مقالات

العراق.. الحقد والانتقام يفترس المدن (المحررة)

خالد محفوظ

كاتب وإعلامي عراقي
عرض مقالات الكاتب

يتمزق العراق كل يوم بسكاكين البعض من أهله، ممن قبل على نفسه أن يكون عبداً لأجندة غيره ومجرد نقطة على حروف الهامش غير الملموس في المعادلات الدولية والإقليمية،  هذا البعض لم يجد أفضل من طريق الطائفية لتحقيق أهدافه المرسومة له في طهران، فأستغل أبشع استغلال توافق المصالح الأمريكية الإيرانية في المنطقة لاسيما في العهد الأوبامي الذي أدى لحدوث اختلالات جوهرية جيوسياسية عميقة أفضت إلى تغييرات ديموغرافية غير مسبوقة ضمن معادلات قامت عليها منطقة الشرق الأوسط منذ عقود صبت في مصلحة فئة ضالة تتأثر بعقد الحقد والثأر والانتقام الذي لا ينتهي، وفق منظور طائفي بحت يعتمد على التخندق والتحزب عبر سوق الجموع كالقطعان نحو حتفها دون أن تدري، بحجج وطرق شيطانية تعتمد على إدامة الخرافة والوهم والتخويف من الآخر حتى لو كان هذا الآخر شريكاً أساسيا في الوطن تضرب جذوره في عمق التأريخ.

لقد ارتضت هذه الفئة منزوعة الوطنية والولاء. أن تمزق الممزق وتقزم المُقزم وتقرع طبول الفتنة ليل نهار في العراق من أجل أن تحافظ على كراسيها ونفوذها السياسي والميلشياوي وهيمنتها على الشارع بقوة السلاح والتخويف والترهيب وغسل العقول وأدلجتها بصورة فجة تصب الزيت على النار، حتى وصل الأمر للمتاجرة بالخطاب الطائفي والترويج له وكأنه من المُسلمات والبديهيات المفروضة على الجمهور. ومن ثم تحويل هذا الخطاب الشاذ والمُخل بالشرف الإنساني والطبيعة البشرية الفطرية إلى تطبيقات عملية وتشريعات قانونية تجعل منه ليس مجرد خطاب تسويقي وحسب. وإنما أداة حقيقية محسوسة على الأرض تغذي نيران الطوئفة وتعمل على زيادة سعيرها الملتهب أصلا.

في هذا الإطار فقد أفردت الموازنة المالية للدولة العراقية لعام ٢٠١٩ بنودا مخزية تعتبر وصمة عار بحق كل من عمل على هذه الميزانية، حيث تم تخصيص مبلغ سبعين مليار دينار في الموازنة للوقف الشيعي، ومليار واحد فقط نعم مليار واحد فقط للوقف السني، رغم كل الدمار الهائل والتفجير والنسف الذي أصاب المراقد والمساجد والمرافق الدينية في المحافظات (المحررة) وهو ما يتطلب مبالغ هائلة لتنفيذ خطط الأعمار (إن وجدت)، هذا من ناحية. أما في بقية تفاصيل الموازنة غير المتزنة فأن محافظة نينوى ثاني أكبر مدن العراق. تم تخصيص واحد في المئة فقط من الميزانية لها. علماً أن استحقاقها في السنوات السابقة كان ١١،٧% أي أنه تم تخفيض حصة هذه المحافظة المنكوبة والمدمرة بشكل شبه كلي بنسبة تقارب ٩٣% والأمر ذاته ينطبق على محافظتي الأنبار وصلاح الدين حيث تم تخصيص واحد بالمئة لكل واحدة منهما في الموازنة غير العادلة لدرجة الظلم العميق والواضح مع سبق الإصرار والترصد، رغم أن الجميع يعلم أن الأنبار تمثل ثلث مساحة العراق وأن هذه المحافظات الثلاث لديها نقص هائل في البنى التحتية نتيجة الإرهاب الذي ضربها وتسبب في هجرة ونزوح وتشريد الكثير من أبنائها وأغلب هؤلاء مازال في المخيمات بسبب عدم انطلاق حملات الأعمار والتي يبدو أنها بهذه الرمزية المخصصة لمحافظاتهم لن تنطلق أبدا.

على الجانب الأخر خصصت الميزانية ذاتها مبالغ ونسبا وحصصا كبيرة بغير وجه حق لمحافظات جنوبية لا يصل سكانها لربع سكان الموصل أو الرمادي حيث تراوحت المبالغ ما بين سبعة وتسعة بالمئة وهو ما يشكل علامة استفهام كبرى عن الآليات والطريقة والأسباب التي تم احتساب الاحتياجات والنسب عليها وكيف وافق وزراء هذه المحافظات في الحكومة السابقة على تمرير هكذا ظلم وتعد على جمهورهم ومدنهم!!

أنا شخصياً لا أجد تبريراً ولا تفسيراً مقنعاً لهذا الأمر غير الطائفية التي أكلت وشربت حتى استوطنت في قلوب وعقول السياسي مسلوب القرار، أو بالأصح السياسي الدمية الذي أتوا به لتكملة الصورة، ويتم تحريكه من طهران حسب مصالح وأجندات هذه الدولة التي قال رئيسها حسن روحاني في زيارته الأخيرة لبغداد: إن صادرات بلاده للعراق تصل إلى ١٢ مليار دولار سنوياً وإنه يجب رفعها لعشرين مليار وكان (الرئيس العراقي) يقف بجانبه ويهز برأسه موافقاً على كلامه مع أن الجميع يعلم أن معظم واردات العراق من إيران هي مواد غذائية ومبردات هواء، أي أن (الجمهورية الإسلامية) لا يكفيها أن تبيع لنا (ستوكات) صناعتها بمليار من العملة الخضراء شهرياً، بل تريد مضاعفة المبلغ لتعويض العقوبات الأمريكية وتحقيق موارد لميزانيتها تساعد اقتصادها على الصمود بوجه الرياح الترامبية، أي وببساطة فأن قرابة ثلث واردات بغداد السنوية تذهب لطهران حلالاً زلالا ، في حين رفضت إيران العام الماضي منح ملعب للمنتخب العراقي من أجل اللعب عليه في تصفيات كأس العالم بكرة القدم إلا مقابل إيجار قدره ٥٥ ألف دولار للمباراة الواحدة، علماً أن الملعب يتسع لعشرة آلاف متفرج فقط، أي قسمة ضيزى هذه، يستكثرون علينا ملعبا، ونمنحهم ثلث وارداتنا !

الطائفية جريمة مخلة بالشرف والعمالة أم الجرائم، راجعوا الميزانية ياحكومة. وانصفوا الناس فليس هناك مواطن درجة أولى ودرجة ثانية إلا في العقول المريضة، وراجعوا أيضا ساعاتكم الإيرانية وأضبطوا عقاربها على مصلحة العراق قبل أن يفوتكم الوقت .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى