بحوث ودراسات

معركة ميسلون 24 تموز 1920م

عامر الحموي

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

بعد خسارة الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى وتقاسم بريطانيا وفرنسا المشرق العربي عبر اتفاقية سايكس بيكو 16 أيار 1916، واحتلال الحلفاء للساحل الشامي، حيث وقع كل من لبنان والساحل السوري تحت الاحتلال الفرنسي وباقي المشرق العربي كان من نصيب الهيمنة البريطانية، وأصبحت حكومة دمشق تحت حكم فيصل بن الحسين تتبع النفوذ الفرنسي حسب اتفاقية سايكس بيكو، حيث تخلت بريطانيا عنه.

وكانت مدينة الموصل -التي وقعت تحت الاحتلال البريطاني- تتبع الحكومة الداخلية في دمشق، وعند اكتشاف النفط فيها رفضت بريطانيا أن تتنازل عن الموصل فقايضت فرنسا عليها بالسماح للأخيرة باحتلال كامل سوريا الداخلية. وأرسلت فرنسا إنذارها الشهير بـ “إنذار غورو (14 تموز 1920)”.

وبناءً على تَحرُّج الموقف بين الحكومة في دمشق والسلطة الفرنسيّة في بيروت، أصدرت الحكومة السورية قراراً بتأييد الإدارة العرفية المُستمرّة في 15 حزيران 1920، وذلك بناءً على خطورة الموقف ولزوم انصراف الأُمّة لواجب الدفاع ضدّ الأخطار المُحدِقة بها.

عقدت حكومة دمشق برئاسة الملك فيصل بن الحسين اجتماعاً في 20 تمّوز لوضع نصّ الكتاب الجوابي المفصّل الذي سيرسل إلى غورو طبقاً لاقتراحه الوارد في برقيته الأخيرة (19 تمّوز) بعد الموافقة على إنذاره. واستغرقت الجلسة نحو ثلاث ساعات، وفي الساعة السادسة مساءً ذهب ضابط الارتباط الفرنسي كوس إلى البلاط بناءً على برقيّةٍ تلقّاها من فيصل يسأله عمّا استقرّ الأمر عليه، حيث استلم الردّ هناك وهو مكتوب طبقاً لاقتراح غورو، فأرسل برقية في الساعة السابعة والنصف مساءً جاء فيها أنّ فيصل وقّع جواب القبول، وأنّه تسلّمه، ورسله بالبريد.

لقد كان مُتوقَّعاً أن يقف الجيش الفرنسي عن الزحف وينتهي الأمر بعد موافقة فيصل على شروط غورو، لكن عدم وصول البرقية إلى غورو في الوقت المعيّن -أي قبل منتصف الليل- غيّر الحالة، حيث أصدر غورو أوامره في 21 تمّوز بتقدّم الجيش الفرنسي نحو دمشق (1).

وتقدّمت القوّات الفرنسية مُنطَلِقةً من شتورة وزحلة نحو مجدل عنجر ثمّ دخلت وادي الحرير متوجّهة في طريقها نحو دمشق، حيث لم تلقَ أيّة مقاومة، بسبب تسريح الجيش السوري وسحبه من مجدل عنجر. وعلى إثر ذلك استدعى فيصل كوس في صبيحة ذلك اليوم واستفسر منه عن الأمر. فأظهر كوس حَيرةٍ شديدة، ووعد بالسفر حالاً من أجل استجلاء الموقف، والسعي لإيقاف القوّات الفرنسية.

في هذه الأثناء قرّرت الحكومة توقيف عملية تسريح الجيش، وأرسلت الأوامر التي تَنصُّ على بقاء الوحدات في الأماكن التي وصلت إليها في انتظار أمور جديدة تصدر إليها.

   وعندما عاد كوس بعد الظهر، أخبر فيصلاً بأنّ البرقية “قد تأخّرَ وصولُها إلى الجنرال غورو، بسبب انقطاع الأسلاك في جهات سرغايا؛ فأصدر الجنرال أمر الزحف قبل وصول البرقية إلى يده” (2). واقترح كوس إيفاد أحّد رجال الحكومة للتفاهم مع غورو في هذا الأمر (3).

لقد كان رجال الأحزاب والجمعيات واللّجان الوطنية أبعدَ نظراً من فيصل وحكومته عندما أكّدوا أنّ فرنسا مُصمِّمة على احتلال سوريا والقضاء على الحكم العربي فيها، وتأكّد فيصل من ذلك وحاول إصلاح خطئه بإعلانه الجهاد ولكنّ الجيش السوري كان قد سرّح، وكان فيصل نفسه هو المسؤول عن تسريح الجيش (4).

– إعلان الحرب والتعبئة العامة:

حاول فيصل وحكومته تجميع جيش جديد عن طريقين: الأوّل، زار فيصل جموع المتطوّعة وحثّهم على الجهاد، حيث جمع القادة ورؤساء الأحزاب وبلّغهم أنّه أعلن الحرب رسمياً على الفرنسيين، وطلب نشر الخبر في الصحف (5). الطريق الثاني، استدعى فيصل رئيس اللّجنة الوطنية الشيخ كامل قصّاب وخاطبه بقوله: “لقد نزلتُ أنا وحكومتي على الرغبة التي طالما ناديتم بها لمقابلة العدوان بالقوّة وقَبِلت قولكم بأنّ القوى الوطنية مُستعدِّة للاضطلاع بتلك المهمّة، فهيّا أرنا همّتك وعلى الله التوفيق” (6).

وبعدها صعد فيصل منبر مسجد بني أميّة وخاطب النّاس قائلاً: “أردت أن أردّ عنكم زحف جيش الأعداء بإجابة مطالبهم فلم يرتدّوا! فإن كنتم في حاجة إلى بلدكم فاخرجوا للدفاع عنه”. وحينئذ بادر الأهالي –بإرشاد اللّجنة الوطنية العليا- إلى حمل السلاح والخروج إلى لمحاربة الفرنسيين (7).

وأذيعت ثلاثة مناشير لإعلان الحرب على الفرنسيين الأوّل صادر عن فيصل والثاني عن قيادة الجيش العامّة والثالث عن الحكومة السورية (8). وقامت قيادة الأمن والجيش بجمع عددٍ من الجنود الذين سُرّحوا من قَبْل، وتمّ إرسالهم على الفور إلى ميسلون للدفاع عن البلاد، ونادى منادي الجهاد في دمشق، واستقبل الأهالي ذلك بالحماس وسارع فريقٌ منهم إلى ميسلون لمواجهة الفرنسيين وكان بعضهم يحمل البنادق والآخر المسدسات والبعض العصي بدون مؤن أو عتاد (9).

وبالرّغم من ذلك فضّل فيصل وحكومته مفاوضة الفرنسيين على الحرب، ووقع اختيار الوزارة على وزير المعارف ساطع الحصري للاتّصال بالفرنسيين، وكلّفه فيصل برسالة الإيفاد، مُزوِّداً إيّاه ببعض التوجيهات. ويقول الحصري “في هذه الأثناء، اقترب منّي يوسف العظمة، وهمس في أذني قائلاً: أنا ذاهب إلى الجبهة لإعادة تنظيم الجيش على قدر الإمكان؛ فأرجو أن تعمل على إكسابي أكثر ما يمكن من الوقت…” (10).

وجرى حوار مطوّل بين غورو والحصري، كانت حجّة غورو فيه عن تقدّم الجيش الفرنسي، هو تأخّر وصول البرقية نصف ساعة، وبما أنّ الجيش الفرنسي تحرّك، فلا يستطيع أن يُوقِفَه إلا في نقطة جديدة آمنة. وأظهر غورو عدم ثقته بالمسؤولين في دمشق، ولهذا طلب ضمانات جديدة، ما هي إلا تعجيزاً لفيصل وحكومته، ومن أجل الوصول إلى نقاط أقرب إلى دمشق بدون قتال. وتتلخّص هذه الضمانات التي طلبها غورو من ساطع الحصري: أن تذيع حكومة دمشق بياناً تَعذُر فيه الزحف الفرنسي، وأن تجمع السلاح من أيدي المسرّحين والأهالي، وأن تقبل فوراً بعثة فرنسية تشرف على تنفيذ الشروط الأولى وعلى نزع السلاح وجمعه، وتُؤسِّس فروع للمراقبة الفرنسية الانتدابية للشؤون العسكرية والإدارية والاقتصادية والتعليمية، وقد احتوت هذه الشروط الجديدة فقرة تجعل القوّات الفرنسية أحراراً في التقدّم إلى أيّ مكان إذا لم تنفّذ أيّة مادّة من الشروط، أو إذا ظهر موقف عدائي للقوّات الفرنسية. ولقد استطاع الحصري وزملاؤه تمديد المهلة يومين إضافيين لتبليغ الشروط الجديدة. ومع هذا رجع الوفد وهو مقتنع بأنّ غورو صمّم نهائيّاً على احتلال سوريا الداخلية والقضاء على أوّل حكومة عربية فيها (11) (في العصر الحديث). وفي 23 تمّوز، استمعت الوزارة برئاسة فيصل إلى الحصري ومقابلته مع غورو، وأخبرهم أنّ الجيوش الفرنسية سوف تزحف إلى دمشق إذا لم يُرَدَّ على شروط غورو قبل منتصف الليل (12).

ورأى فيصل تشكيل وزارة عسكرية أو مدنية يرأسها عسكري نظراً لحراجة الموقف، واتّجهت الأنظار إلى الركابي كرئيس لتلك الوزارة، لكنّ الركابي اعتذر لفيصل عن القبول لأنّ الحالة حسب رأيه أصبحت في غاية الصعوبة، لكنّه وضع نفسه تحت تصرّف فيصل “للذّود عن الجبهة” بصفته العسكرية. وهنا ساد الوجوم على المجتمعين، ثمّ استدعى فيصل ياسين الهاشمي، فحضر على الفور، ولمّا كلّفه فيصل بتأليف الوزارة، اعتذر أيضاً ووضع نفسه تحت تصرّف فيصل كالركابي. حينئذ استشاط مدير الحربية يوسف العظمة غضباً ووجّه إلى الهاشمي كلاماً قاسياً، لأنّه أفشى أسرار الجيش حتى أضعف الروح المعنوية، فردّ الهاشمي بأنّه فعل ذلك حتى لا تساق البلاد إلى حرب خاسرة، وحمّل من أتى بعده مسؤولية إضعاف الجيش. هنا أجابه فيصل “ولكنّك يا ياسين كنت رئيساً للميرة مدّة عشرة أشهر، فلماذا لم تعمل على تدارك الأسلحة اللازمة؟”.

عندئذ تقدّم يوسف العظمة إلى فيصل رافعاً التحيّة العسكرية، قائلاً لفيصل: “إنّي مُستَعِدٌّ يا صاحب الجلالة للدفاع عن الوطن بكلّ قواي حتى النفس الأخير، إذا أوليتموني ثقتكم”. فشكره فيصل على حميّته الوطنية، وعيّنه نائباً للقائد العام للقوّات السورية (الذي هو فيصل).

ظلّت الحكومة وفيصل على وضعها الراهن، وأخذت تتداول شروط إنذار غورو ومذكّرته الأخيرة، ومع ذلك ظلّ بين أعضائها الرأي الذي يدور تجاه اجتناب الحرب أقوى ولو أدّى ذلك إلى قبول شروط غورو جميعها (13). لكنّ هذا الأمل باجتناب الحرب لم يدم طويلاً، إذ بالكولونيل كوس يزور القصر والحكومة مجتمعة فيه، حيث قدّم لهم برقيّة جديدة من الجنرال غورو يطلب فيها تقدّم الجيش الفرنسي إلى ميسلون لضرورات عسكرية زيادة على الشروط المرسلة مع الحصري. فأيقن فيصل وحكومته عندئذ بأنّ ما يرمي إليه غورو هو احتلال دمشق بعد أن كانوا جمعياً بلا استثناء قد مالوا إلى قبول الإنذار (14). وهنا أبلغت الحكومة احتجاجها إلى قناصل الدول الأجنبية، وسلّمت الحكومة مذكرة إلى كوس في مساء 23 تمّوز، جاء فيها ” إنّنا نأبى الحرب، ولكن قبول الشروط الواردة في مُذكِّرتكم الأخيرة يُعرِّضنا لا محالة إلى حرب أهلية… نحن مستعدّون لتنفيذ شروط إنذار 14 تمّوز بحذافيرها”.

وبعد العشاء جاء الحكومة يوسف العظمة، قائلاً بأنّه ذاهب إلى الجبهة؛ وكان آخر كلامه: “أنا ذاهب! إني أترك ليلى [ابنته الوحيدة] أمانة لديكم، أرجوكم أن لا تنسوها”(15).

لم ينتظر غورو استعداد الحكومة السورية لمواجهته، فقام بتوجيه جيوشه إلى سوريا عبر ثلاثة محاور: الأوّل، جاء عن طريق بيروت- دمشق و وصل إلى القرب من هضاب ميسلون؛ و الثاني، عن طريق سكّة حديد رياق- حمص و حماة حيث قام المجاهدون باقتلاع سكّة الحديد بالقرب من منطقة قري القصير، حيث هوى القطار و انفجر بما فيه، و اشتبك المجاهدون مع ما تبقّى من الفرنسيين و دحروهم إلى محطّة الرياق، بينما توجّه المحور الثالث من كيليكيا و جسر الشغور شمالاً باتّجاه حلب و تمكّن من دخول المدينة بقيادة الجنرال ديلاموت (Dilamot) بتاريخ 23 تمّوز 1920(16).

– معركة ميسلون:

لمّا كان ياسين الهاشمي قد اختلف مع العظمة كما ذكرنا سابقاً، فقد سُلِّمت قيادة الجيش العربي في ميسلون إلى الأميرال تحسين الفقير شريف الحجاز حتى مجيء يوسف العظمة (17). واختلفت المصادر تجاه عدد القوّات العربية التي خاضت معركة ميسلون، وقام إحسان هندي بدراسة موسّعة عن ذلك وقدَّر عدد القوّات بـ (3000) بين مدني وعسكري، وضمّت هذه القوّات العسكرية: بقيّة فرقة المشاة الأولى بقيادة تحسين الفقير، وتضمّ بقيّة اللواء الأوّل تحت قيادة حسن الهندي، الذي لم يعد يتألّف سوى من فوجين. ومن اللّواء الثاني تحت قيادة توفيق العاقل، وأصبح يتألّف من فوج واحد فقط مُعزَّز بالمدفعيّة. وثلاثة بطاريات ونصف مدفعية، بقيادة أحمد صدقي الكيلاني، وبطارية صحراوية. وبطارية ونصف مدافع جبلية، وبطارية صحراوية من لواء درعا، ونصف بطارية مدفعية، ومدفع إنكليزي واحد، وأربع سرايا ومفرزتين. وضمّت فرقة المتطوعين: (272) من الميدان في دمشق، و(150) من دوما. ولم تملك تلك القوّات أيّة دبابة أو طائرة أو ناقلة جنود أو تجهيزات ثقيلة، وكانت البنادق من مختلف الأصنفة (عثمانية، فرنسية، إنكليزية، ألمانية). وكانت الذخيرة لا تتطابق مع هذه الأسلحة “ممّا جعلها عديمة الفائدة وخاصّة مع المتطوّعين الجدد” (18).

وقد بلغ عدد القوّات الفرنسية التي اشتركت في المعركة تسعة آلاف جندي بقيادة الجنرال غوابيه (Guapiet)، ويعاونه الكولونيل “باتيلا” (Batilla) رئيس أركان جيش الشرق الفرنسي. وتألّفت تلك القوّات من: “اللواء السنغالي واللواء الثاني الفرنسي، وكتيبة السباهيين الفرسان، وكوكبتين من كتيبة الخيالة الأولى، ووحدات مدفعية تتألّف من بطارية ثقيلة عيار (155)، وأربع بطاريات عيار (75)، وبطاريتين ونصف عيار (65). وست سرايا ودبابات، وسرية هندسة، وأربع سيارات (رشاشات)، وكتيبة سيارات نقل (100 سيارة)، وأربع أسراب طائرات (19).

وبالنّسبة للخطّة التي أعدّها يوسف العظمة فهي: ثبات القوّات المتمركزة في منطقة عقب الطين (بالقرب من عين ميسلون)، وأن تعسكر في جناح الميسرة قوى الخيالة، التي يقودها السيد مرزوق الخيمي المكوّنة من فرسان اللواء ياسين الهاشمي والهجّانة ومتطوّعة دمشق. لكي تمنع هجوم الجيش الفرنسي من جهتها، ولكي تكون سدّاً منيعاً، وتكوّن حركة الالتفاف على المركز، ولمهاجمة ميمنة الفرنسيين عند أوّل فرصة تسمح بذلك، حيث تُغير على مقرّ قيادة الجيش الفرنسي في موقع جديدة يابوس، فتَقطع عليه خطّ الرجعة من تلك الناحية. أمّا منطقة قوّات جناح الميمنة فكانت في الأماكن بين دمشق والزبداني، لكنّ ذلك لم يُطبَّق، لأنّ قوّات ذلك الجناح لم تأخذ أماكنها حتى انتهت المعركة بسبب تأخّر تمركزها، ولسطو عصابة (الشمّاط) من منطقة الزبداني على أسلحتها (20).

ظلّت القوّات الفرنسيّة تتقدّم من مجدل عنجر دون أن تلقى أيّة مقاومة حتى أشرفت على رابية ميسلون في مساء 23 تموز، فخيّمت هناك انتظاراً لشنّ الهجوم في الصباح الباكر، وعند شروق شمس السبت 24 تموز أخذت المدفعية الفرنسي تطلق نيرانها بكثافة على أماكن تواجد القوّات العربية التي لازمت الثبات في أماكنها، وأخذت المدفعية السورية تجيب نظيرتها لكّن بشكل خفيف لقلّة العتاد، وكانت ترافق القوّات الفرنسية عشر طيّارات وعدد كبير من الدبابات تمهّد للجنود أمر الهجوم. وفي الساعة العاشرة صباحاً بدأ المشاة الفرنسيون زحفهم نحو الأمام، فصمدت لهم القوّات السورية بثبات، ووقف القائد يوسف العظمة في الساعة الحادية عشر على أحد التلال وبيده منظار يراقب مجريات المعركة، فحاول مرافقه (21) حمله على النزول بعيداً عن أسلحة العدو ولكنّه أبى، فجاءته رصاصة من رشّاش فرنسي في صدره، وتَلتها أُخرى سقط على إثرها مضرّجاً بالدماء.

واستمرّ القتال بين الطرفين حتى الظهر حيث أسكتت المدفعية الفرنسية نظيرتها السورية، كما تراجع المشاة السوريون أمام الفرنسيون، فغادروا أماكنهم تاركين نحو 800 شهيد (أي أكثر من ربع عدد القوّات السوري تقريباً)، وقد قُدّرت خسائر القوّات الفرنسية بـ 300 قتيل (22). وإذا كان من الصعب إطلاق اسم معركة على ما حدث في ميسلون، نظراً للفارق الكبير بين القوّتين في العدد والأسلحة والعتاد، فإنّ يوسف العظمة الذي كان يعلم بنتيجة المعركة سلفاً، وقف بشرف أمام القوّات الفرنسية محاولاً عدم دخولها إلى دمشق إلا بقتال مشرّف (23). لقد خرّ الشهيد العظمة “صريعاً في ميدان البطولة، تاركاً وراءه رسالة أدّاها حقّ التأدية، ومات يُعلِّمُ من بعده معنى المفاداة، ومُبلِّغاً ما يَجبُ على المرء أن يقوم به نحو الأمّة والوطن”. وقد شُيّع ذلك الجثمان الطاهر فيما بعد بموكب عسكري رسمي، وبحفل دفنٍ مهيب، نُصِبت على ضريحه لوحة خشبية، كتب عليها: “هذا ضريح وزير حربية الحكومة السورية الجسور، الذي مات في سبيل وطنه بطلاً شجاعاً” (24).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحصري، ساطع: يوم ميسلون، دار الاتحاد، بيروت، د ط، 1947، ص 117- 197، ص 117. وسعيد، أمين: الثورة العربية الكبرى، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط 2، د ت، ج 2، ص 191. ورضا، رشيد: إعلان فيصل للحرب والجهاد، مجلّة المنار، (29 رمضان 1339- 6 حزيران 1921)، مجلة المنار، مج 22، ج 6، ص 469.

(2) الحصري، ساطع: يوم ميسلون، دار الاتحاد، بيروت، د ط، 1947، ص 117- 197، ص 128- 129. اِختُلف في تحيد من قطع خطّ البرق من أجل عدم وصول البرقية، فقد شاع أنّ حسن الحكيم -وقد كان مديراً عامّاً لبرق والبريد- عمد إلى عدم إرسالها، معارضةً منه لسياسة الحكومة والملك. وقيل أيضاً أنّ الفرنسيين هم أنفسهم عطّلوا الخطوط البرقية لكيلا تصل الرسالة فتدخل فرنسا إلى سوريا فاتحة غازية. كما قيل أنّ ثمّة سبباً آخر لم يستطع أحد اكتشافه. العظم: خالد: مذكّرات خالد العظم، تح عمر المدني، الدار المتّحدة للنشر، بيروت، ط 2، 1973، ج 1، ص 115- 116.

(3) الحصري: سوريا والعهد الفيصلي، دار النهار للنشر، بيروت، ط 3، 1986، ص 128- 129.

(4) الريماوي: سهيلة: التجربة الفيصلية في بلاد الشام، وزارة الشباب، عمّان، د ط، 1988، ص 234- 235.

(5) المرجع نفسه، ص 234- 235.

(6) قدري، أحمد: مذكراتي عن الثورة العربية الكبرى، د د، دمشق، ط 1، 1956، ص 251.

(7) الخطيب، محبّ الدين: مذكّراته (حياته بقلمه) تروي أحداث عصر وحركته، مطبوعات جمعية التمدّن الإسلامي، دمشق، ط 1، 1979، ص 75. ورضا: مصدر سابق، ص 469- 470.

(8) سعيد: الثورة العربية الكبرى، ج2، ص 195- 197.

(9) قدري: مصدر سابق، ص 251.

(10) يوم ميسلون، ص 128- 129.

(11) المصدر نفسه، ص 135- 145.

(12) الحكيم، يوسف: سوريا والعهد الفيصلي، دار النهار للنشر، بيروت، ط 3، 1986، ص 192- 193.

(13) الحكيم، يوسف: المصدر السابق، ص 192- 193. وبسبب هذا الرأي جرت محادثات بين اللّجنة الوطنية وبعض أعضاء المؤتمر على مبايعة زيد ملكاً على سوريا بدلاً من فيصل، وانتخبوا ستّة أشخاص أتوا إلى فيصل وقابلوه، وطلبوا منه وجوب الدفاع عن البلاد مهما كلّف الأمر، وأخبروه بأنّ الأمّة ستُحاسِب المسؤولين وكلّ من يريد مفاوضة الفرنسيين بأشدّ الحساب، فانفجر فيصل غضباً، وقال “أنا لا أُهدّد، أنا أقدر منكم على خدمة بلادي التي هي بلادكم، أتريدون الحرب مع دولة قوية وليس لديكم قوّة تقف في وجهها”. المصدر نفسه.

(14) قدري: مصدر سابق، ص 258. والحكيم، يوسف: المصدر السابق، ص 140، والحصري: يوم ميسلون، ص 153- 154.

(15) الحصري: المصدر نفسه، ص 158.

(16) المعلّم، وليد: سوريا / 1916- 1946، ص 102.

(17) قدري: مصدر سابق، ص 260- 262.

(18) هندي، إحسان: معركة ميسلون، د د، بيروت، ط 1، 1967، ص 141- 144.

(19) المعلّم: تاريخ سوريا / 1918- 1920، مطبعة عكرمة، دمشق، ط 1، 1958، ص 380.

(20) السفرجلاني: محي الدين: فاجعة ميسلون، دار البشائر، دمشق، ط 2، 2008، ص 251، 267- 271. وهندي: مرجع سابق، ص 171.

(21) ياسين الجابي.

(22) سعيد: الثورة العربية الكبرى، ج 2، ص 202.

(23)  Zeine: N. Zeine: The Struggle For Arb Independence, Caravan Books, New Yourk, Third Edition, 1995, p 183.                                                    

(24) السفرجلاني: مصدر سابق، ص 263، 265- 266.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى