مقالات

معرّة النعمان ورسالة الغفران…

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

لأنها مدينة المعري، ولأنّها مثلهُ لم تجن على أحدٍ فكانت هي المجني عليها، ولأنها عبد الله المظلوم ولم ترتض يوماً كسائر مدن سوريا أن تكون عبد الله الظالم! لم تستفق معرة النعمان على أصوات ديكة لإيقاظها، كما تستفيق عادةً بقية مدن الأرض، استفاقت معرة النعمان صباح هذا اليوم على أصوات طائرات تلقي حممًا وقنابل وصواريخ طائرات لم يعد يُعرف جنسيتها، أو هكذا أوحى لنا تكاثر المجرمين ! استفاقت معرة النعمان على وقع براميل متفجرة وصواريخ مزّقت أجساد أبنائها في سوق شعبي وهم يهمُّون بشراء لقمة عيش لم تكتبْ لهم روسيا أن يأكلوها.

لعل المعرّة اعتادت على المجاز بين الفينة والأخرى، ولكن الجديد في هذه المجزرة أن روسيا استخدمت فيها أسلحة ما استخدمتها في مجازرها السابقة، فقد استخدمت قنابل غير تقليدية ممتدة الضرر وغير محدودة الأثر كيف لا؟ وقد صرّحت غير مرّة أنها استخدمت أسلحة جديدة جربتها في حقل تجاربها سوربا؟!

 الأمر وكما عادة مجازرهم لا يقتصر على جريمتهم الأولى فحسب بل يتبعونها بجريمة أخرى منتظرة اجتماع الناس الذين يفزعون لإخلاء القتلى والجرحى لترميهم بحممها ثانية بمحاولة متعمدة منها لجعل أعداد القتلى مضاعفاً!

لقد بدا واضحاً ويبدو أن ما قُتل وما يُقتل، وما سيُقتل من الشعب السوري لم يعد سوى أرقام تذكرهُ وسائل الإعلام اليوم لتنساه لا نقول غداً بل ساعة من زمنٍ وستنساه، فكل قديم يتقادم كما يقال، فأعداد مجزرة معرة النعمان صباح هذا اليوم وفي آخر تحديث له بلغ 35 قتيلاً وربما سيجري تحديثه مرات أخرى، أمّا الجرحى فقد ذكُر أنهم ستون ومن المفقودين العشرات، وممن لم تعرف هوياتهم كثيرون وأشلاء لأناس لم يعرفوا، فإذا كان هذا هو الفعل فأين ردة الفعل على هذه المجزرة؟ فمن المفترض أن يكون لكل فعل ردة فعل تساويه في الشده وتعاكسه في الاتجاه !

 لم نسمع وكما جرت عليه العادة أية ردود فعل دولية أو عربية تندد مجرد تنديد وتشجب حتى لو كان الشجبُ مجرد شجبٍ فقط، فالجميع لم يعد يريد ردود أفعالٍ قوية على مجزرة معرة النعمان كقوة الفعل الذي ذهب بأرواح أطفال وشيوخ ونساء لا ذنب لهم، فالجميع يريد حدًّا أدنى فقط من ردود لأفعال على هذه المجازر، وبغياب ردود الأفعال هذه وللتدليل على أن من أمن العقوبة أساء الأدب، فقد أعقبت روسيا والنظام مجزرتها في معرة النعمان بمجزرة أخرى في مدينة سراقب راح ضحيتها خمسة أشخاص أيضاً.

ما يذهل ويريع أن سيدة عربية ظهرت في فيديو وهي تصرخ في مكان المجزرة وهي تبكي وتصرخ وتطلب من الرئيس ترامب أن يفعل شيئاً لإنقاذ الأبرياء من هذه المجازر، هذه السيدة عربية ولكنها آثرت أن ترسل شكواها باللغة الإنكليزية لأنها عرفت إلى من توجهها وإلى مَنْ مِنَ الممكن جدا أن يسمعها بغياب من أصابهم صمم ليس في آذانهم فحسب بل صمم أصاب جميع حواسهم الخمسة وحاستهم السادسة أيضاً. السؤال الذي يطرح بعد كل مجزرة تصيب الشعب السوري هل ستحرك هذه المجزرة ساكناً، وهل ستسكن متحركاً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى