مقالات

تبقى أريحا ويفنى الغزاة

سهيل المصطفى

من يزور مدينة أريحا بعد القصف الوحشي الذي تعرضت له، من طيران الأسد والاحتلال الروسي، سيجدها على وشك أن تصبح خاوية على عروشها!

فالغارات اليومية والمجازر المستمرة، دفعت الكثيرين من سكانها للنزوح إلى مناطق أكثر أماناً لو وجدت!

أُغلقت المحال التجارية، وخلت الشوارع من السكان، ولن يجد زائرها إلا بعض المدنيين وطواقم الإسعاف المُتأهبة لحدوث أي طارئ!

في ظلّ السكون المريب الذي يقطعه أزيز الطائرات بل نعيق الغربان الروسية التي تُحلّق عالياً باحثة عن فريسة تنقَضُّ عليها، يتبادر إلى ذهن المراقب سؤال مُلح، وهو:

أين السبعون ألفاً من سكانها، والعشرون ألفاً من ضيوفها النازحين الهاربين من إجرام الأسد وبوتين، الذين ظنّوا في غفلة من الزمن، أنهم سيجدون ما افتقدوه من أمان في مناطقهم، في هذه المدينة التي أصبحت منكوبة، كمعظم الجغرافية السورية دون استثناء.

أريحا السورية أضحت أسوأ حالاً من شقيقتها “أريحا” الفلسطينية المحتلّة، الشقيقة الفلسطينية التي تراقب بدهشة أختها المنكوبة، وتدعو لها وتُشفق على حالها، وتتساءل باستغراب: هل من يحتلُّ الشام أكثر إجراماً ممن يحتل فلسطين؟

لن يجد زائر أريحا السورية إلّا كُتلاً إسمنتية مُدمرة، وأبنية متداعية، وخراباً يُحاكي “روما” بعد حريقها، و “بغداد” بعد نكبتها المغولية!

ولن يُصدّق أن هذه أريحا، المدينة الأثرية التي وُلدت قبل خمسة آلاف عام، وكانت ما قبل الميلاد في العهدين الروماني والبيزنطي مركزاً دينياً يتبع لأنطاكيا، وكانت في أوج ازدهارها التجاري والسياسي ما بين 240 و350 قبل الميلاد!

المدينة التي كانت تضجُّ بالحياة والفرح والسرور، وتصبغ كل عصر مرّت ومرّ بها بأريجها العطر، وما أسماها الآراميون “أريحا” إلا لعطرها الفوّاح وفوّاحها الزكي.

المدينة التي فتحها الصحابي الجليل “عمرو بن العاص” في عام 637 ميلادياً، فأصبحت بمساجدها التاريخية مَعلماً لا يستطيع أن ينكره الغزاة والجاحدون!

تلك المدينة التي تتمتع بطبيعتها الخلابة، وخضرتها الجذّابة، وينابيعها الوافرة وأشجارها الوارفة، أحالها اليوم (آل الأسد) وحلفاؤهم يباباً!

وأصبح من بقوا فيها اليوم منشغلين بدفن قتلاهم في مقابر جماعية، وانتشال جرحاهم من تحت ركام الإسمنت المسلح، ومراقبة السماء متوجسين من الغربان السود الغادرة، التي تنقضُّ على الآمنين بلا رحمة.

أريحا كانت وما زالت قلعة للحرية والأحرار، وموئلاً لطُلاب العزة والكرامة، ومخرزاً في عيون الطامعين، وأيقونة من أيقونات الثورة السورية، ونجماً يَستدلُ به طُلاب العلا والمجد.

هذه أريحا وهذا ما كانت، ونسيت أن أقول لكم:

ستبقى أريحا ويفنى الغزاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى