مقالات

تركيا مالها وما عليها في إدلب؟

العقيد محمد فايز الأسمر

خبير عسكري سوري
عرض مقالات الكاتب

ربما أن السؤال الذي يتردد على وسائل التواصل الاجتماعي عن أسباب القصف الجنوني و الهستيري وجرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين التي يقوم بها طيران النظام ومدفعيته بالاشتراك مع طيران المحتل الروسي، وعن سبب استخدامهم المفرط لكل هذه الكتلة النارية على إدلب والمنطقة العازلة ، حيث تستخدم كافة أنواع أسلحة القتل والتدمير، وكذلك الذخائر المحرمة والتقليدية ، هذا القصف الهستيري يطال وبشكل يومي ودموي المحافظة ومحيطها ،وريف حماة الشمالي ومحور الكبانة ومحيط جبل الأكراد، يتزامن هذا السؤال مع كلام يتداوله ناشطون  يقال فيه إن هناك اجتماعًا عسكريًا رفيعًا قد عُقد قبل أيام في مدينة تل رفعت شمالي حلب والتي تسيطر عليها قسد بين قيادات عسكرية تركية وأخرى روسية ، طالبت من خلاله تركيا موسكو تسليمها تل رفعت لإعادة أهلها إليها ، وهذا يأتي كما يتردد إرضاءً لفصائل درع الفرات ، وغصن الزيتون لاستخدامهم لاحقًا في معركتها شرقي الفرات ضد ميليشيا قسد المدعومة أمريكيًا ، وقد اشترط الروس لتنفيذ ذلك أن يكون هذا الأمر على شكل مقايضة بأن تسعى تركيا وبنفوذها على الفصائل لتسليمهم جبل التركمان من محور كبانة وصولاً لريف حلب الغربي، أي قطاع بعرض 6 كم .

 تركيا وحسب المنشور وافقت على ذلك، ولكنها اصطدمت برفض فصائل غرفة عمليات الفتح المبين لأي تنازل ولو عن شبر واحد لاحد، ولذلك وبحسب مروجي هذه الأخبار فإن كل هذا القصف والإجرام والحملة الجوية الروسية على المدنيين هي لتركيعهم، وإجبار الفصائل على القبول بالشرط الروسي متناسين أن الروس ومنذ تدخلهم لدعم الأسد لم تكن طائراتهم يومًا ترمي الزهور على أهلنا والألعاب لأطفالنا!  للأسف هذا كلام جزء منه حقّ ولكن بمجمله وغاياته يُراد به باطل وفتنة وتأليب الرأي العام على تركيا من الحاضنة الثورية.

ما أودناه من خبر يتردد  ليس بجديد ، وقلناه في تحليلات سابقة بأنه ولعدم قدرة النظام وميليشياته من استعادة السيطرة المباشرة على أية منطقة خرجت عن سيطرته  فالعقيدة القتالية الروسية ومنذ تدخلها عام 2015 تعمد لاستخدام سيناريو “غروزني” فهمي تعتمد أسلوب الضغط على الحاضنة ليضغطوا بدورهم على الفصائل للاستسلام مكرهين، وهذا يأتي من خلال إرهاب المدنيين، والتضييق عليهم أمنيًا ومعيشيًا بالقصف التدميري الذي يطال أملاكهم والبنى التحتية لبلداتهم من مستشفيات ومدارس وأسواق وارتكاب المجازر بحقهم مثل كل المناطق التي استعادوها سابقا كوادي بردى أو داريا أو المعضمية والغوطة ودرعا وغيرها… الأمر الآخر فان روسيا تعي جيدا أن الأسد لم يعد يملك قوات اختصاصية ضاربة تملك القدرة والجرأة العسكرية لاستعادة أي منطقة من المناطق وباقل الخسائر دون سياسة الإجرام والأرض المحروقة … ختاما وبالمحصلة وبغض النظر عن حقيقة عقد هذا الاجتماع والذي قيل انه عقد قبل أيام وقرن فيه أن سبب الإجرام الروسي مرده لفشل تركيا بإنجازها لما ذكر، ما يوجب أن نذكر مروجي هذه الادعاءات أن الإجرام المتبع والمجازر المرتكبة بحق المدنيين في المنطقة العازلة في إدلب وبلداتها والريف الشمالي لحماة واللاذقية وسهل الغاب وجسر الشغور قد دخل شهره الرابع ، وليس قبل أيام فقط ، و لم يكن استثناءً وإنما هو نهج روسي دموي اتبع ومنذ تدخلهم لاستعادة كل المناطق المحررة بغية تأديب السوريين، وإفشال ثورتهم وإعادة كافة الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام كما يصرح بذلك المسؤولون الروس.

وأيًا يكن الموقف التركي، فمشروع المقايضة الذي نوه عنه خلال الاجتماع المعقود بين روسيا وتركيا بإعطاء تركيا تل رفعت مقابل إعطاء جبل الأكراد للروس لا يتقبلها المنطق، ولا مصالح تركيا وديمومة نفوذها وقوتها على الأرض وذلك للأسباب الآتية:

1-         محور الكبانة وجبل الأكراد وصولاً لجسر الشغور تسيطر عليه “الفصائل الجهادية” ومنها حراس الدين وأجناد القوقاز، وتنظيم الحزب الإسلامي التركستاني ولا قبل لتركيا بإجبارهم أو التأثير عليهم بالانسحاب منها.

2-         من غير المقبول تكتيكيًا لتركيا أو الفصائل إن صدق هذا الادعاء مقايضة تل رفعت بتلك المنطقة الاستراتيجية المهمة من جبل الأكراد والذي سيضع الفصائل في إدلب بين فكي كماشة ،وتطويق جزئي وستهدد مناطقهم في ريف حلب الغربي ،وستكشف ناريًا تحركات الفصائل في سهل الغاب والريف الشمالي الغربي لإدلب ناهيك أنه سيضيق جغرافية الحركية أو المناورة المحمية للفصائل دفاعًا وهجومًا وفقدانًا للعمق القتالي وبالتالي تهديدًا مباشرًا وإيذانًا بسقوط محتمل لباقي مناطق وبلدات إدلب وريف حلب الغربي و لاحقًا غصن الزيتون(عفرين) ودرع الفرات ( من أعزاز حتى جرابلس) وتوضع تحت التهديد المباشر، وهذا معناه إضعافًا لورقة مهمة للنفوذ التركي في القضية السورية وهذا بتصوري مالاً تبحث عنه تركيا أقلها في الوقت الحاضر .

3-         إن تلك المنطقة الجبلية الوعرة من جبل الأكراد ومحور الكبانة هي عقدة المنشار بالنسبة للروس والنظام، والثقب الأسود لاستنزافهم المستمر والتي تكبدهم وبشكل شبه يومي خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، فكيف يتم التفريط بها وجعل مناطق الثوار خاصرة رخوة ستتهاوى وكما أحجار الدومينو؟

4-         يجب ألاّ ننسى أيضًا أن تركيا تقوي و توفر أسباب الصمود للفصائل من سلاح وصواريخ وذخائر لصد قوات النظام وميليشياته وتعدياتهم على مناطق هي ضامن لها حسب اتفاق سوتشي وتتموضع حولها نقاط مراقبتهم و التي لم تسلم من تعديات النظام وتجاوزاته ، استنادا لما ذكرناه لا يمكن لتركيا عمليًا أن تضعف أوراقها بالملف السوري ، وتهدد مصالحها وأمنها القومي بمثل تلك المقايضة الهزيلة لجبل الأكراد الاستراتيجي بتل رفعت والتي لاتسمن ولا تغني من جوع على الأرض وبالتالي نستنتج أن هذا الاجتماع أو الذي طرح فيه ودار ما هو إلا ادعاءات إعلامية مغرضة لا تخرج من عباءة النظام والروس و أبواقهم لتشويه صورة تركيا لدى جمهور وفصائل الثورة والتي وقفت تركيا وحسب المستطاع لجانبها طيلة 9 سنوات ولاتزال !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى