دين ودنيا

التيسير في الرمي

د. سلمان العودة

عرض مقالات الكاتب

من التيسير: ما يتعلق برمي الجمار.

وهو واجب عند الجمهور؛ لفعل النبي ﷺ، وقوله: «خذوا عني مناسككم». وقوله صلى الله عليه وسلم، وقد التُقِطت له حصيات مثل حصى الخذف: «أمثال هؤلاء فارموا».

وهو سنة مؤكدة في إحدى الروايات عن مالك، وقول لعائشة رضي الله عنها. والراجح الوجوب.

1- التيسير في موضع الرمي:

موضع الرمي هو: مجتمع الحصى الذي تتكوم فيه الجمار، سواء الحوض أو ما يحيط به مما تكون فيه الأحجار، والحوض لم يكن في عهد النبوة، ولا الخلفاء الراشدين، وقد اختلف في وقت بنائه، هل كان في عهد بني أمية، أو بعد هذا؟ وقد كتب فيه المتخصصون.

وهنا يقول الإمام السرخسي الحنفي رحمه الله: «فإن رماها من بعيد، فلم تقع الحصاة عند الجمرة، فإن وقعت قريبًا منها أجزأه; لأن هذا القدر مما لا يتأتى التحرز عنه، خصوصًا عند كثرة الزحام، وإن وقعت بعيدًا منها لم يجزه».

وهذا كلام نفيس؛ خصوصًا في هذه الأيام التي تحوَّل رمي الجمار فيها إلى مشكلة عويصة، وقلّ عام إلا ويسقط العشرات، بل المئات تحت الأقدام صرعى، ويُنْقَلون جُثَثًا هامدة!

وهذا عار يلحقنا جميعًا نحن المسلمين، ويجب علينا حكامًا وعلماء وعامة أن نجاهد في سبيل تلافيه وتداركه.

ولست أدري كم يلزم أن يموت من المسلمين حتى نستيقظ ونتفطن ونغار على أرواحهم ونضع الأمر في نصابه؟!

فما بال أقوام يغارون على فرعيات جرى الخلف فيها، ويغمضون عن كليات جرى الجور عليها.

إن موت المسلم عند الله عظيم، فكيف في مثل هذه المواضع المباركة التي يأمن فيها الطير!

 وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: رأيت رسول الله ﷺ يطوف بالكعبة ويقول: «ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك؛ ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرًا».

وقال صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم».

أفلا ترى- أخي المفتي- أن الحِفاظ على الدماء وعلى حياة الناس أولى بالرعاية وأحق بالتذمم!

ولِـمَ يتفاخر قوم أن قد رمينا وأيدينا على الحوض؟!

أفرمى النبي ﷺ ويده على الحوض؟

في أي كتاب هذا؟ ولم يكن يومئذٍ حوض كما ذكرنا.

ومقصد الرمي ظاهر، كما في قول عائشة رضي الله عنها: «إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله».

فأين مِن ذكر الله مَن هو مشغول بنفسه، وطالب لنجاته في وسط طوفان من الناس، ماجوا وهاجوا واختلطوا، حتى لا يملك الواحد منهم من أمر نفسه شيئًا، وتحتهم أكوام من الأحذية والملابس والحجارة، والجثث أحيانًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إنني أعلم يقينًا- والله أعلم- أنه لو رأى النبي ﷺ كثرة الحجيج وإهلالهم من كل فَجًّ، لَسَرَّه ذلك، ولكن لو رأى هذه الفوضى- خاصة عند الجمرات- واضطراب أمر الناس والاقتتال، لساءه ذلك؛ لأنه خلاف هديه وسنته، والله المستعان.

والتأكيد في بعض هذه الفروع قد يسبب الوسواس؛ فيشك الحاج هل رمى ستًّا أو سبعًا، هل سقطت في الحوض أم لا؟

وربما أرهقه ما يسمع من التشديد إلى التردد على المرمى؛ لأنه شك في حصاة هل وصلت أو نقصت؟

وقد أخرج النسائي وغيره عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «رجعنا في الحجة مع النبي ﷺ، وبعضنا يقول: رميت بسبع حصيات. وبعضنا يقول: رميت بست. فلم يعب بعضهم على بعض».

في حين نجد من المصنفين في الفقه من قال: لو خطفها طائر… فما هذا الطائر الحاذق يخطف حصاة في الهواء؟

ومنهم من يقرر: لو وقعت الحصاة على الأرض، فضربت حصاة أخرى، فطارت الأخرى ووقعت في المرمى!!

إلى غير ذلك من الافتراضات والتشقيقات التي لم ترد في كتاب ولا سنة ولا هدي صاحب.

من كتاب “افعل ولا حرج” للدكتور الشيخ “سلمان عبدالله العودة” ص 17- 19

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى