دين ودنيا

التيسير في طواف الإفاضة

د. سلمان العودة

عرض مقالات الكاتب

طواف الإفاضة، ويسمى طواف الحج والزيارة، وهو لا يكون إلا بعد الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، وهذا فيما أحسب إجماع، وهو ظاهر القرآن الكريم؛ لقوله سبحانه: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج:29]. فجعل الطواف آخرها.

وقد وهم الشيخ صديق حسن خان رحمه الله في «الروضة الندية» حين ظن أن الطواف طواف الحج الذي هو الركن قد يكون قبل الوقوف بعرفة، واعتمد على رواية موهمة في «صحيح البخاري»، وإنما تردّ ألفاظ الحديث بعضها إلى بعض لمعرفة أصله، وقد يروى الحديث بالمعنى، أو يروى مختصرًا.

وإنما يبدأ وقت الطواف بعد نصف الليل (ليلة المزدلفة) باعتبار المعذورين للدفع منها من الضعفة والنساء ومن معهم أو في حكمهم.

وهل يبدأ بعد الفجر أو بعد نصف الليل؟

قولان للعلماء، والأمر فيها واسع؛ لعدم ثبوت نص في هذه الجزئية.

ويمكن تأخير الطواف؛ ليكون هو وطواف الوداع شيئًا واحدًا؛ ليخفف المشقة عليه، والزحام على إخوانه، ويمكن تأخيره إلى نهاية ذي الحجة، ولو فعله بعد الشهر أجزأه.

وقد نص النووي وجماعة أنه لو نسي الإفاضة، وطاف للوداع من غير نية الإفاضة، أو بجهل بوجوب الطواف؛ أجزأه طوافه عنهما معًا.

وهذا حسن، وهو من التيسير والرخصة.

وهل تشترط الطهارة للطواف؟

الجمهور يوجبونها من الحدث الأصغر والأكبر.

وأجاز أبو حنيفة الطواف على غير طهارة، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختار ابن تيمية، وابن القيم عدم شرطية الطهارة، وهو ما كان يفتي به الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

وهذا يخفف على الناس في الزحام، وصعوبة الوصول إلى أماكن الوضوء.

والحديث المُحتَجُّ به في الطهارة هو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي ﷺ، لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سَرِفَ طمثت، فدخل عليَّ النبيﷺ وأنا أبكي، فقال: «ما يبكيك؟». قلت: لوددت والله أني لم أحج العام. قال: «لعلك نفست؟». قلت: نعم. قال: «فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري».

وهذا الحديث ليس نصًّا في اشتراط الطهارة.

وإن كنا نقول: ينبغي له أن يتطهر؛ لكن لو لم يتطهر وطاف، أو أحدث خلال الطواف ولم يجدد وضوءه، فلا شيء عليه.

وما الشأن في المرأة الحائض التي لا تطهر إلا بعد وقت طويل، وقد تذهب رفقتها، ويلحقها الحرج؟

فهذه أفتى فيها ابن تيميةوابن القيم رحمهما الله، وأطالا النفس في تسويغ أن لها أن تتحفظ وتطوف للضرورة.

وهو متفق مع قول الحنفية، ورواية مشهورة عن الإمام أحمد.

ومن التيسير: عدم اشتراط الموالاة بين الطواف وبين السعي، فلو كان بينهما وقت طويل فلا بأس بذلك على مذهب الشافعي، ولم يَحْكِ الجويني فيه خلافًا في المذهب.

ومن التيسير: اكتفاء المتمتع بسعي واحد، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو رواية عن الإمام أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لحديث جابر رضي الله عنه: «لم يطف النبي ﷺ ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا، طوافه الأول».

ومعلوم أن أصحاب النبي ﷺ كانوا متمتعين، إلا من ساق الهدي، وهم ذوو اليسار، ولم يكونوا كثرة.

من كتاب ” افعل ولا حرج ”  للدكتور الشيخ ” سلمان عبدالله العودة ” ص 12- 14

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى