صحافة

حول وجود إيران في سوريا..صفقة “متعثرة” بين موسكو وواشنطن

نشر موقع بروكار برس مقالاً للكاتب خطار أبو دياب يناقش فيه الاجتماعات الأخيرة بين واشنطن وموسكو حول الوجود الإيراني في سوريا

شهد الأسبوع الأخير من شهر حزيران/ يونيو عدة اجتماعات مخصصة لبحث الأوضاع المعقدة والشائكة في سوريا وأبرزها اجتماع “المجموعة الدولية – الإقليمية المصغرة حول سوريا” في باريس، ولقاء القدس الذي ضم مستشاري الأمن القومي الأمريكي والروسي والإسرائيلي.

وبينما ركز اجتماع باريس على أهمية الحل السياسي وفق القرارات الدولية ذات الصلة، انصب الاهتمام في اللقاء الذي رعاه بنيامين نتنياهو على مسألة الوجود الإيراني في سوريا، ولكنه لم يكن حاسماً كما راهن رئيس الحكومة الإسرائيلية. وبالفعل يطرح كل الوجود الأجنبي على الأراضي السورية وخاصة الوجود الإيراني إشكالية كبيرة، ويبدو أن نفوذ ووجود القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، سيكون عنصر التعقيد أو المدخل لأي ترتيب أميركي – روسي على الساحة السورية.

انعقد اجتماع القدس في ظل خطف الملف الإيراني الأضواء على الصعيدين الإقليمي والدولي، لكن مجرد انعقاده كان من “الهدايا الإضافية” المقدمة إلى نتانياهو، الذي يواجه أوضاعاً صعبة داخلياً، وخطر خسارته انتخابات أيلول/ سبتمبر القادم. ويأتي الاجتماع في ظل استمرار التجاذب والنزاع الأميركي – الروسي في عدة ملفات دولية، منها: ملف معاهدات الحد من الأسلحة الإستراتيجية، وملف توسعة حلف شمال الأطلسي، وملف أوكرانيا، وكذلك ملفات العقوبات الأميركية على روسيا، وفنزويلا، وكوريا الشمالية، إضافة إلى الملفين الإيراني والروسي.

بالرغم من عدم وجود اختراق في العلاقات الأميركية – الروسية، من اللافت أن الاقتراح أو الخطة الوحيدة للوصول إلى تفاهم بين الجانبين كان حول النزاع السوري تحديداً، وهذا ليس بمستغرب لأنه عدا التنسيق العسكري الميداني لتفادي الاشتباك على الساحة السورية، وافقت واشنطن ولو بشكل غير مباشر على إدارة روسيا للتقاطعات وإدارة بعض “الحروب السورية” منذ 2013. وفي هذا السياق، جرى تسريب خطة قدمتها الولايات المتحدة خلال زيارة الوزير مايك بومبيو إلى روسيا في 12 أيّار/ مايو الماضي، ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي، ومن أبرز النقاط الثماني في الخطة تنفيذ القرار الدولي 2254، بهدف التوصل إلى حل سياسي. واحتواء النفوذ الإيراني في سوريا، ومنذ ذلك الاجتماع تبين أن موسكو ليست مستعدة للتضحية سريعاً بأوراقها في سوريا، وخصوصاً الوجود الإيراني ومصير بشار الأسد.

على الأرجح وبناء على رغبة الجانب الإسرائيلي أيضاً، كان الوجود الإيراني في سوريا البند الأساسي في مناقشات اجتماع القدس الثلاثي، وكذلك في اللقاء الثنائي الذي جمع جون بولتون، رئيس مكتب الأمن القومي الأميركي، ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، في القدس الغربية. وإذا استندنا إلى التصريحات العلنية لبولتون وباتروشيف وإلى بعض الأصداء التي جرى تداولها، يتضح أن “الصفقة” التي توقعها البعض وعول عليها نتانياهو ربما بقيت خفية، ولكن من الواضح أنها تتعثر، لأنه بالرغم من “الكيمياء الشخصية” بين الرئيسين رونالد ترامب وفلاديمير بوتين التي بدت في لقاء القمة بينهما على هامش قمة العشرين في أوساكا يوم 28حزيران/ يونيو، لم يتم بلورة أي توافق حول الملفات الخلافية ومنها الملف السوري، وهذا يكرس انطباع الغموض المتكون بعد اجتماع القدس. ويبدو بوضوح أن الأطراف المعنية لم تنجح في تركيب معادلة تطمئن إسرائيل، وتٌبقي ورقة إيران ولو جزئياً في يد روسيا.

حسب المصادر المتابعة في موسكو تحمست القيادة الروسية لطرح نتانياهو بجمع واشنطن وموسكو حول الملف السوري، لأن روسيا التي حققت انجازات ميدانية ولكنها فشلت في تحويلها إلى إنجاز سياسي متكامل يقضي بتأهيل النظام وإعادة الإعمار، ومن خلال مراقبة ما يجري في مناطق شمال غرب سوريا منذ أيار/ مايو الماضي، يتأكد المأزق الروسي. ولهذا يمثل عدم تحول الوضع إلى مستنقع مستقبلي هدفاً لموسكو، وربما أرادت من لقاء القدس أن يكون قناة اتصال مع واشنطن أو بمثابة مسار جديد إلى جانب مسار أستانا، مع ما يعنيه ذلك من تهميش لمسار جنيف والعودة لمظلة القرارات الدولية.

مقابل طلب احتواء أو إنهاء الوجود الإيراني، سعت موسكو للالتفاف على ذلك من خلال القول بشرعية وجود القوات الإيرانية في سورية، بدعوى استدعائها من الحكومة السورية الشرعية، ولأنها شريك في محاربة الإرهاب. لكن هذا السقف المرتفع يعني أن موسكو لن تتخلى بسهولة عن الورقة الإيرانية في سوريا، وأنها تكتفي بالتلويح بالمقايضة لاحقاً. هكذا أصبح الوجود الإيراني ورقة مساومة في يد موسكو، بانتظار مفاوضات تؤدي إلى صفقة أشمل مع الجانب الأميركي.

لم ينجح بنيامين نتنياهو في الوصول إلى نتيجة ملموسة، ولم يمر التلويح بقبول استمرارية النظام في دمشق مقابل إنهاء الوجود الإيراني، وبرزت التعقيدات من الجانبين الأميركي والروسي. لم تنضج ظروف الصفقة المنشودة ولذا ستستمر الساحة السورية مركزاً لتصفية الحسابات في “اللعبة الدولية الكبرى” مباشرة، أو عبر الوكلاء وعلى حساب أهل سوريا.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر فقط عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي رسالة بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى