مقالات

تركيا بين الإس 400 والإف 35

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

سنتان بين شدّ وجذب منذ أن أعلنت الحكومة التركية أنها في صدد التعاقد مع روسيا على شراء صواريخ الغس 400 وقد لاحظ الجميع اشتداد الصراع الخفي أو لنقل صراع الإرادات منذ أشهر والمتابع يلاحظ أن جميع اللقاءات التركية مع الجانب الأمريكي والزيارات المتبادلة بين العاصمتين أنقرة وواشنطن، كان موضوع اللقاءات يتمحور حول هذه الصفقة، الجانب الأمريكي ضمن هذا الجذب والشد قدم تارة مغريات كثيرة لتركيا وتارة أخرى كان يلّوح بسيف العقوبات في محاولة لثني تركيا عن المضي في إتمام هذا الصفقة ولكن وعلى الرغم من كل هذا الوعيد والإغراء من الجانب الأمريكي فقد بدأ في اليومين في اليومين الماضين شحن صواريخ إس 400 إلى مطار أنقره في شحنتين جويتين والثالثة ستكون بحرية، وما دفع تركيا لاتخاذ خطوة كهذه اعتبار هذه الصفقة من متعلقات السيادة الوطنية ولا يجوز لأحد التدخل في إتمامها، ولكن السؤال وحقيق علينا أن نسأله هنا: ماذا قدمت أمريكا لثني تركيا عن إتمام الصفقة؟ ولكن وقبل الإجابة على هذا السؤال حري بتا أن نسأل متى بدأت تركيا بالتفكير بامتلاك هذا النوع من السلاح؟ لقد بدأت تركيا بالتفكير بهذا منذ 2013 عندما نشرت الولايات المتحدة صواريخ باتريوت في الجنوب التركي في أماكن قبلت بها تركيا -على مضض – ولكن ومع تصاعد واشتداد الصراع في سوريا وإسقاط النظام السوري لطائرة تركيا دون أن تعمل الباتريوت، ومن ثم سحبها بعد ذلك، وتدخل تركيا عسكريًا في الشمال السوري نتيجة الدعم الغربي اللامحدود لعصابات البككا، وبعد الانتهاء من غصن الزيتون وتلويحها الدائم بعملية منبج والتلويح باستعادتها من البككا والتي تسمي نفسها “قوات سوريا الديمقراطية ” وبعد أن تصاعدت نذر الحرب جعلت تركيا تتجه إلى روسيا لحماية أجوائها من أي اعتداء قد تتعرض له، هنا نعود للسؤال الذي طرحناه، ما الذي قدمته أمريكا لتركيا ولماذا رفضت تركيا ما قدمته؟ فقد وعدت تركيا بمنظومة باتريوت ولكن نظرًا للثمن الباهظ الذي اشترطته أمريكا قياسًا على أسعار الـ إس 400 واشتراط تركيا بأن يكون من جملة الشروط إتمام صفقة باتريوت أن تقوم أمريكا باطلاع الجانب التركي على نظم التشغيل الباتريوت وتقنياته بالنظر إلى أن تركيا أصبحت من الدول المصنعة للأسلحة والتي يمكِّنها الحصول على نظم التشغيل على إمكانية إنتاج ما يماثلها، وهذا ما صرح به الرئيس التركي أردوغان اليوم عندما قال: إنه يمكننا بعد فترة من الزمن أن نقوم بتصنيع الإس 400، وكذلك من جملة ما قدمته أمريكا طائرات الإف 35 كجانب من جوانب هذه الإغراءات والتي اشترتها تركيا، ولكنها مازالت في أمريكا تحتفظ بها ويقوم الطيارون الأتراك بالتدرب عليها، هنا شعرت تركيا – وربما أيقنت – بأن أمريكا تماطل وتسوّف في وقت رحبت روسيا بكل ما أرادته من أمريكا بتقدم لتركيا ما طلبته من أمريكا من اطلاعها على نظم التشغيل وتقنياته لا بل ذهبت روسيا إلى أبعد من ذلك أنه من الممكن جدا أن يشتركا سوية في إنتاج الإس 400!

السؤال المطروح هنا: لِم كل هذه الرفض من الجانب الأمريكي على هذه الصفقة؟ ترى أمريكا أنّ تركيا حليف مهم واستراتيجي في حلف شمال الأطلسي وتعد الدولة الثانية من حيث القوة فيه، وباعتبارها كذلك فإن الأسلحة الأطلسية التي تملكها تركيا باعتبارها عضوًا في هذا الحلف فإن هذا النوع من الصواريخ الإس 400 لا يمكن دمجه مع الأسلحة الأطلسية، ولا يمكن التزاوج بينهما، وسيبدو لحنًا نشازًا مع منظومة وأسلحة الحلف ناهيك أن الطائرة 35 الشبح والتي تعدّ مفخرة الصناعات الفضائية الأمريكية والتي من المزمع أن تسلمها أمريكا لتركيا والتي يقوم الطيارون الأتراك الآن بدورة تدريبية على قيادتها في أمريكا كما اسلفنا، فإن تسليم أمريكا لهذا الصنف من الطائرات لتركيا – فيما لو سلمتها لتركيا – سيمِّكن روسيا أن تطلع على أسرارها وتقنياتها عن قرب ولاسيما أن الطائرة اتخذت الأجواء المحيطة بتركيا مجالًا لها ولنشاطها ولاسيما أن الـ F35 ما كانت إلا لتكون مضادًا لهذا النوع من الصواريخ الأمر الذي يمكن روسيا من إيجاد مضاد لها، وإن كان يبدو أن أمريكا لا تريد دولة إسلامية ناهضة قوية على حدود أوربا، ومن يتابع الصحف والإعلام الغربي يجد أن شيطنة تركيا والرئيس أردوغان تمضي على قدم وساق، حتى صوّر الإعلام الغربي أردوغان بخليفة عثماني سيعيد اجتياح أوربا من جديد!

ولعل ما نلاحظه اليوم من الاستنفار الأمريكي وتهديد أمريكا بالويل والثبور وتهديدها بحزمة من العقوبات اقتصادية وغير اقتصادية والتي يأمل رجب طيب أردوغان ألا تطبقها، لكن كما يبدو فإن العقوبات على تركيا باتت جاهزة وما منع من فرضها في اليومين الماضيين هو احتفال الشعب التركي بذكرى الانقلاب الفاشل والذي تزامن مع استلام تركيا لهذه المنظومة، فقد أرجأت أمريكا فرض العقوبات كي لا تعطي انطباعًا للشعب التركي وتكرّس بهذه العقوبات مقولة إن أمريكا كان لها اليد الطولى في هذا الانقلاب الفاشل ستفرضها في اليومين المقبلين والذي منعها من أن تعلنها اليوم هو احتفال الشعب التركي اليوم بذكرى الانقلاب الذي تعرضت له تركيا في تموز 2016 والذي ارتأت ألا تستعجل أمريكا فرضها وكي لا تجعل العقوبات تتزامن مع احتفال الأتراك، وهذا ما سيكرس اعتقاد الأتراك وإيمانهم بضلوع أمريكا في الانقلاب فيما لو تزامن فرضها مع ذكرى الانقلاب.

العقوبات الأمريكية قادمة على تركيا ولن تكون اقتصادية فحسب بل ستكون وكما يتوقعه بعض المحللين والمهتمين بالشأن التركي يذهب إلى أبعد من ذلك ربما يذهب إلى تجميد عضوية تركيا في حلف الناتو!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى