مقالات

حماس وإيران.. المصلحة على حساب الدم!

ربيع الخطيب

الحديث عن العلاقات بين حركة حماس والجمهورية الإيرانية كبير ومتشعب، ذو أبعاد سياسية وعقائدية، وأخرى مرتبطة بالمصالح وخيارات تفرضها المراحل والظروف المحلية والإقليمية والدولية على الجانبين، لكننا سنحاول هنا الحديث عن هذه العلاقة من زاوية ما بعد الربيع العربي والتدخل الإيراني العلني، لاسيما في سوريا وما ارتكبته من مجازر ولا تزال.

لم يكن يخفى على الشعوب العربية الدعم القوي والمباشر من إيران للولايات المتحدة أثناء حربها على العراق ثم احتلاله في العام 2003، سواء من خلال فتاوى المرجعيات بتحريم قتال الأمريكيين، أو من خلال الميليشيات العراقية المحسوبة على إيران. لكن ورغم ذلك تقبّلت الشعوب العربية العلاقة بين حماس وإيران على مضض، ربما لأن التركيز كان وقتها على الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق والمقاومة العراقية، ولأن إيران لم تكن في العراق بشكل مباشر عبر جيش نظامي.

لكن حال شعوب المنطقة وموقفها من العلاقة بين إيران وحماس تغيّر بعد الربيع العربي، خاصة الثورة السورية في آذار/مارس من العام 2011، وما تلاها من الموقف الإيراني الداعم علناً للنظام السوري بالمال والسلاح ثم بالميليشيات الطائفية كحزب الله اللبناني وعشرات الميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية، لينتهي بميليشيات من فيلق القدس الإيراني وأخيراً الحرس الثوري الإيراني.

“من نصرنا في الحق لن ننصره في الباطل”.. كان هذا التصريح لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، والذي قطع بموجبه العلاقات بين الحركة والنظام السوري على خلفية الثورة السورية وما جرى من أحداث، حيث خرجت الحركة من سوريا. موقف تلاه توتر بالعلاقة بين حماس وكلٍ من إيران وحزب الله اللبناني، حيث كان التدخل الإيراني المباشر أو عبر حزب الله في سوريا وغيره من الميليشيات الطائفية سبباً لهذا التوتر.

إن حركة حماس المقاومة والباحثة عن الحرية، وإن قطعت علاقتها مع النظام السوري، إلا أنها أبقت على العلاقة قوية مع إيران التي تدعم ديكتاتور سوريا المدعوم صهيونياً! حيث كانت المصالح سيدة الموقف السياسي لحماس، وربما هذا ما دعا إلى تغييرات في قمة الهرم السياسي للحركة، حيث شهد أيار/مايو من العام 2017 انتخابات جديدة للمكتب السياسي لحركة حماس، فاز على إثرها إسماعيل هنية برئاسة المكتب بالإضافة إلى أخرين هم أعضاء المكتب السياسي الجدد. فوز كان له ما بعده من تغيير في سياسة الحركة، إن على مستوى التصريحات المغازلة للنظام السوري، أو على التصريحات المؤيدة لإيران من شكر وثناء، وما تلاها من زيارات.

وفي هذا السياق، باتت من الطبيعي أن نرى خلال الأيام الماضية زيارة رسمية لحركة حماس الفلسطينية إلى إيران، على مستوى نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري ووفد مرافق رفيع المستوى. زيارة ليست الأولى من نوعها للجناح السياسي للحركة، والذي اعتاد بأعلى هرمه زيارة إيران غير ذي مرة على مدى تاريخ العلاقات بين الجانبين.

أين المشكلة في هكذا علاقة؟ سؤال يمكن أن يكون طبيعياً، لكن ليس عندما يتعلق الأمر بحماس وإيران ما بعد الربيع العربي والثورة السورية، حماس التي احتضنها الشعب السوري المؤيد للمقاومة وحق الفلسطينيين في فلسطين، هذا الشعب الذي ثار ليطالب بالحرية والعدالة والكرامة، وحماس تعرف أكثر من غيرها لماذا ثار الشعب السوري. وتعرف أيضاً أن نظام الأسد لم يكن ليصمد لولا الدعم الإيراني الكبير. إيران هي نفسها التي افتخرت بأنها تسيطر على أربعة عواصم عربية وبات نفوذها يمتد ليصل إلى البحر المتوسط.

تقول حماس إن الأنظمة العربية دفعتها دفعاً إلى أحضان إيران بمواقفها العدائية منها ومن القضية الفلسطينية، وأن إيران توفر لها الدعم المادي واللوجستي، وهي على هذا الأساس لا يمكنها قطع العلاقة مع ملالي طهران! وهنا يحق لنا أن نسأل إن كان هناك مشكلة حقيقية وعداء بين إيران والكيان الصهيوني، بعد ما كشفته الثورة السورية من عمق العلاقة بين الجانبين ونقصد هنا إيران والكيان الصهيوني. غير أن حماس رغم كل ذلك لم تقتصر على علاقات ضيقة مثلاً في حدود واقع وظروف معينة، إنما تمادت في العلاقة والتصريحات لمراحل بعيدة!

أيضاً من المستفيد من هذه العلاقة؟ أو من هو المستفيد الأكبر من هكذا علاقة؟ أليست هي إيران التي تستخدم حماس ومن ورائها القضية الفلسطينية المحورية للعرب والمسلمين كورقة ذات أبعاد دينية لتنفيذ مخططات جيوسياسية. ألا تدرك حماس أنها بالنسبة لإيران مجرد أداة كحزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين، تزيد بها نفوذها وتعيد فيها ترتيب المنطقة وفق أجندة صهيوفارسية غربية وفق نظرية الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد وغيرها.

إن حماس باعتبارها حركة مقاومة فلسطينية بعلاقتها القوية مع إيران أعطتها نوعاً من الشرعية، وكأنها تقوم بتلميعها باعتبارها داعمة للقضية الفلسطينية ذات البعد الديني والتاريخي والعاطفي لكل العرب والمسلمين وأيضاً المسيحيين.

كيف لحماس التي تسعى في سبيل حرية الفلسطينيين أن تتجاهل ما فعلته وتفعله إيران في سوريا طيلة أكثر من ثماني سنوات من مجازر ربما ما جاء الزمان بمثلها، وماذا فعلت الميليشيات الإيرانية وحزب الله بحق الفلسطينيين في مخيم اليرموك الذي كان يشكل خطراً على الصهاينة باعتباره من أركان قوة الفلسطينيين في سوريا، وغيره من المخيمات، ناهيك عما فعلوه بالسوريين عامة. بالإضافة لما فعلته في العراق، وتفعله في اليمن، وأيضاً وما تفعله من ظلم وقتل بحق القوميات الأخرى داخل إيران. ما نعرفه أن الحرية لا تتجزأ وليس لها مفاهيم مختلفة، هي عينها في كل مكان وزمان، والمطالب بالحرية يطلبها ويتمناها لكل الناس.

ثم أين هو موقف جماعة الإخوان المسلمين التي تحسب حماس عليها من موقف الحركة وعلاقتها مع إيران، أليس هناك حديث للرسول صلى الله عليه وسلم يقول “الدين لنصيحة”، لماذا لم تعلن حركة الإخوان صراحة عن موقفها الرافض من هذه العلاقة؟ أم أن الحركة لا ترى ضيراً ومشكلةً في العلاقة مع إيران. هذه الأسئلة وغيرها الكثير تجول في خاطر كل حر في عالما العربي، يرى الواقع ويتألم محاولاً عبثاً ألا يصّدق ما تراه عيناه وتسمعه أذناه. غير أنه لا جواب إلا أن أي علاقة مع إيران هي على حساب الدم السوري والعراقي واليمني وغيره، وفلسطين ليست فقط حماس، والإسلام ليس فقط الإخوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى