مقالات

رويرت فورد حصان طروادة الثورة السورية

سهيل المصطفى

صحفي وكاتب سوري.
عرض مقالات الكاتب

لطالما مَثّل السفير الأمريكي السابق في دمشق ’’روبرت فورد’’ عبر تصريحاته، الوجه الحقيقي للسياسية الامريكية إزاء ثورة الشعب السوري على النظام الأمني والمخابراتي، الذي أحال سورية إلى خراب عبر خمسة عقود مضت.

ومن يراجع  أرشيف تصريحات وسلوك السفير الأمريكي خلال وبعد أدائه لمهامه الدبلوماسية، ويربطهما بالوقائع على الأرض، لن يستغرب تلك السياسة القبيحة والمريبة للولايات المتحدة الأمريكية في سورية.

وسيجد  أن الديبلوماسي الأمريكي قد دأب طوال السنوات الثمان للثورة السورية، على الكذب والخداع بأساليب مختلفة، وأنه لعب دور ’’حصان طروادة’’ منذ البدء، ونجح إلى حدٍ كبير بأداء دوره، حينما التقى برموز الحراك الثوري السوري، ثم عمل على تثبيط معنويات الشعب السوري، من خلال إيهامه بأن ’’أمريكا’’ داعمة لثورته، ثم بتصريحاته المتناقضة، وإعلانه بأن ’’الولايات المتحدة الأمريكية’’، عاجزة عن إيقاف آلة القتل الطائفية في سورية تارة، وبأن لا أحد يريد إيقافها تارة اخرى، تلك التصريحات والرسائل التي كانت مباشرة  ومُطمئنة لنظام الأسد.

روبرت فورد: الولايات المتحدة لن تتدخل لإيقاف القصف على إدلب

في مقال للدبلوماسي الأمريكي السابق ’’روبرت فورد’’ نشرته اليوم صحيفة ’’الشرق الأوسط’’ السعودية.

قال السفير الأمريكي السابق في دمشق في مقال له في صحيفة ’’الشرق الأوسط’’ السعودية:

’’بأن صورة الأب السوري الذي حاول الوصول إلى ابنته وابنه الرضيع في ’’أريحا’’ بمحافظة ’’إدلب’’ في 24 يوليو (تموز) الماضي، بعد غارة جوية سورية روسية جديدة فظيعة، كان لها تأثير بالغ عليّ وعلى آلاف الناس حول العالم.’’

وأن مناشدة المواطنة الامريكية في معرّة النعمان للرئيس الأمريكي لكي يوقف القصف على إدلب، ’’دفعت وزارة الخارجية الامريكية لإدانة القصف’’، وكأمريكيين حري بنا أن نكون صادقين تماماً مع السوريين، فالولايات المتحدة لن تتدخل لوقف قصف إدلب.

وأضاف: ’’أنا تقاعدت عن العمل لدى الحكومة، وأستطيع التحدث بصراحة.’’

وأوضح بأنه لكي تتدخل الولايات المتحدة الامريكية فإنها تحتاج لشرعية دولية، وهذا غير متوفر بسبب تدخل روسيا والصين باستخدام ’’حق الفيتو’’ أو تحتاج لمبرر للتدخل، كاعتداء القوات السورية على أمريكا، وهذا أيضاً غير متوفر، لأن سورية لم تعتدِ على أمريكا لترد عليها.

ومسألة الحديث عن الشرعية الدولية تذكرنا بحرب العراق، حين فرضت الولايات المتحدة الامريكية منطقتي حظر جوي في جنوب وشمال العراق، ولم تستطع الولايات المتحدة الامريكية الخروج من العراق إلا بعد أن دخلت بغداد وأسقطت ’’صدام حسين’’

وأكّد أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت حظراً للطيران شمال وشرق سورية في منطقة شرق الفرات، و’’الغرض من منطقة حظر الطيران هذه هو مساعدة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تقاتل ’’داعش’’، ولا أحد يستطيع أن يحدد متى سينتهي حظر الطيران، لكن خبرتنا تقول إنها ستنتهي يوماً ما.’’

ولفت إلى أن الأمريكيين يحتلون منطقة ’’التنف’’ بالقرب من ’’مخيم الركبان’’ ليس لمساعدة النازحين في المخيم، ’’على الرغم من مسؤوليتهم عن المخيم وفقاً للقانون الدولي’’، بل لمنع ’’إيران’’ من التمدد في تلك المنطقة.

وأشار إلى أن روسيا والولايات المتحدة الامريكية قد اقتسمتا الأجواء السورية، وفي حال حلّق الطيران الأمريكي فوق إدلب، ستنشب حرباً عالمية ثالثة.

وختم السفير الأمريكي السابق في دمشق ’’روبرت فورد’’:

 ’’أن واشنطن منعت معظم المواطنين السوريين من الحصول على تأشيرات أميركية. واقترحت إدارة ترمب مؤخراً على الكونغرس حظر دخول أي لاجئ جديد، بما في ذلك السوريون. لذلك إذا كنت مواطناً سورياً، أنصحك بأمانة بألا تتوقع الكثير، ولا تنتظر جديداً من الولايات المتحدة.’’

لقاؤه مع الناشط الثوري ’’غياث مطر’’

حرصت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال سفيرها في دمشق، على التواصل مع بعض رموز الحراك المدني الثوري في مدينة ’’دمشق’’ في بداية الثورة السورية عام 2011، واستطاع السفير الأمريكي ’’روبرت فورد’’ أن يلتقي الناشط الثوري ’’غياث مطر’’ وآخرين معه، في محاولة لإظهار أمريكا في موقف المتعاطف والمساند للشعب السوري الثائر، حينها صرح ناشطون سوريون  أنّ هذا اللقاء كان فخّاً أمريكياً لإضعاف شرعية الثورة السورية، ومَنِحْ نظام الأسد الذرائع والمبررات، لاعتقال وتعذيب المشاركين في الحراك السلمي، ولاتهام الحراك الشعبي بأنه أمريكي الهوى وليس وطنياً سورياً.

أَحْدَثَ هذا اللقاء ندوباً عميقة بين من خرجوا ضد نظام الأسد، وقسمهم بين رافضٍ وراضٍ عن هذا اللقاء.

وكانت النتيجة أن قامت أجهزة الأسد الأمنية، باعتقال الناشط ’’غياث مطر’’ وتصفيته في السجن، ليقوم السفير الأمريكي مع عدد من الدبلوماسيين الغربيين، بزيارة لذوي الناشط ’’غياث مطر’’ وتعزيتهم بمقتله، وإصدار بيانات الإستنكار فقط، بعد أن وسموا الحراك السلمي بُشبهة أمريكية غربية.

زيارة فورد لمدينة حماة

بعد إيقاع ناشطي الحراك الثوري في دمشق بالفخ الأول، توجه السفير الأمريكي ’’روبرت فورد’’ إلى مدينة ’’حماة’’ في الثمن من يوليو تموز 2011، وكانت مدينة حماة قد سجّلت أرقاماً قياسية في عدد المتظاهرين في أيام الجمع، حيث بلغ عدد المتظاهرين مليون متظاهر في إحداها، واستقبله متظاهرو ’’حماة’’ بالورود والترحيب، لتشكل زيارة السفير الأمريكي لمدينة حماة، الفخ الثاني لقادة الحراك المدني ومناصري الثورة السورية، لأن زيارته أثارت جدلاً كبيراً، انقسم فيها الثوار المدنيون بين مؤيد ومعارض، ليقوم نظام الأسد وآلته الإعلامية، باستثمار تلك الزيارة لتأكيد نظريته بأن ما يجري في سورية ليس حراكاً شعبياً عفوياً، بل مؤامرة مدبرة بتوجيه أمريكي وغربي.

لكن الحقيقة التي يعرفها معظم السوريين هي أن الحراك الشعبي  كان عفوياً، لكن زيارة السفير الأمريكي لم تكن بريئةً البتة، إذ أراد الأمريكيون تكريس قناعات خاطئة لدى الثوار والرأي العام العالمي على حدٍّ سواء، كما لم يكن وصول السفير الأمريكي إلى مدينة ’’حماة’’ دون عوائق بريئاً أيضاَ، واعترف السفير الأمريكي في أيلول سبتمبر 2017، خلال  لقاء له على ’’تلفزيون العربي’’، في سلسلة حلقات برنامج ’’وفي رواية أخرى’’ أنه ذهب من دمشق إلى حماة دون ان يوقفه أي حاجز عسكري تابع لنظام الأسد!

لم يقف استثمار نظام الأسد لتلك الزيارة في الجانب الإعلامي فقط، بل وجّه أجهزته الأمنية وآلته العسكرية لاقتحام مدينة ’’حماة’’ والضرب بيد من حديد، واعتقال وتصفية كل مناصر للحراك الشعبي فيها، بعد ثلاثة أسابيع من زيارة السفير الأمريكي لمظاهرة ’’حماة’’ الشهيرة.

دعوة فورد للسوريين للتفاهم مع نظام الأسد وحزب الله!

بدأ الوجه الحقيقي للسياسة الامريكية ، وسفيرها في دمشق ’’روبرت فورد’’ يتضح  من خلال انخفاض سقف التصريحات في عام 2013، بعد مطالبة السفير الأمريكي لـ ’’المعارضة السورية’’ بالتفاهم مع رأس النظام ’’بشار أسد’’، والقبول بتغيير بعض الوزراء، واستبدالهم بوزراء يمثلون المعارضة، ثم طالبهم بالتفاهم مع ما يُسمى ’’حزب الله’’ الإرهابي.

ثم تلى ذلك تصريحه الصحفي في عام 2014 بوجود ’’القاعدة’’ في سورية، وخطرها على الأقليات في سورية، في تناغم واضح وفاضح مع تصريحات مندوب نظام الأسد في الأمم المتحدة ’’بشار الجعفري’’، ومع الآلة الإعلامية الخبيثة لنظام الأسد، والتي روّجت لهذه النظريات، منذ اليوم الأول للثورة السورية.

ثم عاد وأكّد في سبتمبر أيلول 2017، عبر تلفزيون ’’العربي’’ على وجود القاعدة في ’’سورية’’ منذ عام 2011 في سورية، أي منذ الأيام الأولى للثورة السورية، وأرجع سبب إغلاق السفارة الامريكية في دمشق 2012، لوجود تهديدات من قبل ’’جبهة النصرة’’، وليس بسبب التقصير الأمني في حماية السفارة من قبل أجهزة الأسد، بل وأثنى على تجاوب تلك الأجهزة في تأمين السفارة الامريكية في دمشق!

وكشف عن تعاون أمني مبكر في بداية الثورة بين الولايات المتحدة الامريكية والأجهزة الأمنية للأسد، وقال حرفياً:

’’نحن أعطينا الأجهزة الأمنية السورية أسماءً وصوراً لعناصر القاعدة المتواجدين في دمشق’’ وكان هذا في بداية الثورة السورية.

الولايات المتحدة لن تستخدم القوة مع الأسد

في حديث لقناة أورينت في عام 2012، قال السفير الأمريكي:

’’نحن لن نقدم السلاح للجيش السوري الحر، لأننا نأمل أن تُحلّ القضية السورية سلمياً، وأن يحصل انتقال سياسي للسلطة’’

وأضاف: ’’بأننا نأسف للضحايا الذين سقطوا جراء استخدام نظام الأسد للقوة’’

لابُدّ  هنا من التذكير بأنه لم يكن في الثورة السورية أيّ وجه ديني أو مذهبي في عام 2012، وأن نظام الأسد كان على شفا جرف هارٍ، آيلاً للسقوط في أي لحظة، ولو امتلك الثوار السلاح النوعي آنذاك، لقلبوا الطاولة على نظام الأسد خلال شهور قليلة فقط، لكن الثوار اعتمدوا حينذاك على ما اغتنموه من ميليشيات الأسد، وأرادوا دخول مدينة ’’دمشق’’ واقتحامها للوصول إلى القصر الجمهوري، لكن الأمريكان وحلفائهم رفعوا ’’الفيتو’’ على اقتحام ’’دمشق’’ العاصمة، واعتبروها خطّاً احمراً يمنع تجاوزه.

في مارس آذار 2014 نقلت صحيفة ’’كريستيان ساينس مونتيور’’ الأمريكية، عن ’’روبرت فورد’’ خلال كلمة ألقاها في جامعة ’’تافت’’:

’’لو استخدمنا القوة ولم تنته الحرب الأهلية.. فسيقول الناس ‘ماذا ستفعلون؟’ وستنتهي بتصعيد الوضع، وهذا هو الأمر الذي يجعل الرئيس يتأنى.’’

وأضاف: ’’أعتقد أنه يريد معرفة ماذا سنحقق إن بدأنا، وكيف نسيطر وأين سنذهب’. وأكد فورد أن الرئيس أوباما لا يخشى من استخدام القوة، مشيرا إلى أنه ‘انتهز الفرصة وحصل على نتائج جيدة مع بن لادن’.

قصارى القول أن ’الولايات المتحدة الأمريكية’’ لم تكن في يومٍ ما مع قضايا الشعوب التحررية، بل كانت على الدوام حُامية لمصالحها، ولو على حساب كل القيم الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى