أخبار عاجلة

مذكّرات.. جرح الماضي ينزف من جديد

عزيزة جلود

الحلقة السادسة

إهداء لكل إنسان بقلبه ذرة رحمة و إنسانية
كان يا ما كان في قديم الزمان و سالف العصر و الأمان
تقول شهرزاد :
بعد عدة أشهر مرت كغيرها من الأيام يوم للحمام و يوم للزيارة و يوم للتسفير الشباب إلى السجون البعيدة و الأيام الباقية تكاد تكون تتشابه كأنها يوم واحد حصلت جلبة و ضوضاء في السجن غير ما اعتدنا على سماعها سألنا السجان عندما كان يدخل لنا الطعام و قد أصبحنا في هذه الفترة أصدقاء قال: نريد أن ننقلكم إلى مكان غير هذا لأن الشرطة العسكرية صاحبة هذا السجن طلبت استرجاعه فرحنا بهذا الخبر عل المكان يكون أفضل لأنه لم يكن يوجد في الزنزانات دورة مياه فكان عدم وجودها اكبر محنة لنا و خاصة عندما تمرض إحدانا لأنه لم يكن مسموح لنا بالخروج لدورة المياه سوى ثلاث مرات فقط في اليوم لقد كنت محظوظة من بين الأخوات قد تتساءلون من أين أتاك هذا الحظ ؟ أقول: هل نسيتم وجود طفلي معي فكنت أخرج لأغسل ثيابه أو غير ذلك من حاجياته و في هذه الفترة نشأت محبة كبيرة من السجانين لطفلي لقد كانت إنسانية هؤلاء السجانين تظهر في أبهى تجلياتها من خلال معاملتهم لطفلي قد تستغربون ذلك و لكن أقول بكل صدق و عدل أن السجانين هم أناس كغيرهم يحزنون و يفرحون و يحبون و يكرهون لكن النظام شحن عقولهم و نفوسهم بكره هؤلاء السجناء فهم يعتقدون أننا متآمرون و متعاملون مع إسرائيل و أمريكا و غيرها من العبارات التي مل الشعب السوري سماعها خمسون عاماً و لكن عندما يقتربون منا اكثر تختلط مشاعرهم اتجاهنا اما بالنسبة للشباب السجناء فعندهم اعتقاد و ايمان كامل انهم اعداء سوريا و اعداء الشعب السوري . سامحوني لقد تهت في هذه التفاصيل لظني أنها ضرورية لأنقل لكم الصورة كاملة . كان يأتي السجان و يقول لي ان طفلك يحب اللبن فأقول له من اين سآتي له كل يوم بلبن طازج فيرد علي قائلا : سآتيك كل يوم بصحن لبن لتطعميه كان صادقا فيما وعد . قد تودون أن أصف لكم طفلي فكيف أصفه بتجرد عن مشاعر ام فأنا أراه أجمل و أذكى الأطفال. أعود بكم إلى بداية حكايتنا حيث نقلوا الشباب و هم يزفونهم بالسباب و الشتم و الكفر و العصي و الكرابيج تنهال عليهم و جاء دورنا صعدنا بضع درجات و فتح باب كبير على صالة صغيرة بجانبها باب أسود كانت مساحة الغرفة ستةأمتار مربعة لا يوجد فيها أي نافذة سوى فتحة صغيرة في باب الزنزانة ينيرها ضوء أحمر صغير يضفي عليها كآبة فوق كابتها و لا يوجد فيها دورة مياه شعرنا بخيبة امل كبيرة يا ليتهم تركونا في المكان السابق لقد عشنا برد ذلك المكان و الان نعيش حرارة ذلك المكان و كان للسجناء اربع زنزانات بنفس مساحة زنزانتنا و لكن كانوا يضعون ثلاثين و اربعين سجينا في كل زنزانة و لكم أن تتخيلوا المأساة التي يعيشها هؤلاء الشباب فكانت معاناتهم كبيرة جدا كلما خرجوا لدورات المياه و عادوا يعذبون و الويل كل الويل لمن يطرق باب الزنزانة للخروج لدورات المياه في غير تلك الأوقات قد تكلفه حياته و هكذا جلست و الاخوات تنظر الواحدة منا للأخرى لقد بدأت مأساة جديدة تنتظرنا إنا لله و إنا إليه راجعون

تقول شهرزاد بعد ان انتقلنا الى الزنزانات الجديدة كان الجو حارا جدا كنا في الزنزانة اثنا عشر امرأة كان طفلي ينازع احدى الاخوات على النوم اسفل الباب بسبب وجود فراغ بسيط بين الباب والأرض وكان كلما انزعج من احدى الاخوات رمى حذاءه في سطل الماء كنا نفرح لذلك لنطرق الباب ونطلب تغير الماء كان السجانون يشجعونه على فعل ذلك نكاية بنا واذا حاولت معاقبته يقومون بحمايته ففي احد الايام كنا نصوم يوم النصف من شعبان ولم يكن لدينا طعاما سوى البرغل الذي جاؤونا به على الغداء وعملنا بجانبه ماء له ملح الليمون وثوم ونعنع يقال لها بالحلبي (زريقة) جاء طفلي بعد مشادة ولعب مع احدى الاخوات ركله بقدمه الصغيرة فانسكبت الزريقة على الارض وفقدنا ما كنا نريد شربه مع البرغل المطبوخ عسكريا والجميع يعرف طعام العسكر في سوريا وبعد ايام جاء شهر رمضان المبارك ولم يتغير من حياتنا اليومية شيء سوى اننا كنا عندما نصلي صلاة التراويح نعصر اغطية رؤوسنا من شدة التعرق فنملا وعاء حجمه خمس وثلاثون سم طولا وعرضه خمس وعشرون سم وارتفاعه عشرة سم من العرق الذي كان يتصبب من رأسنا ونقول نار جهنم احر واشد وكنا ندعو الله بتضرع وبكاء ان يخفف عنا هذه المحنة العظيمة وفي احدى ليالي رمضان كان احد السجانين يتجول في ممر السجن فرأى بولا يخرج من احدى الزنزانات ففتح الباب وهو يصرخ كوحش هائج من بال في الغرفة وبدا يصرخ ويصرخ ولا يجيبه احد واخذ يتوعد ان لم يعرف الفاعل عندها سمعنا صوتا حزينا خافتا يقول أناااا فما كان من السجان إلا ان اخرجه من الغرفة وانهال عليه ضربا وركلا وسبابا فيرد عليه السجين انا مريض بالسكري لم استطع ان اتمالك نفسي حتى موعد الخروج للحمام ولكن لم تكن كل هذه الاسباب لتخفف من غضب السجان او ان تمنحه لحظة رحمة ورأفة بهذا الرجل المسن ويبقى السجان يضرب والسجين يستغيث حتى نال التعب والإنهاك من الاثنين كنا نسمع كل ذلك ونراه من خلال بعض ثقوب توجد بالباب كنا ندعو على هذا السجان ونبكي ونقول حاشا لله ان يترك هؤلاء الظلمة من دون عقاب اما في الدنيا أو الآخرة أو الآخرة أو الاثنين معا وكلنا ايمان عميق بعدل الله وعندما نصل الى تلك المرحلة الايمانية يهدا روعنا ونستعيد رباطة جأشنا وإيماننا ان الله معنا وهو المنتقم الجبار لنا ولكل المظلومين في العالم
ونام شهريار السجان وسكتت شهرزاد عن الكلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

إيران.. مسار التلاشي

حقوق وحريات| تتفق احصائيات حكم الولي الفقيه في ايران على تسجيل الانهيار الاقتصادي الذي تمر …