعًا أن أبا بكر الصديق هو من أمر بجمع القرآن بعد حروب الردة التي استشهد فيه كثير من القراء وحفاظ القرآن.

أما الذي أمر بجمع الأحاديث فهو الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز، وأسند هذه المهمة لابن شهاب الزهري، فقام الزهري بجمع ما استطاع جمعه من الأحاديث حسبما اتفق دون ترتيب أو تبويب.

ثم إن هناك جماعة من العلماء جاءوا بعد ذلك وجمعوا الأحاديث وبوَّبوها أبوابًا، كهشيم، وابن جريح، ومعمر، وعبد الله بن المبارك، ومالك صاحب المذهب المعروف.

ثم جاء بعد هؤلاء جماعة من العلماء جمعوا ما صح عندهم من الأحاديث، كالبخاري ومسلم، ثم كثرت التصانيف وجمعت الأحاديث.

وقد اختلفت طرق التصنيف بعد ذلك على النحو التالي:

1-كتب مبوبة على الأبواب: فمثلًا باب الطهارة وباب الصلاة، وباب الصوم وهكذا يجمع مصنف الكتاب الأحاديث التي تندرج تحت باب معين مع بعضها بعضًا، بغض النظر عن راوي الحديث من الصحابة، فقد يأتي بحديث لأنس بعده حديث لابن عمر بعده حديث لجابر، المهم أن يكون في الباب نفسه، ومثال لذلك كتب الصحاح والسنن

2-كتب مبوَّبة على مسانيد الصحابة: فيجمع مصنف الكتاب أحاديث كل صحابي مع بعضها البعض، فمثلًا يجمع الأحاديث التي رواها عبد الله بن عباس مع بعضها دون مراعاة للأبواب، فقد يأتي حديث في الحج بعده حديث في الطهارة، بعده حديث في الطلاق، ومثال لذلك كتب المسانيد، كمسند أحمد، ومسند أبو يعلى الموصلي، ومسند البزار وغيرها.

3- كتب مبوبة على شيوخ مصنف الكتاب: فيذكر مصنف الكتاب الأحاديث التي سمعها من كل شيخ من شيوخه، فيأتي بالأحاديث التي سمعها من أحد مشايخه متتالية بغض الطرف عن موضوعها، أو الصحابي التي رواها، وهذه كتب المعاجم، كمعاجم الطبراني الكبير والأوسط والصغير.

4- أما ما يعرف بصحيح ابن حبّان وهو كتاب الأنواع والتقاسيم فهو مرتب بطريقة غريبة لم يسبقه إليها أحد، ولم يتابعه عليها أحد، لذلك فقد قام بعض أهل العلم ممن جاء بعده، فأعاد تبويب الكتاب على أبواب الفقه حتى يسهل الوصول للحديث فيه.

لماذا يوجد أحاديث ضعيفة في بعض الكتب؟

اهتم بعض أهل العلم بجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخافوا أن يضيع شيء من أقواله وأفعاله، فجمعوا كل ما وجدوه، على أن يتم فرز هذه الأحاديث بعد ذلك، وتمييز ما صح مما لم يصح، حسب فكرة: (قمِّش ثم فتِّش) وقد قام بعضهم بذلك، وبعضهم ترك هذه المهمة لغيره من العلماء. وهذا قد يفسر لك كيف يروي أحدهم حديثًا، ويقول عنه أنه ضعيف.

وقد صنّف بعض أهل العلم كتبًا لم يروها بأسانيدهم، ولكن جمعوها من كتب الصحاح والسنن وغيرها، ككتاب مصابيح السنة للبغوي، وكتاب الجامع الكبير والجامع الصغير كلاهما للسيوطي.

وهناك من جمع أحاديث على أبواب الفقه مثلًا من بطون الكتب ولم يروها بأسانيدها، ككتاب بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام لشيخ الإسلام ابن حجر، أو أحاديث الترغيب والترهيب ككتاب الترغيب والترهيب للمنذري، فلم يرو الأحاديث بإسناده، ولكن ذكرها نقلا من الكتب الأخرى.

علم الرجال والجرح التعديل

ذكرنا أن علوم الحديث كلها تبحث في السند أو المتن، أو كلاهما، ولما كان السند هو سلسلة الرجال رواة المتن، فقد اهتم كثير من العلماء بمعرفة هؤلاء الرجال، وكيف حالهم من الحفظ والإتقان، والصدق والكذب، والقدرة على التذكر والنسيان، وأحوالهم وبلدانهم، وعمن أخذوا العلم، ومن أخذ عنهم، وصنفوا في ذلك كتبًا عرفت بكتب الرجال، وعرف العلم الذي يبحث في أحوالهم وأحوال مروياتهم بعلم الجرح والتعديل.

أما هذه الكتب والمصنفات فهي كثيرة، منها:

ما هو عام في الرجال ككتاب التاريخ الكبير للإمام البخاري.

– ما اختص برجال أسانيد الكتب الستة ككتاب الكمال، الذي هذبه الحافظ المزي وسماه تهذيب الكمال، وقد هذّب شيخ الإسلام ابن حجر كتاب المزي فأصبح تهذيب تهذيب الكمال، المعروف بتهذيب التهذيب، ثم اختصره ابن حجر نفسه في تقريب التهذيب.

– ومنها ما اختص بضعفاء الرجال ومروياتهم ككتاب الكامل في الضعفاء.

وكتب الرجال وكتب الجرح والتعديل هي التي يعرف بها من تقبل روايته، ومن تُرد روايته، وقد يكون بعضهم تقبل روايته إذا كان يروي عن فلان، وترد إذا كان عن غيره.

وهناك من الرجال من اختلف أهل العلم في قبول مروياتهم، فمنهم من قبلها، ومنهم من ردَّها، ويترتب على ذلك الاختلاف في تصحيح وتضعيف الحديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى