عانت الرياضة العراقية خلال العقد والنصف الأخير من فشل ذريع وغير مسبوق على مستوى الإنجاز وعدم القدرة على التطور ومواكبة ما يجري في دول الإقليم وليس العالم لأن ما يجري في الدول المتقدمة رياضياً من الصعب جداً مقارنته بإمكانيات وظروف بلدنا ، ولعل السبب الأبرز في عدم قدرة الرياضة العراقية الولوج من بوابة التفوق حتى عندما يتعلق الأمر بدول الجوار يعود لحالة التخبط والعشوائية وغياب التخطيط خلال السنوات الستة عشر الفارطة وهو ما أدى لإنتاج أبطال وهميين يخسر أحدهم في لعبة فردية بدورة أثينا الأولمبية بعد تسع ثوان من بداية المنافسة في فعالية فردية ويحتل الأخر المركز الثالث والأربعين من بين ٤٧ سباحاً في دورة رودي جانيرو الأولمبية الأخيرة وهذه نماذج فقط لخيبات لها أول وليس لها أخر .
إن أي متابع منصف وصاحب ضمير ولديه قدرة على النظر للأمور بعينين اثنتين سيرى أن هناك تقصيراً وخللاً كبيراً في عمل اللجنة الأولمبية باعتبارها المسؤول الأول عن رياضة الإنجاز والمستويات العليا خصوصاً مع ما توفر من ميزانيات كبيرة لها بعد عام ٢٠٠٣ حتى وصلت في السنوات الأخيرة إلى ما يقارب ثلاثين مليون دولار سنوياً وهم رقم ليس باليسير أبدا، لكن ماهي النتائج؟
اعتقد أن الجواب بسيط لا شيء، فخلال ستة عشر عاماً لم نحصد غير ميدالية ذهبية واحدة في فعالية رفع الأثقال بأسياد جاكارتا وعن طريق رباع كان يتدرب ويستعد على حسابه الخاص وفي قاعة بائسة لا تتوفر فيها أبسط مقومات إعداد البطل .
الفاجعة الكبرى أن اللجنة الأولمبية حريصة كل الحرص على استمرار الوضع على ما هو عليه وهمها الأول والأخير هو الحصول على الأموال من الحكومة العراقية ولا تريد أن يسألها أحد كيف تصرف هذه الأموال ، أو ماذا تحقق من نتائج ، أو عن الإخفاقات المتكررة، أو أليات تسيير العمل حيث تسارع لإشهار سيف التهديد الدولي وحرمان العراق من المشاركات الخارجية بوجه وزارة الشباب ، وكأن الوزارة تابعة لدولة والأولمبية لدولة أخرى ،أو أنها تريد أن تصنع لنفسها هالة من التعظيم والقداسة التي لا يمكن لأحد المساس بها ، في هذا الإطار تحاول اللجنة التسويف والمماطلة في تشريع قانون الرياضة الذي ينظم في حالة إقراره كل مفاصل العمل ويضع النقاط على الحروف التي تريدها الأولمبية أن تبقى مبهمة وغير مفهومة لأسباب ليست خافية على أحد .
لقد حاول الدكتور أحمد رياض وزير الشباب والرياضة منذ أول أيام استوزاره إيجاد الحلول الناجعة لهذه المعضلة الكبيرة المتمثلة بغياب القوانين اللازمة لمأسسة العمل والتخلص من حالة التوهان وشبكة التقاطعات التفسيرية المبنية على مزاجية البعض وأنانية البعض الأخر واستناده لمصالحه الشخصية وحاول الرجل بصفته المسؤول الأول عن الرياضة في البلد بحكم منصبه مرة ومرتين وثلاثة ، وعقد اللقاءات مع رعد حمودي من أجل تذويب جدار الجليد الذي كان يخلقه البعض من المتنفذين في المكتب التنفيذي بين الوزارة والأولمبية وتعامل الدكتور أحمد بمنتهى الحلم والصبر والمهنية وبروح رياضية يستحق الشكر عليها في هذا الموضوع ، لكن كان التعنت والتزمت ومحاولة لي الأذرع هي الجواب دائماً .
إن تعكز أولمبية رعد حمودي واستقوائها بشخصية كويتية تشغل منصباً تشريعياً في المجلس الأولمبي الأسيوي وتمتلك علاقات دولية مؤثرة في الوقوف بوجه الدولة العراقية تحتاج اليوم إلى وقفة حازمة للحكومة تتمثل أولا في إقرار القانون وثانياً إجبار الأولمبية على تطبيقه وثالثاً التعامل بالمثل مع الأولمبية من خلال صرف الأموال عبر اللجنة الخماسية المستحقين فقط ووفق برامج يجب أن تكون معلنة للأعلام حتى يكون العمل أمام الناس.
اجتماع لوزان الأخير والتصرف الذكي والفطن للسيد وزير الشباب برفضه الجلوس مع بعض الشخصيات التي تمثل اللجنة أعطى انطباعاً واضحاً للأولمبية الدولية عن رفض الحكومة العراقية للتعامل مع هذا النوع من الإداريين بسبب عدم كفاءتهم ومؤشرات أخرى مسجلة عليهم ، وبالتالي فأن المطلوب اليوم من وزارة الشباب ممثلة بوزيرها الذي أثبت قدرته العالية في التعاطي مع هذا الملف أن تواصل تحركها باتجاه الأولمبية الدولية والمجتمع الرياضي الخارجي والشخصيات الفاعلة فيه وتثبيت موقفها باعتبار أن الرياضة ليست إقطاعية تملكها لجنة رعد حمودي وتتصرف بها كما تشاء ، بل هي قرار سيادي عراقي يخضع لقوانين وسلطة الدولة التي يجب على الجميع أن يخضع لها ، من الضروري جداً أيضا فتح صفحة جديدة في التعاطي مع الشأن الرياضي عبر البدء بمحاسبة الاتحادات التي فشلت في مشاركاتها الخارجية لكون نتائجها لا توازي الصرفيات الكبيرة التي أنفقتها في تلك المشاركات لأن من أمن العقاب أساء الأدب ، آن الأوان قد حان لكي تحكم الدولة قبضتها المباشرة على الرياضة العراقية فهذا القطاع الشبابي حيوي ولا يقل أهمية عن موضوع الأمن أو الاقتصاد ولا يقبل اجتهادات لناس ليس لهم هم غير التمسك والتشبث بمناصبهم التي أصبحت دجاجة تبيض لهم ذهباً.
الحقيقة أن المسار الرياضي خلال السنوات الماضية والنتائج المتحققة والإخفاق المتواصل الذي لا يبدو أنه سينتهي قريباً يدفعنا للقول إن رعد حمودي وحاشيته الأولمبية قد تجاوزهم الزمن وفاتهم القطار ولا يرتجى منهم أي جديد يخدم القطاع الذي يتولون إدارته طيلة السنوات العشر الماضية.
الرياضة العراقية اليوم بحاجة إلى عملية تنظيف شاملة تنقذها من دائرة الفشل التي تدور فيها منذ أكثر من عقد ونصف ووجود شخصية رياضية كفؤة وتمتلك كل القدرات والمؤهلات على رأس الهرم الرياضي مثل الدكتور أحمد رياض تعتبر بارقة أمل للرياضيين الحقيقيين بكافة الألعاب من أجل أن يضعوا أقدامهم في الطريق الصحيح الذي ينقذهم من براثن الفساد والمحسوبية التي نخرت الرياضة العراقية وجعلتها تتراجع بهذا الشكل المخيف.