مقالات

الحل القانوني لتدخل الأمم المتحدة ضد النظام السوري بعيدا عن الفيتو الروسي

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

إن الانتهاكات الصارخة التي يشاهدها العالم كل يوم بحق الشعب السوري من جرائم يندى لها ضمير الإنسانية. حيث القصف والاعتقالات والبراميل وجرائم الروس تمضي كل يوم منذ 9سنوات ولم يقف أمامها أي رادع دولي. وبالنظر إلى أن مجلس الأمن وهو الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة من المفترض أن يلعب الدور الأعظم والأهم في العالم للتدخل الإنساني في إسناد الشعوب ضد الانتهاكات الانسانية وجرائم الحرب كونه جهازا مختصا بتحقيق الأمن والسلم الدوليين.

إلا أنه لم تكن قرارت مجلس الأمن مصيرية لمعالجة الوضع السوري المتردي. فمن يبغي التحدث عن السلم والأمن الدوليين فلن يجد شعبا يستحق الأمن والسلم الدوليين كالشعب السوري. لذا كان يجب أن يكون لمجلس الأمن دور حقيقي واقعي خادما لمصلحة الشعب السوري ضد آلة الحرب والدماء والدمار، المستخدمة من قبل النظام ومعاونيه ضد معارضيه. إذ فشل 12 عشر قرارا لمجلس الأمن في أن تدين النظام السوري وحلفاءه الدوليين بارتكاب مجازر بحق الإنسانية، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا بسبب الفيتو روسي على المسائل الموضوعية التي تخص الشأن السوري، حيث أن اغلب القرارات التي مررها مجلس الأمن كانت قرارات غير دائنة للنظام وغير مصيرية لتحقيق نفع للشعب السوري. فجرائم الحرب التي ارتكبت كانت واضحة للعيان على مدار سنوات فكانت كلها خارقة للقوانين والاتفاقيات الدولية التي تخص القانون الدولي ابتداء من الخروقات الواضحة لميثاق الامم المتحدة الذي اخذت نصوصه مرارا وتكرارا بالنص على عدم جواز استخدام القوة والقيام بالانتهاكات الانسانية وعدم مساعدة  أي آلة أو نظام عنصري يهدد السلام العالمي والخروقات الكثيرة  للاتفاقيات الدولية  كاتفاقيات لاهاي 1899, 1907, واتفاقيات جنيف الاربع 1994 والملحقين 1977 , واتفاقية حظر استخدام الأسلحة التقليدية1980, واتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيمياوية 1993……  . وغيرها الكثير من الجرائم العابرة للقوانيين والقواعد الدولية، ومهددة للسلم والأمن الدوليين. فلم يجد مجلس الأمن طريقا قانونيا  يستخدم به ضد النظام عقوبات وفقا للفصل السابع الرادعة لمرتكبي الانتهاكات الانسانية , وكان  مكتفي بانتظار مفاوضات بائسة كاذبة قادها كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي ودي مستورا الذين وقفو بالنظر الى الاحداث ماذا ستثمر وكل ذلك يمضي بأرواح الابرياء من الاطفال والنساء دون تحرك دولي حقيقي .اذ لو فعل المجلس دوره بشكل واقعي ضمن اختصاصه لكان هنالك عدة حلول تمضي بالشعب الى حال افضل مما وصل اليه الان  , ففشل مجلس الأمن الانحياز إلى الشعب السوري  يعد من ضمن الحلقات الكبيرة التي اوقعته بهذا المستنقع الاجرامي اذ حققت روسيا 6 فيتو ضد قرارات كانت تدين وبأدلة دامغة النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية  وآخرها كان 10 ابريل 2018 , وحين ننظر إلى قرارات مجلس الأمن بخصوص الأسلحة الكيمياوية ( 2209, 2235) لسنة 2015 نجد هنالك تناقضا كبيرا وقع فيه مجلس الأمن إذ في القرارين وتحديدا بعد احداث الغوطتين كان مجلس  يدين ويحذر من استخدام الأسلحة الكيمياوية  ودعا لتشكيل اللجان حول التحقيق في استخدام هذه الأسلحة ولكن نجد التناقض انه حين اسبغت الادلة على النظام وحلفائه باستخدام السلاح الكيمياوي ضد الشعب السوري لم يقدم المجلس على إضفاء أي قرار يعاقب عليه الفاعلين على الرغم من أن هنالك خرقا واضحا للسلم والأمن الدوليين .

ولو نظرنا قانونا لماذا لم يستطع مجلس الأمن التدخل الإنساني كما فعل في كثير في قراراته من تفعيل عمليات حفظ السلام ضد مرتكبي الجرائم الإنسانية في سوريا؟

الجواب كانت قرارات مجلس الأمن التي تخص إدانة النظام وحلفائه غير مكتملة بسبب نصاب التصويت على المسائل الموضوعية في المجلس الذي يفرض بموافقة أغلبية الأعضاء بضمنهم الدول الخمس دائمة العضوية لتتحقق الإدانة. والتي كانت تقف روسيا والصين بالضد من هذه القرارات كونهما دولتين من دول دائمة العضوية. وهذا ما يسمى حق النقض (الفيتو) فبقي مجلس الأمن مجرد متفرج أمام أجرم آلة دموية ضد شعبه.

إن من ينظر إلى وضعية مجلس الأمن من حيث التكوين والتصويت فأنه يجد العذر القانوني بعدم استخدام المجلس لصلاحياته في الوقوف بوجه النظام وحلفائه. ولكن في الحقيقة الأمر غير ذلك. فمنظمة الأمم المتحدة قد عبرت بكثير من مواقفها ونشاطها الحقيقي لمحاولة التدخل إنسانيا رغم فشل قرارات مجلس الأمن بسبب نظام الفيتو.

وهذه النشاطات الاستثنائية كانت تكون عبر جهاز الجمعية العامة  من خلال إنشاء جهاز ( جمعية الاتحاد من أجل السلام ) المنبثقة من الجمعية العامة  للأمم المتحدة والتي تتكون من جميع دول الاعضاء بمندوب واحد وتنعقد جلساتها بصور استثنائية كلما دعت الحاجة الى ذلك عند عدم انعقاد الجمعية العامة في دور انعقاد عادية للنظر في التدابير اللازمة بشأن الحالات التي تهدد السلم والأمن الدوليين في حال عجز مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار بشأن هذه الحالات وبالتالي يكون لهذا الاتحاد اختصاصات مقاربة لاختصاص مجلس الأمن بشرطين :

 الأول، وجود نزاع أو موقف يهدد السلام والأمن الدوليين

 الثاني، عجز مجلس الأمن من أن يتخذ قرارا بشأن هذه الحالة.

أنشأ هذا الاتحاد الذي يغفل عن نظامه الكثير عام 1950 أثناء المسألة الكورية. كان الاتحاد السوفياتي قد قاطع جلسات مجلس الأمن في الفترة من 13 يناير (كانون الثاني) 1950 وحتى أوائل شهر أغسطس (آب) من العام نفسه، بسبب اعتراضه على رفض قبول عضوية الصين الشعبية بالأمم المتحدة، وممارستها لدورها عضوا دائما في مجلس الأمن بدلا من الصين الوطنية التي احتلت المقعد الدائم المخصص للصين الشعبية. وأثناء فترة غيابه ومقاطعته جلسات المجلس استصدرت الولايات المتحدة الأميركية قرارا من مجلس الأمن بتاريخ 25 يونيو (حزيران) من العام نفسه، جاء فيه: «إن قوات كوريا الشمالية لم تنصع بأوامره الخاصة بوقف القتال والانسحاب إلى الشمال، وأنه لذلك يوصي أعضاء الأمم المتحدة بأن يقدموا لجمهورية كوريا كل مساعدة لازمة لدفع العدوان المسلح لإعادة السلم والأمن الدوليين في المنطقة إلى نصابه».

وفي الثالث من أكتوبر (تشرين الأول)، أصدر مجلس الأمن قرارا خول نفسه استباقا لصدور فيتو روسي، صلاحية إصدار توصية إلى الجمعية العامة لتتخذ الإجراءات الكفيلة بإنقاذ السلم والأمن الدوليين، في حال تهديدهما، أو مساهما به عن طريق عدوان، أو بأي شكل كان. واقترح المجلس في توصيته بأنه إذا لم تكن الجمعية العامة في حالة اجتماع فإن عليها أن تجتمع في غضون 24 ساعة بدعوة من مجلس الأمن أو أغلبية أعضائها.

ومن أجل إنقاذ السلام، أصدرت الجمعية العامة قرار الاتحاد من أجل السلام، ويعتبر هذا القرار من صنع الدول التي كان لها النفوذ الكبير في الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك الوقت، أبرزها بالتأكيد الولايات المتحدة. وكانت المرة الأولى، التي استخدم فيها القرار بعد إصداره، العدوان الثلاثي على مصر والدعوة إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية (فرنسا وبريطانيا وإسرائيل)، عندما أنشأت الجمعية العامة في عام 1956 قوة الطوارئ الأولى التابعة للأمم المتحدة. إذ لم يتم إلغاء هذه الجمعية إلى اليوم.

التساؤل: لماذا لم تقم الدول الصديقة للشعب السوري والدول العربية المعادية للنظام بالاتجاه الى الجمعية العامة بعد فشل مجلس الأمن الخروج بقرارات تحقق الأمن والسلم في سوريا. فمضي 9سنوات على الفيتوات الروسية وتجميد صلاحية مجلس الأمن باتجاه الأزمة السورية وعدم إدانة النظام. كان الأولى بأمريكا وغيرها وفرنسا والدول العربية التي لها وقعها داخل الأمم المتحدة. القيام بجهود لاستحصال موافقة ثلثي اعضاء الجمعية العامة وتدعو الى انعقاد الاتحاد العالمي لأجل السلام وتستطيع من خلاله تنفيذ بنود تخص الفصل السابع لردع النظام السوري عن جرائمه الوحشية بمجرد موافقة الأغلبية البسيطة كما حدث في قرار العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

فالاتحاد العالمي من أجل السلام هو الحل الوحيد للأمم المتحدة ومجلس الأمن للخروج من عباءة الفيتو الروسي إن أرادوا إيقاف آلة التدمير والدماء التي تقوم كل يوم بجرائم يندا لها ضمير الإنسانية. وتستطيع من خلاله إرسال قوة حفظ السلام إلى إدلب. اليوم ومن خلال هذا الاتحاد أعتقد بأنه يستطيع إنشاء محكمة دولية بحق مرتكبي جرائم الحرب في سوريا كما عملت من قبل الأمم المتحدة في إنشاء محكمتي يوغسلافية وراوندا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى