مقالات

الانقلاب وذريعة الحفاظ على الديمقراطية!

في مساء يوم 15 يوليو/ تموز 2016 شهدت تركيا عاصفة انقلابية هبت رياحها من الخارج، ومدّت لها أياد في الداخل، حيث اقتحم الانقلابيون مبنى التلفزيون الرسمي TRT وقاموا بإجبار العاملين فيه على بث البيان الذرائعي الذي تحدث عن تولي السلطة من أجل الحفاظ على الديمقراطية!

خلدت تركيا بالأمس ذكرى المحاولة الانقلابية الفاشلة ببالغ الحزن والأسى على شهداء الذاكرة الذين قضوا على يد الانقلابيين، أثناء دفاعهم عن دولتهم وتجربتهم المدنية الديمقراطية والشرعية، حكاية المحاولة الانقلابية تثير في نفوسنا كعرب ومسلمين كيفية وآلية المواجهة والتحدّي والصمود ضدّ عدوان أو انقلاب يحاول العودة بالشعوب إلى حظيرة العسكر والحكم الديكتاتوري، لقد أثبت الشعب التركي لكل العالم أنّه قادر على تجميع صفوفه رغم تنوعه السياسي. في يوم الانقلاب سمعنا زعيم الحزب الشعب الجمهوري المعارض “كليجدار أوغلو” يقول: “إنّ تركيا عانت من الانقلابات وسندافع عن الديمقراطية”.

كما سمعنا رئيس البرلمان التركي الذي دعا جميع النواب إلى الوقوف صفاً واحداً للدفاع عن الديموقراطية. هي ليلة الانقلاب الفاشل التي وحدت القلوب وجمعت التيارات السياسية المعارضة والحكومة والقيادات العسكرية على ضرورة احترام الشرعية ورفض الانقلاب، فخرج الآلاف من المواطنين إلى الشوارع والساحات والمطارات وعلت تكبيرات المآذن، بأن دقت ساعة الصفر ولا مناص حتى دحر الانقلاب إلى آخره.

لقاءات موقع رسالة بوست والحديث عن الموضوع:

أجرى موقع رسالة بوست لقاءات تحدثت عن أهداف الانقلاب العسكري وتبعاته وتأثيراته على الشعب التركي وحزب العدالة والتنمية، يقول: السيد “قطب العربي” الإعلامي المصري في قناة الشرق. الانقلاب العسكري لم يستهدف شخص الرئيس “رجب طيب أردوغان” إنّما بسط هيمنة العسكر على الحياة السياسية، هذه الهيمنة التي تخلصت منها تركيا عبر نضال طويل امتد لسنوات، حتى تم ضبط العلاقات المدنية والعسكرية في تركيا، بحيث يكون العمل السياسي وإدارة الدولة للمدنيين ويكون للجيش مهامه التقليدية في حماية الحدود والثغور والأمن القومي للبلاد. فحكم العسكر كما هو معروف لدى الجميع يعني العودة بالمجتمع إلى التخلف والفقر والاستبداد، علاوة على ذلك، إثارة المخاوف على الحياة الديمقراطية المدنية التي ينعم بها الشعب التركي والتي يمارس فيها حقوقه السياسية بشكل حر، ويختار من يشاء لحكمه.. حيث رأينا مؤخراً كيف اختار الشعب الشخصية المعارضة للحزب الحاكم خلال انتخابات البلديات لرئاسة بلدية إسطنبول، أما عن مآلات وتأثير الانقلاب على المجتمع وحزب العدالة والتنمية فيضيف السيد “قطب” قائلاً: الحالة الاقتصادية مستقرة نوعاً ما رغم بعض التعثرات بسبب الضغوط الاقتصادية من قبل محور الشر، لكن ما تزال تركيا أكثر استقراراً من غيرها، وحزب العدالة والتنمية هو الحزب الذي يحظى بالحضور والتمثيل الأكبر في البرلمان والبلديات، كون رئيس الحزب نفسه هو الحاكم، وبالنسبة لشؤونه فهو أدرى بها.

السيد “عبد الحميد قطب” المتخصص في الشأن التركي في صحيفة الشرق القطرية.. يقول لرسالة بوست: جاءت المحاولة الانقلابية الفاشلة لإسقاط التجربة التركية الناجحة ولإسقاط تجربة الديمقراطية الممارسة فعلياً، والعودة بتركيا إلى ما قبل ذلك، فتركيا اليوم تعيش نمواً وتقدماً اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وإنّ نجاح التجربة التركية باعتبارها نموذجاً اسلامياً من خلال التعامل بفلسفة إسلامية.

 وعن مآلات المحاولة الانقلابية وتأثيراتها يتابع السيد “عبد الحميد” قائلاً: من خلال اسقاط الرئيس تسقط الدولة، وهذا مالم يسكت عنه الشعب التركي، لكن تحالف الثورات المضادة سيظل يحشد إمكاناته ليكيد بتركيا شعباً وحكومةً، هذا التحالف الذي ضم دولاً عديدة أولها السعودية ومصر والامارات بالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، يحاولون استغلال الخلاف “اليوناني التركي” من أجل إسقاط الدولة التركية ومنع النظام من الوصول إلى عام 2023 ، كما وتجري من فترة إلى أخرى مناورات وتدريبات على أرض اليونان بمشاركة دول التحالف المضاد ذاتها ، وذلك استعداداً لمحاربة تركيا واسقاط نظامها الحالي. يختم السيد “عبد الحميد” قوله: بأنّ الولايات المتحدة تلعب أيضاً على ورقة الأكراد في دعمها لقوات “قسد” لتكون ذراعاً يهدد أمن تركيا القومي. أما عن الاقتصاد التركي فتكمن محاربته في رفع الدولار مقابل العملة التركية. ونشاهد اليوم أنّ تركيا مهددة بفرض العقوبات الاقتصادية عليها، بسبب مواقفها وعلاقاتها مع روسيا، وفيما يخص الشعب التركي فعلى ضوء محاولة الانقلاب أصبح متيقظاً ومستعداً لأي حدث يهدد أمن دولته، أما حزب العدالة والتنمية فالكرة في ملعبه ومن خلال المراجعات والقرارات والإجراءات سيستعيد قوته من جديد.

من جهته يقول العقيد “فايز الأسمر” المحلل العسكري والسياسي لموقع رسالة بوست: إنّ الهدف من المحاولة الانقلابية بالنسبة لتركيا هو القضاء على زعامة الرئيس أردوغان والنيل من مشروعيته، وتقويض توجهات وسياسات حزب العدالة والتنمية، ولا شك أنّ تلك المحاولة مدعومة من دول مخابراتية عالمية. وبالتأكيد لا يغيب عن بالنا ردة الفعل الباهتة بعد ساعات متأخرة من الانقلاب لدى واشنطن.. فجاءت التصريحات الضعيفة على لسان “باراك أوباما” ووزير خارجيته “جون كيري” بعدم إدانة الانقلاب وأمنياتهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار داخل تركيا دون الإشارة إلى رفضهم للانقلاب العسكري وأنّه كارثة في بلد ديمقراطي، كما وفي بداية الانقلاب كبار جنرالات الإدارة الأمريكية في وزارة الدفاع نشروا إشاعة نجاح الانقلاب وهذا دليل يعكس ما تصبو إليه الولايات المتحدة، وفيما يخص حزب العدالة والتنمية يقول العقيد “فايز” ستمر بعد عدة أسابيع الذكرى 18 لتأسيس الحزب الذي تأثر إيجابياً بحادثة الانقلاب، حيث أصبح الرئيس “أردوغان” يعامل معاملة البطل القومي لأنه أنقذ البلاد من حكم وسيطرة العسكر، وهذا ما يحافظ على شرعيته السياسية والشعبية التي منحته قوة لنقل البلاد إلى مسار سياسي جديد الذي نجح فيه أردوغان بتحويل النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

في السياق ذاته يكمل “الأسمر” حديثه: بأن الشعب التركي يعي تماماً أنّ بلاده مستهدفة بسبب مواقف عديدة، فتركيا هي من دول حلف الناتو الذي خذلها بوقوف أمريكا بجانب تنظيم pyd وقسد الذي تعتبره تركيا تهديداً لأمنها القومي، كما وستحضر عقوبات اقتصادية على تركيا بل لإفشال حزب العدالة والتنمية وإلباسه ثوب الخذلان لشعبه اقتصادياً.. بمعنى معاقبة الشعب ولكن الهدف هو الرئيس، بسبب مواقفه الأخيرة وشرائه لمنظومات دفاعية ليدافع بها عن بلاده_ منظومة الدفاع الروسية S400.

أما بالنسبة لحزب العدالة والتنمية فإنّ معارضة الرئيس أردوغان قوية جداً فنسب الفوز في الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية لا تتعدى نسب 51 52- ، وما جرى مؤخراً في انتخابات إسطنبول بالتزامن مع ازدياد الانشقاقات في داخل حزب العدالة والتنمية.. جعل شخص الرئيس أردوغان يطلب مراجعة لسلوك الحزب ووقفة مع الذات من أجل وضع استراتيجية مستقبلية تعيد صفوف الحزب وألقه من جديد.

يختم العقيد فايز الأسمر كلامه بالقول: إنها حرب سياسية شعواء تخاض ضد الرئيس “أردوغان” داخلياً من خلال التضييق على الشعب اقتصادياً لاستنفاره ضد حزب العدالة والتنمية، إلى جانب التلاعب بسعر الدولار على مدار عام ونصف ما جعل المستهلك التركي يتحمل أعباء اقتصادية كبيرة، التي أراد بعض المغرضين تحميل اللاجئين السوريين مسؤوليتها ، فكثرت حملات التحريض عليهم من قبل أعداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي فتح بلاده أمام اللاجئين السوريين ووقف مع حكومته إلى جانب قضيتهم العادلة.

براءة الحمدو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى