على بعد حوالي 10 أميال من موقع عسكري أميركي جنوب سورية، يعيش حوالي 30 ألف مدني في أزمة -مع عدم وجود طعام أو ماء أو دواء- تقريبًا، ولأسباب معقدة، حيث ترفض الحكومة الأميركية إطعامهم. هؤلاء الأبرياء يعيشون تحت حماية الولايات المتحدة، خوفًا من نظام بشار الأسد والميليشيات الإيرانية و(داعش). لكن الحكومة الأميركية، التي تتحمل المسؤولية الرئيسة عن مصيرهم بسبب سيطرتها على المنطقة، تقف متفرجة وتراقبهم وهم يتضورون جوعًا حتى الموت.
كان يعيش هناك في الأصل حوالي 50 ألف شخص في مخيم الركبان للمهجرين داخليًا، وهم يعيشون هناك منذ ما يقرب من أربعة أعوام، بعد فرارهم من منازلهم في محافظة حمص، التي تحوّلت معظمها إلى ركام نتيجة قصف نظام الأسد. اختاروا أن يقيموا المخيم بالقرب من قاعدة عسكرية أميركية تسمّى التنف. لدى الولايات المتحدة بضع مئات من القوات هناك، وتقوم بتدريب قوات شريكة لمحاربة (داعش) وتحتفظ بموقع استراتيجي مهم على الطريق بين طهران ودمشق، بالقرب من الحدود السورية مع العراق والأردن.
ولكونهم يعيشون في ظروف صعبة ويواجهون المجاعة، وافق الآلاف على الإعادة إلى الأراضي التي يسيطر عليها الأسد. من المحتمل أن يكونوا قد احتجزهم النظام على أنهم متمردون مشتبه بهم، أو جندّهم قسراً في جيش الأسد أو قُتلوا. والذين لا يريدون المخاطرة بهذا المصير يظلون في الركبان، معزولين عن العالم، ويطلبون المساعدة على مواقع فيسبوك وتويتر.
إحدى المقيمات في المخيم، ولم تكشف عن هويتها خوفًا من الانتقام، قالت في رسالة مصورة: “أتحدثُ إليكم من مخيم الركبان، مخيم الموت والجوع. أتوسلُ إلى كل إنسان لديه ضمير أن يجد حلًا لهذا المخيم”.
الوضع داخل المخيم مرعب. لم يعد بإمكان السكان العثور على الطعام أو الدواء اليومي والمرض منتشر. ليس لدى الناس هناك وظائف ولا مصادر دخل. وجاءت قافلة المساعدات الأخيرة في شباط/ فبراير، والمخيم محاصرٌ من جميع الجهات. يعيش المخيم فقط لأنه يقع داخل دائرة نصف قطرها 55 كم من منطقة التنف الأمنية.
يريد السكان أن يُقدّم لهم الطعام أو يُنقلوا إلى أي مكان يمكن أن يحيوا فيه، ولكن خارج سيطرة نظام الأسد. سيكونون سعداء للذهاب إلى الشمال، أو إلى الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات السنية أو الكردية، أو الشرق إلى العراق، ولكن لا توجد طرق مفتوحة للخروج من المخيم. كبار السن والشباب هم الأكثر عرضة للخطر.
وتابعت المرأة في شريطها المصور: “أطفالنا يموتون أمامنا، ونحن غير قادرين على فعل أي شيء حيال ذلك. كنا نسمع عن الجوع ولكننا عرفناه الآن. هنا، يموت الناس من الجوع”.
في مقاطع فيديو أخرى، يشيد سكان الركبان بالجنود الأميركيين في قاعدة التنف لحمايتهم من نظام الأسد و(داعش) والقوات الإيرانية. لكنهم يتوسلون أيضًا للحصول على الغذاء والمساعدات الإنسانية الأساسية.
نهاية الأسبوع الماضي، في منتدى آسبن للأمن في كولورادو، سألتُ جيمس جيفري، الممثل الخاص للولايات المتحدة في سورية: لماذا لا تُطعم الولايات المتحدة سكان الركبان، وهو أمرٌ لديها القدرة على القيام به بسهولة. فقال: “أولًا، قبل كل شيء، إذا أطعمناهم، فسيبدو أننا سنبقى هناك إلى الأبد، وقد تكون هناك خيارات أخرى لهم، على سبيل المثال أن يذهبوا إلى الشمال الشرقي أو الشمال الغربي من البلاد”.
يتفاوض جيفري مع روسيا، حول تقديم المساعدات الإنسانية للمخيم. وأقرّ بأن تلك المحادثات قد توقفت الآن، وأن قوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة (التي تتطلب إذن نظام الأسد) قد توقفت نتيجة لذلك.
صحيح، كما قال جيفري، أنه إذا بدأت الولايات المتحدة في إطعام الناس في الركبان، فمن المؤكد أن موسكو ستزعم بأننا نشكل احتلالًا دائمًا (في نظر روسيا) لجزء من سورية. قد يكون لهذا آثار دبلوماسية وقانونية. ولكن هذه النقطة تبدو تافهة مقارنة مع ترك هؤلاء الناس يتضورون جوعًا حتى الموت.
“ثانيًا، لا يمكننا الالتزام بوجود طويل الأمد في التنف، أو في أي مكان آخر في سورية” يتابع جيفري، مشيرًا إلى حقيقة أن الرئيس ترامب يمكنه أن يتخلى فجأة عن الموقع الأميركي في أي وقت. في النهاية، أعلن الرئيس انسحاب القوات من سورية، عبر تويتر، من دون استشارة مسؤوليه. لكن منطق حجب الطعام عن الناس الجائعة الآن، لأننا قد لا نكون قادرين على إطعامهم لاحقًا، منطق بائس لهؤلاء الأشخاص وللأميركيين الذين يدعمونهم.
معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لفرقة العمل السورية للطوارئ، قال: “حقيقة أننا نخشى إطعام هؤلاء الناس، لأننا بطريقة ما سنكون مسؤولين عنهم، لا معنى لها. الحقيقة هي أننا مسؤولون عن حياتهم لأنهم يعيشون تحت حمايتنا”.
إن التزام الولايات المتحدة تجاه سكان الركبان ليس إنسانيًا بحتًا. يتم تجنيد القوات الشريكة المحلية التي تقاتل الدولة الإسلامية (داعش) في المنطقة من المخيم. يحصل الجنود على الطعام، لكن عائلاتهم وأصدقائهم يُتركون جائعين. بعد ذلك تشير الحكومة الروسية إلى هؤلاء القتلى وتوزع دعاية تزعم أن الولايات المتحدة تجوّع المدنيين عن عمد لتحويلهم إلى إرهابيين.
وقال معاذ مصطفى: “إن روسيا ونظام الأسد والمتطرفين يستخدمون الأزمة الإنسانية لهذا المخيم لتقويض شرعية وجودنا العسكري”.
لأكثر من ثماني سنوات، فشلت الولايات المتحدة في قيادة استراتيجية تضع مصالح الشعب السوري في المقام الأول، وفشل العالم في وقف مذبحة نظام الأسد الوحشية للمدنيين، بمساعدة روسيا وإيران. لكن هؤلاء السكان البالغ عددهم 30 ألفًا لا يزالون على قيد الحياة، ويعتمدون على الولايات المتحدة في بقائهم.
تغريدة واحدة، بضغطة من أصابع ترامب، يمكن أن تسمح للجيش الأميركي بالقيام بما يفعله مع الأشخاص الذين يعانون في جميع أنحاء العالم، وهو إنقاذ حياتهم. يمكننا إطعامهم، أو يمكننا نقلهم إلى مناطق من سورية لا يُسيطر عليها نظام الأسد. لكن لا يمكننا الوقوف متفرجين ومشاهدتهم يتضورون جوعًا على نحو غير ضروري بالقرب من موقع عسكري أميركي.
إذا لم نتصرف الآن؛ فإن إهمالنا سيجعلنا متواطئين مع أي فظائع سيعانون منها بعد ذلك.
موقع جيرون نقلاً عن واشنطن بوست